بعد الإنجاز الذي حققه الجيش اللبناني في عملية "فجر الجرود"، وبعدما ودّع لبنان شهداءه في عرس الشهادة، مع ما رافق ذلك من لغط حول المسؤولية السياسية والميدانية لما آلت إليه من نتائج تكثر حولها التساؤلات من دون أجوبة واضحة حتى الآن عن مرحلة ضبابية، يبدو أن المسؤولية فيها ضائعة بين ما هو على خلفية سياسية وما هو موثق ميدانيًا، وفق مصادر رافقت بدقة مرحلة خطف العسكريين الشهداء، التي تؤكد أن قيادة الجيش كانت قادرة في حينه على تحرير الجنود الأسرى في خلال ساعتين لو أعطيت الضوء الأخضر السياسي للقيام بهكذا خطوة، يقول البعض أن كلفتها كانت أقل بكثير مما آلت إليه الأمور لاحقًا.
وهذه المعطيات وغيرها الكثير من المداولات، التي كانت تُعتبر سرية، ستوضع أمام لجنة التحقيق، التي أنطلقت بتكليف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني البدء بإجراء مسح ميداني لتلك الفترة، وتكوين ملف متكامل يسمح بفتح تحقيق قضائي قد يتوسع إلى أن يصل إلى لجنة نيابية – قضائية، وذلك من أجل جلاء الموقف وتحديد المسؤولية وإتخاذ إجراءات معينة لمنع تكرار حصول ما جرى وتلافي أي أزمة مشابهة في المستقبل.
ووفق هذه المصادر فإن قيادة الجيش لم تكن في حاجة في حينه إلى قرار سياسي، بإعتبار أنها كانت مغطّاة سياسيًا بقرار صادر عن مجلس الوزراء بتكليف الجيش بتنفيذ خطة امنية لمنطقة البقاع من دون أن يشمل القرار أي إستثناءات، وبالأخصّ أن منطقة عرسال بالتوازي مع منطقة بريتال كانتا مشمولتين بهذا القرار، وبالتالي، ووفق المصادر ذاتها، كان حري بقيادة الجيش في حينه تنفيذ خطة تحرير الأسرى من دون العودة إلى الغطاء السياسي، مع أن سرعة التحرك كانت كفيلة بتنفيذ هذه العملية بأقل كلفة ممكنة، من حيث الأعداد المقدّرة، وهي في أقل تقدير، ودائمًا وفق هذه المصادر، هي أقل بكثير من الأرقام التي تُعطى، وهي غير متطابقة مع الوقائع الميدانية في حينه، وهي لا تعدو كونها حججًا لتغطية المسؤولية المشتركة للفشل في عملية التحرير.
وفي رأي هذه المصادر فإن قرار وقف النار، الذي تزامن مع بدء مهمة لجنة العلماء المسلمين في حينه، والتي أفشلها مسلحو "داعش" و"النصرة" من خلال إطلاق النار على أعضاء اللجنة قبل وصولهم إلى هدفهم، كان قرارًا غير صائب، إذ لا يوجد في تاريخ الجيوش النظامية ما يُسمى بالتفاوض بين جيش نظامي وبين أي ميليشيا، وبالتالي فإن الموافقة على وقف النار كان قرارًا في غير محله الصحيح، خصوصًا أن الجهة المفاوضة من الطرف الآخر كانت تهدف إلى كسب الوقت إخراج العسكريين من منطقة كان في إمكان الجيش الوصول إليها.
وتساءلت هذه المصادر عن السبب الذي حال دون إستخدام الجيش في حينه سلاح الجو لمنع سحب المسلحين للعسكريين الأسرى إلى منطقة جردية يصعب الوصول إليها.
أسئلة كثيرة ستكون في متناول لجنة التحقيق، التي يفترض بها أن تصل إلى نتيجة والأ يُسمح هذه المرّة بـ"ضبضبة" الملف ولفلفته.
لبنان 24