كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة "الجمهورية": "أكثر من 26 ألف و900 ساعة، وأكثر من ألف و120 يوماً إنتظر أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، خبراً يُحدّد مصير أبنائهم ويروي ظمأ شوقهم إليهم. ملّت عقارب الساعة من نظاراتهم وما ملّوا الانتظار. 3 سنوات و26 يوماً والخيمة التي نصبوها في ساحة رياض الصلح، تشهد على لعلعة حناجرهم، وأنين وجعهم، وحرق أعصابهم... إلى أن دقت ساعة الصفر ووصلهم الجواب «قد تمّت تصفيتهم». لا لم يسقطوا، هم ارتفعوا إلى فوق ليشقّوا فجراً يليق بالأحرار. ولهؤلاء عرس جماعي يليق بالأبطال في غضون أيام.«بالمنام» فقط يمكن لماريا بعد اليوم معانقة والدها وتكهّن تقاسيم وجهه، وملمس شاربيه. هي التي تعرّفت إليه بالصورة، نظراً إلى انها أبصرت النور خلال وجود أبيها المعاون ابراهيم مغيط في أرض المعركة.
بحماسة انتظرته لعلّهما يطفئان معاً شمعتها الثالثة هذه السنة، وإذ بحلم عودة الأب ينطفئ مع خبر استشهاده. كذلك خسر شقيقها عمر (8 سنوات) الهدّاف الأحبّ إلى قلبه، «بابا بطل الفوتبول»، فيما حمزة الشقيق الأصغر، يأبى تصديق ما حصل وعند رؤيته طيف بزّة عسكرية يهتف «بابا! بابا».
يعجز نظام مغيط عن التحدث لـ«الجمهورية» بعد تأكده من خبر استشهاد شقيقه ابراهيم، تخونه دموعه، مُتمتماً: «نحنا الاهالي شو بدنا نقول لولادنا بعد كل هالنطرَة؟». يصمت، يسترجع قواه: «كل ما علينا القيام به أنجزناه، من تصعيد، إلى زيارات رسمية لقيادات سياسية ودينية. وحدها الدولة لم تقم «بربع» ما كان عليها القيام به».
منذ فجر السبت وَرد خبر لأهالي العسكريين: حسين عمار (فنيدق)، خالد مقبل حسن (فنيدق)، ابراهيم مغيط (قلمون)، محمد يوسف (مدوخا)، علي الحاج حسن (شمسطار)، مصطفى وهبة (اللبوة)، سيف ذبيان (الشوف)، علي المصري (حور تعلا)، عبر مواقع التواصل الاجتماعي مفاده أنّ العسكريين مقتولون.
فقام حسين والد الشهيد محمد يوسف ونظام شقيق الشهيد إبراهيم مغيط بجولة اتصالات، من دون التوصّل إلى الجواب اليقين. لكنّ الشك بدأ يتسلل إلى قلبيهما، واشتَمّا من صمت المعنيين رائحة الاستشهاد، إلّا انهما حاولا حتى اللحظة الاخيرة طرد الشكوك متمسّكين بالامل، «بلكي طيّبين، بلكي المفاوضات بتحمل بشرى سارّة».
على رغم الانتظار الطويل الذي اختبره الاهالي طوال سنوات، إلّا أنّ الـ24 ساعة الاخيرة بَدت كالجحيم. ومع تناقل وسائل الاعلام صباح الاحد خبر وقف إطلاق النار منذ الساعة السابعة صباحاً في معركة الجرود، وضمن اتفاق شامل مع «داعش» ينهي المعركة ويُكشف فيه مصير العسكريّين، تداعى الاهالي الى التجمّع في الخيمة ومواكبة الاخبار لحظة لحظة.
طوال قبل الظهر بَدت ساحة رياض الصلح كمدينة أشباح، الصمت سيّد الموقف، تخرقه تنهدات الامهات الملوعات، وتسارع طرقات قلوب الزوجات.
وبين الفنية والأخرى تعلو الشتائم بحق بعض وسائل الإعلام التي تنافست في ما بينها على إرسال الاخبار العاجلة، التي شكّلت رصاص إعدام لأعصاب الاهالي، ومع كل رنة «نوتيفيكيشن»، إشتدت أعصاب الاهالي وارتفع ضغط البعض منهم، لتعلو الصرخات: «يا عمّي إشفقوا علينا هَيدي مش مبارزة ولا سبق صحفي». ليحاول حسين يوسف ضبط الاجواء بما تبقى لديه من قوة، قائلاً: «إنتظروا يا جماعة زيارة اللواء لنا".
الجمهورية