عن العملية العسكرية التي نفذّها الجيش اللبناني في منطقة عرسال، تروي مصادر عسكرية رافقت سير العمليات القصة كاملة، شارحة لـ"لبنان 24" كيف جرت "عملية المباغتة" النوعية، وكيف تمكنّ الجيش من استباق الارهابيين بدقة عالية.
عملية مباغتة ونوعية
وتروي المصادر: "بعد تشديد المراقبة والإستعلام، توافرت معلومات استقصائية لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن وجود مجموعات ارهابية في مخيمات "النور" و "القارية" للنازحين السوريين في جرود عرسال، تتهيأ للتحرّك خارج المخيمات، من اجل تنفيذ عمليات عدة في مختلف المناطق اللبنانية.. جرى رصد دقيق لاتصالاتها وحركتها،وتم التعرّ ف الى كيفية تأمين خروج العناصر الإرهابية الى الاهداف التي كانت تنوي تنفيذ عملياتها فيها".
تتابع المصادر: "قام فوج المجوقل في الجيش بعملية نوعية واستباقية مباغتة، تشبه "العملية الجراحية" حيث تم استئصال الخلايا الارهابية بحزم وحرفية".
.."بعد توافر المعلومات حول وجود خلايا ارهابية في المخيمين المذكورين، رُفعت جهوزية فوج المجوقل، وتم استدعاء جميع العناصر، والغيت المأذونيات بحجّة ان هناك احتفالاً رسمياً، وتم استقدام كل الوسائل والحاجيات التي تشي فعلاً بأن هناك احتفالاً رسمياً... الا أنّ الفوج كان حاضراً وبكامل جهوزيته منتظراً ساعة الصفر!"
تضيف المصادر: "عند بزوغ الفجر، أي عند الساعة الخامسة تقريباً، انطلقت مجموعتان من الفوج المجوقل بنفس التوقيت. المجموعة الاولى اتجهت الى مخيم "القارية" والثانية الى مخيم "النور"، والجدير ذكره ان كل مخيم يحتوي على حوالي 1000 نسمة من النازحين السوريين. وأثناء قيام قوّة من الفوج بتفتيش مخيم "النور"، أقدم انتحاري على تفجير نفسه بواسطة حزام ناسف، أمام إحدى الدوريات المداهمة ،ما أدّى إلى مقتله وإصابة ثلاثة عسكريين بجروح غير خطرة."
.."وفي وقت لاحق، واثناء قيام الفوج المجوقل في اتمام عملية التفتيش، أقدم ثلاثة انتحاريين آخرين على تفجير أنفسهم من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما فجّر الإرهابيون عبوة ناسفة، فيما ضبطت قوى الجيش أربع عبوات ناسفة معدّة للتفجير، عمل الخبير العسكري لدى الفوج على تفجيرها فوراً في مكانها".
في موازاة ذلك، قامت قوّة أخرى من الفوج المجوقل بعملية تفتيش في مخيم "القارية" الذي يبعد ثلاث كيلومترات والتابع للنازحين السوريين في المنطقة عينها، أقدم أحد الإرهابيين على تفجير نفسه بواسطة حزام ناسف دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما أقدم إرهابي آخر على رمي قنبلة يدوية باتجاه إحدى الدوريات، ما أدّى إلى إصابة أربعة عسكريين بجروح طفيفة".
وتشير المصادر العسكرية لـ"لبنان 24" الى أن "هذه العملية الواسعة حققت نجاحاً مؤكداً، واحبطت عمليات ارهابية كانت تتحضر مجموعات وافراد من "داعش" و"النصرة" للقيام بها، مستغلة تغلغلها في مخيمات النازحين المنتشرة في منطقة عرسال، مؤكداً أن العملية تمت بدراية وحرفية حيث تجنب الجيش خسائر من بين الاهالي النازحين. ورغم ذلك، تمكّن أحد الانتحاريين من قتل طفلة، تبيّن لاحقاً أنها ابنة أخيه".
اما عن نجاح الخطة العسكرية المباغتة، فتقول المصادر العسكرية: "إن السرية التامة والتمويه خلال التحضير للعملية العسكرية وطريقة رفع الجهوزية، ومداهمة المخيمات بنفس التوقيت، والسرعة في تنفيذ العملية، كذلك فرز النازحين من اطفال ونساء على حدة، والرجال في مجموعة اخرى، والمهنية في التنفيذ عبر كشف خمس عبوات كانت معدة للتفجير، هو ما ادى الى تنفيذ الخطة بدقة.."
وتتابع: " كان هناك مجموعة من العسكريين، تطوّق مكان العملية، لتفادي اي تدخل خارجي من اي مخيم آخر، كذلك تم تأمين الفصل بين المخيمات الاخرى الموجودة حول مخيمي "النور" و"القارية".
حماية المدنيين
وتابعت المصادر العسكرية: "إن العسكريين كانوا يداهمون، يفرزون اللاجئين، يفككون العبوات، ويلقون القبض على الإنتحاريين، ويؤمنون الطوق وينقذون المدنيين العزل -الذين اتخذهم الارهابيون دروعاً بشرية- حيث تم انقاذ ثلاث نساء وعدد من الأطفال من قبضة الإرهابيين من دون التعرض للمدنيين"، وشددت المصادر على أن "الجيش برهن مراراً، مدى تعاطفه إنسانياً مع النازحين السوريين ولم يتعرض لهم يوماً، خصوصاً خلال العمليات الأمنية التي جرت سابقا".
خيوطٌ أمنية جديدة
ووفق مصادر امنية فإن التحقيقات كشفت حتى الساعة، ان 28 من الموقوفين هم من الإرهابيين، وخلال الـ48 ساعة المقبلة ستُكشف خيوط جديدة حول ما كانت تسعى اليه هذه المجموعات الإرهابية.
وتابعت المصادر: "ان عملية الجيش برهنت ان المؤسسة العسكرية والقوى الامنية، هي في اعلى درجات الجهوزية لمواجهة مخاطر الإرهاب المتربص بوطننا، خصوصاً في ضوء محاولات هذه المجموعات جعل المخيمات قنابل موقوتة. وهذا ما اشار اليه العماد جوزف عون قائد الجيش، الذي اكد "قرار الجيش الحاسم في القضاء على التنظيمات الإرهابية وخلاياها وأفرادها أينما وجدوا على الأراضي اللبنانية، ومهما كلّف ذلك من أثمانٍ وتضحيات، ولفت إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف العمليات النوعية لاقتلاع هذا الشرّ الخبيث، الذي لا يعير أيّ اهتمام بحياة الإنسان، ويضرب عرض الحائط كلّ القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية."
الجميع أمام مسؤولياته
أخيراً، تجدر الاشارة الى أنّ هذه العملية النوعية تضع جميع القوى السياسية امام مسؤولياتها، ليس لجهة توفير الغطاء السياسي للجيش والقوى الامنية فحسب، وهذا أمرٌ بديهي، لكن المطلوب أيضاً العمل من اجل تأمين وتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية لاستكمال معركتها ضد الإرهاب، وكذلك وضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته لمساعدة لبنان في التعامل مع قضية النازحين السوريين، ومنع استغلال التنظيمات الإرهابية للمخيمات المنتشرة في لبنان ولا سيما عند الحدود الشرقية.
شانتال داغر - لبنان 24


