أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

اسم "منى بعلبكي" في صندوقة الاقتراع!

الإثنين 07 آب , 2017 02:24 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 14,562 زائر

اسم "منى بعلبكي" في صندوقة الاقتراع!

غريبة حياتنا في لبنان، تطرح أكثر من علامة استفهام وتعجب. نصحو يومياً على أزمة جديدة تئد سابقتها، أو بالأحرى تحجب النور عنها فقط ولا تزيلها. قد نستفيق فجأة على صخب فضيحة جديدة، فنتحضّر ونستنفر لمعايشتها، مواجهتها، تشويهها أو تجميلها.

منذ بضعة أيام، انشغل الرأي العام اللبناني بفضيحة "منى بعلبكي"، رئيسة قسم الصيدلة في "مستشفى رفيق الحريري"، والتي "استولت على كمّية كبيرة من الأدوية السرطانيّة الموجودة في المستشفى، والمُقدّمة من وزارة الصحّة العامّة، وباعتها واستوفت ثمنها بمئات ملايين الليرات لمصلحتها الشخصية، واستبدلتها بأدوية أخرى غير فعّالة وفاسدة ومنتهية الصلاحية، وأعطتها لعدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان، من دون علمهم ومعرفتهم، ما سبّب وفاتهم، بحسب ما جاء في الحكم الصادرعن الهيئة العليا للتأديب والذي قضى بعزلها من الوظيفة العامة.

الفضيحة مزدوجة في هذه القضية التي أثارها الإعلام بشكل كبير، شئنا ذلك أم أبينا، فهذا الأخير هو من سلّط الضوء على حكم الهيئة العليا للتأديب الصادر بعد 8 سنوات! وعلى هذا النحو، صُدم اللبنانيون بهول ما ارتكبته بعلبكي (بحسب ما جاء في الحكم) من جريمة بحق حلقة "ضعيفة" في المجتمع، أي مرضى السرطان، وقد أدركوا منذ اللحظة الأولى أنّ هذه الأفعال الإجرامية لا يمكن أن تكون نفذتها "قفازات سوداء" تابعة لمؤّظفة وحسب، بل إن الفضيحة تكتمل مع توّرط آخرين من أصحاب المراكز والألقاب والسلطة. أما الوجه الآخر الفضائحي في القضية فتمثل باقتصار التحقيقات على الجانب الإداري، واستغراقها 8 سنوات قبل أن تعزل من وظيفتها التي كانت قد استمرّت فيها 5 سنوات قبل أن تغادر إلى خارج البلاد.

ضجّة كبيرة على الصعيد المحلي، بل الإقليمي أحدثتها هذه القضية القديمة – الجديدة. وفيما راحت الوسائل الإعلامية تتناول الموضوع من جوانب مختلفة، كان الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يجودون في التعبير عن آرائهم وتحليلاتهم، وصولاً طبعاً إلى المطالبة بإنزال عقوبة الإعدام بحق بعلبكي، وهي مطالبات تعقب كل جريمة أو مأساة، ما يُفسّر مجدداً ميل قسم كبير من المجتمع اللبناني إلى تأييد خيار توّسل العنف لمحاربة العنف، للأسف!

وقبل أن تفرد بعض الشاشات مساحة لا بأس بها لتطلّ عبرها المتهمة بـ"القتل" (بحسب ما ورد في قرار الهيئة)، لتُدلي بـ"وجهة نظرها" وتدافع عن نفسها في إطار اعتُبر يعود بالفضيحة على الوسائل الإعلامية المعنيّة كونها لعبت دوراً معيباً لامس حدّ محاولة تلميع صورة بعلبكي... قبل أن يحصل هذا وبعده، ما انفكّت أغلبية اللبنانيين تطالب بالاقتصاص من "السفّاحة" ومن كلّ من شارك وساهم وغطّى وسكت وأخفى، أياً يكن موقعه أو مركزه. وهذا أمرٌ إيجابيّ إلى ابعد الحدود: أن يفهم اللبنانيّ أن ثمة منظومة فساد متكاملة وقويّة ومترسخة، فلا يمكن أن يقوم شخص واحد أو حتى "زمرة" صغيرة بهذه الأفعال الجرمية (حتى في التقارير التي ظهرت فيها بعلبكي محاولة تبرئة نفسها اعترفت بارتكابها مخالفات)، وإن فعلوا فلا يمكن أن "تتمغّط" كلمة القضاء بهذا الشكل، إلا اذا كان من غطاء "على مستوى".

وإذا كان المجتمع اللبناني قد عبّر عن أقصى مشاعر الغضب تجاه موّظفة ارتكبت مخالفات أو جرائم، وكل الأمل ان يقول القضاء كلمته في القريب العاجل فيضع النقاط على الحروف، فإن سكوته في المقابل عن كلّ الجرائم التي ترتكب بحقه يومياً، وباسم منطومة الفساد نفسها، أمرٌ يستأهل الاستغراب والتمحيص.

ممتازٌ أن يتفاعل الرأي العام مع قضايا بالغة الخطورة والأهمية كملف بعلبكي، وأن يحتكم لصوت الضمير والعقل والقانون والعدل والانسانية، لكنّ الخطورة تكمن في نسيانها مع طلوع فجر جديد وفضيحة جديدة، أو مع مرور الوقت وما يتبعه من تأقلم.

الخطورة في أن ينسى الرأي العام اللبناني أو يتناسى أن ثمة منى بعلبكي في معظم الإدارات الرسمية والمؤسسات والوزارات...وحتى في المجلس النيابي! وإلا ماذا يمكن أن يفسّر، على سبيل المثال، إغفال المعنيين (الدولة) عن تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟ أليس التدخين يسبب أمراضاً سرطانية؟ وماذا يعني انتشار النفايات وتكدسها في كل زوايا لبنان، وبحره وبرّه، وماذا يعني تلوّث جوّه بسموم المصانع والمحارق وعواميد الكهرباء وبواخرها؟ وماذا يعني غياب الأمن الغذائي في ظلّ استمرار موجة الأطعمة الفاسدة والمياه الملوّثة؟ وماذا يعني إغراق بلدات بمياه الصرف الصحي؟ ماذا يعني مكب برج حمود وماذا يعني تمديد العمل في المرامل والكسارات؟ ماذا تعني زحمات السير الخانقة التي عصي اليابانيون عن حلّها، أو هكذا أوحي لنا، وماذ يعني غياب الرقابة عن المستشفيات والمستوصفات ودور الرعاية؟!

تستحق منى بعلبكي وشركاؤها العقاب العادل بحسب القانون وكلمة العدالة والحق. ويستحق الشعب اللبناني أيضاً محاسبة أشباه منى وأمثالها ليوقف توّسع الأورام في يومياته وحيواته. لكنّ الخوف، كلّ الخوف أن نجد في صندوقة الاقتراع، في الانتخابات القادمة، اسم منى بعلبكي، بالخطّ الأسود العريض والوقح!

المصدر: للكاتبة ربيكا سليمان - "لبنان 24"

Script executed in 0.21680808067322