في 29 نيسان 2009، صار السؤالُ أكبر: مَن قتل رفيق الحريري مرتَين، مرةً أولى بالاغتيال، ومرةً ثانية، بالتزويرِ والتحويرِ والاستغلالِ والاستخدام، من أجل حكمِ لبنان بالباطل، ومن أجلِ قَهْرِ اللبنانيِّينَ بقميصِ الدم، وتجَّار الدم، وحكَّام الدم.
هناك مجرمٌ خطَّطَ لقَتْلِ رفيق الحريري. هكذا قال هذا المساء نجلُه سعد الدين. لكن ما لم يَقُله، أنَّ هناك مجرماً آخرَ لا يَقُلُّ إجراماً، خطَّطَ لاستغلالِ الجريمة، من أجل قَتْلِ وطن، وسَحْقِ شعب، وتجريمِ أبرياء، والتهويلِ والتهديدِ والتخوين.
وإذا كان الحريري الابن لم يَعرِف بعد مَن نَفَّذَ جريمَةَ قتلِ والِدِه، فإنَّ جميعَ اللبنانيِّينَ باتوا اليومَ يعرفونَ مَن نفَّذَ الجريمَة الثانية، جريمة محاولة اغتيال وطنِهِم وحقيقَتِهِم وميثاقِهِم وتوازُنهِم وكراماتهِم، بذريعَةِ اغتيال الحريري.
إذا كان المسؤولُ عن الجريمةِ الأولى مجهولاً، فالمسؤولُ عن الجريمةِ الثانية معروفُ الاسمِ والهويَةِ والوَجْهِ والانتماء. إنه كلُّ سياسي مؤيِّد لقريطم اتهَمَ زوراً، وكلُّ مُستَكتِبٍ لدى إعلامِ قريطم كتب كَذِباً، وكلُّ بوقٍ موظَّفٍ لدى بروباغاندا قريطم طبَّلَ نَصْباً وفُجوراً وعُهراً، باسمِ الجريمَةِ الأولى، لتمريرِ الجريمَةِ الثانية.
يومَ اعتقال الضباط، أعلن الحريري بلهجَةِ البَطَر السياسي، أنَّ العدالَةَ بدأت وهي آتية. وقال السنيورة بالنبرَةِ نفسِها، إنَّ البلَدَ بألفِ خير، وإنَّ الدنيا لن تنقَلِبَ إلا على رؤوسِ المجرمين. وقال جنبلاط بالصوتِ ذاتِه، إنَّ رؤوساً كبيرَةً ستسقُط في لبنان وخارجَه.
صَدَقَ الثلاثة، ولو بعد أربعةٍ وأربعينَ شهراً. لكنهم لم يفكِّروا يومَها لحظة، أنَّ العدالَةَ ستطالهم هم، وأنَّ الدنيا ستنقلب بالحقِّ على رؤوسِهِم هم، وأنَّ ما سيسقط ليس غيرَ رؤوسِهم.
الضباطُ الأربعة الى الحرية اليوم. يبقى بَدءاً من الغد، أن يذهَبَ جميعُ المرتكِبينَ والمتورِّطينَ الى المحاكمة. الذين أخفَوا أدلَّةَ جريمةِ اغتيال الحريري. والذين لفَّقوا الأدلةَ لاتهامِ الآخرين. مَن هم بالأسماء؟ افتحوا صُحُفَهُم الصفراء وأقلامَهُم السوداء طيلةَ أربعةٍ وأربعينَ شهراً واقرأوا كَذِبهَم وتواقيعَه، وليذهبوا كلُّهم الى المحاكمة، من أجل الحقيقة، من أجل لبنان.
