من المتن الأعلى إلى جرد عاليه وصولاً إلى عين دراة (ضهر البيدر)، تُرتكب كل عام مجازر لا تُحصى، ولا يمكن أن نجد ما يبرر قتل هذه الطيور، التي تضمّ أنواعاً كثيرة تنتمي في معظمها إلى فصيلة «الصقريات»، وهي في مسار هجرتها تسدي لنا خدمة في تحقيق نوع من التوازن البيئي، كونها تقتات على فئران الحقول وتحدّ من تكاثرها. تُعتبر هذه الطيور صديقة المزارع وحارسة مواسمه، ولا تتقاضى «أجراً» عن وظيفة حدّدتها الطبيعة في مسار تطورها عبر آلاف السنين.
«إذا انقرضت الصقور والجوارح على أنواعها ومن بينها (باشق بو فار) فستأكلنا الفئران»، بحسب المزارع عماد البنا، وأضاف: «بدأنا نستخدم على نطاق واسع المبيدات الكيميائية للقضاء على فئران الحقول، وهذا الأمر لجأنا إليه مرغمين بسبب تراجع أعداد أعدائها الطبيعيين، وللأسف نرى الفئران تطل من أوكارها فيما الصقور نافقة وملقاة على الأرض بسبب الصيد». ورأى البنا أن «الاستعانة بالمبيدات ستترتب عليه نتائج سلبية على الصحة وعلى المياه الجوفية والهواء والتربة، فضلاً عن المنتجات الزراعية التي ستكون ملوثة بنسب معينة من المواد الشديدة السمّية»، واعتبر أن «المشكلة أكبر من ذلك لكون المبيدات تقضي في الوقت عينه على الحشرات المفيدة التي تقتات على (المنّ) وبعض الآفات الزراعية».
كائنات أبية ترفض الأسر
إن الصقور المصابة غير القادرة على الطيران تؤثر الانتحار فلا تتناول ما يُقدّم لها من طعام، ويرى الطبيب البيطري الجراح الدكتور شادي رضوان المتخصّص في مجال الخيول والحياة البرية أن «الصقور بأنواعها المختلفة لا تتحمّل العيش في الأسر وتنفق بعد أيام ليس بسبب الإصابة فحسب، وإنما لامتناعها عن تناول الطعام، فهي كائنات تتسم بقدر كبير من الكرامة، ولذلك ترفض العيش في الأسر»، ويقول: «إن علاج الصقر المصاب يتطلّب تلقيمة الطعام رغماً عنه لمدة أسبوعين أو أكثر، ولكم أن تعرفوا كم هذا العمل شاقّ، وإذا كانت الإصابة في أحد الجناحين فلا يعود في مقدوره الطيران».
وأشار رئيس «مركز التعرّف على الحياة البرية» منير أبو سعيد إلى «اننا قبل أسابيع عالجنا عشرات الصقور من أنواع مختلفة، بينها أربعة طيور من نوع (صقر العسل)، ونفق أحدها بسبب إصابته البليغة»، وقال: «المركز يستقبل عشرات الطيور المصابة بطلقات نارية يُحضرها مواطنون إلى المركز، ولكن لا نعرف عدد الطيور التي قُتلت ولا التي أصيبت»، واستغرب «صيد هذه الطيور لأن لحمها لا يؤكل»، لافتاً إلى أن «الصقور والجوارح صديقة المزارع اللبناني لأنها تقتات على الحشرات والفئران والزواحف التي تضرّ بالمزروعات».
عين دارة ـ ضهر البيدر
ورصد الناشط البيئي حافظ يحيى عشرات الصقور المقتولة في عين دارة ـ ضهر البيدر، واستغرب أن «تكون هذه الطيور الرائعة محكومة بالإعدام من الصيادين الذين يقتلون كل شيء يتحرك من ثعالب وغربان وبجع وطيور محلية لها أهمية كبيرة بالحفاظ على دورة الحياة الطبيعية»، وقال يحيى: «فئران الحقل تتزايد بشكل كبير وأصبح وجودها لا يُطاق بسبب اصطياد الجوارح، مع العلم أن قتلها هو لمجرد القتل، وهذا ما تترتب عليه نتائج سلبية تضرّ ليس بالمزروعات فحسب، وإنما بالأشجار الجبلية المثمرة، فتكاثر الفئران يقضي على شجر التفاح المثمر شتاء، فهي تأكل لحاء وجذوع الأشجار، ولا سيما التفاح ما يؤدي لاحقاً إلى يباسها».
واعتبر الخبير البيئي العدّاء الماراتوني شمعون مونس الذي يقود حملة للحفاظ على الصقور والبواشق أن «ما نراه يومياً يؤكد أننا فقدنا إنسانيتنا»، ورأى أن «هناك انتهاكاً للحياة البرية ما يؤكد أننا نعيش انهيار القيم الأخلاقية»، وأكد مونس أن «حملات التوعية لا تجدي وحدها، وإنما المطلوب التشدّد في ملاحقة مَن يمارسون قتل الطيور من دون وازع من ضمير».