بعد ست سنوات من الحرب في سوريا وعليها، آن أوان نهاية تلك الحرب. هذا ما يتردد في العواصم الدولية، وتكتبه اهم الصحف الغربية. لقد ربحت دمشق الرهان وانتصرت الدولة السورية مع محور يدعمها سراً وعلناً، يبدأ من طهران ولا ينتهي في بكين مروراً بموسكو وعواصم وقوى إقليمية وأممية.
نهاية الحرب ليست وليدة رغبة غربية، ولا ميلٍ عربي، بل هي نتيجة صمود سوري ستتحدث عنه كتب وروايات التاريخ، وبسبب دعم أصدقاء وحلفاء دمشق الأوفياء، وانحيازهم الى جانب الانسانية دفاعاً عن الانسان.
نهاية الحرب هي انتصار للأخلاق في مواجهة مشروع الفوضى العبثية التي حملها معه كل متطرف من اصقاع العالم، وروّجت له عواصم غربية وعربية. النهاية التي تنتظر ان يعلن عنها السوريون انفسهم كانت حتمية، سبق وان بشّرت بها وقائع الميدان في حمص وارياف دمشق واللاذقية وصولاً الى حلب الآن.
حكاية النصر كتبتها دماء الشهداء العسكريين والمدنيين منذ عام 2011، وصمود مواطنين لم يهجروا سوريا خوفاً على حياتهم، ولا تحسباً لخسائر اقتصادية عند رجال أعمال دفعوا طيلة سنوات مضت اكثر ما يملكون، ولم ترهبهم العقوبات، ولم يغرهم الترغيب والوعود لترك البلاد. يحق هنا لكل من تحمّل الحملات عليه في داخل سوريا وخارجها مثل رامي مخلوف وفارس الشهابي وآخرين ان ينتشوا فرحاً لانتصار خيار سوري وطني، بعد هروب كبار رجال الاعمال الذين كانوا جنوا ثرواتهم بفضل تقربهم من رجال الدولة، لكنهم كانوا اول من تخلى عنها عند بداية الأزمة، وبعضهم ركب موجة “الثورة” وكرر مقولة “سيسقط النظام”.
حكاية النصر كتبها الفقراء الذين صمدوا امام الحصار الاقتصادي على بلدهم، وصغار الموظفين وعائلاتهم الذين تحملوا ارتفاع أسعار الدولار وانخفاض قيمة الليرة، ولم يصرخوا وجعاً، وبقوا يرددون: الوطن ثم الوطن.
حكاية النصر كتبها الفلاحون الذين حرسوا الارض يتحدون القذائف العشوائية وتحكّم قوى الامر الواقع بالريّ والمياه. والصناعيون الذين صمدوا في معاملهم يلاحقون قطعها المسروقة على الطريق الى الحدود التركية، ويلملمون أجزاءها قطعة قطعة، ويركبّون الدواء كي تبقى صناعته الوطنية اقل كلفة على جيبة المواطن.
حكاية النصر جسّدها معلمو المدارس الذين توزّعوا بين النهار والمساء والتلامذة وأهاليهم الذين واجهوا التهديدات وقذائف “جهنم” التي تساقطت لا تميز بين تلميذ ومعلم وأي مواطن في كل مكان.
تلك الحكاية كتبها فنان وممثل وإعلامي ومصرفي وسائق تاكسي وتاجر ومهندس وطبيب وربة منزل وطفل ورياضي وكهل وعجوز لم يستسلموا لواقع الأزمة. وعريس وعروس اكملا دورة الحياة الطبيعية ولم ييأسا وأنجبا رجال المستقبل، واصحاب المطاعم والفنادق الذين رفضوا الاستسلام ومضوا ولا يزالون يؤسسون المشاريع. الحكاية تلك كتبتها دبلوماسية تميزت بها دمشق ببطولات السفير بشار الجعفري وحكمة الوزير وليد المعلم.
حكاية النصر كتبها ايضاً كل من وقف نصيراً لسوريا من أوّل الطريق، لم تضلله شعارات مقدسة عن الحريّة، ضاعت او تكشّفت عند اعلان فصائل المقاتلين ووصول المتطرفين واهداف الدول.
النصر ايضاً -كمثال- لدماء ناهض حتر الذي رفع صوته مدويّاً انتصاراً للإنسان في سوريا حتى سقط شهيداً في عمَّان على يد التطرّف نفسه. النصر يُسجّل لكل إعلامي لبناني ومصري وأردني دخل سوريا منذ عام 2011 واكتشف مسبقاً حقيقة ما يجري فيها ووقف مع السوريين يوم تخلى عنهم كل العالم. لهؤلاء فضل.
بالطبع، الانتصار للمقاومة اللبنانية التي قدمت شهداء ولا تزال، والايرانيين الداعمين، والروس رعاة النصر في السياسة والحرب في الميدان. ولكل محارب انحاز للمنطق والعقل والإنسانية وواجه الجهل والتطرف والارهاب بالسلاح والكلمة والموقف.
كل هؤلاء يشعرون الآن ان انتصار سوريا قريب جداً، لأن بعد حلب يسبق ما قبلها. انها الخط الفاصل بين مرحلتين. لقد أصبحت نهاية الحرب السورية على الأبواب، بعد سقوط الحرب على سوريا. عواصم العالم تغيّر معادلاتها وتبدّل سياساتها. الأميركيون والأوروبيون باتت تحكمهم ادارات انكفائية مقابل تمدد نفوذ روسيا والصين. الزمن تغيّر، والرئيس السوري بشار الاسد الذي صار أسطورة في الصمود، يكتب الآن خطاب النصر، للاطلالة قريباً من حلب. بالتأكيد ستنصت اليه كل محافظات سوريا وتُترجم الأمر مصالحات وإعماراً. لقد صنعت الحربُ المجتمعَ السوري المقاوم.
عباس ضاهر – النشرة