ستّة أشهر مرّت على وفاة الشّاب سمير رشماني، وعائلته لا تزال تنتظر تقريراً مُفصّلاً شاملاً يُفنّد الوقائع والاسباب التي أدّت الى رحيل ابن السّابعة عشرة ربيعاً، وحُكماً عادلاً يُحدّد بشكل صريح وعلنيّ الجهّات المسؤولة بطريقة مُباشرة او حتّى غير مُباشرة عن الاهمال، والتباطؤ والتلكّؤ، الذي وضع حدّاً لحياة، لم تنتهِ بسبب "لعبة القدر" التي "تُعزّي" المحزون عادةً، بل نتيجة أخطاء طبيّة فادحة، قد تُدفن مع الضحيّة وغيرها من الملفّات الطبيّة في حال لم تحصل المُحاسبة.
رشماني، هو شابٌ لبنانيٌّ، تعرّض لكسر في ساقه اثر سقوطه عن الدراجة الناريّة، في منطقة الحازميّة، ولضربة هي الاقوى، عندما رفضت ثلاث مستشفيات استقباله على نفقة الوزارة لان بوليصة التامين خاصته منتهية ويقود دراجة غير مسجلة وهو تحت السن القانوني.
وقد طلبت مستشفى قلب يسوع من والدة "سمير" مبلغ يتراوح بين ٩ آلاف و ١٣ الف دولار اميركي للقيام بعملية جراحية عاجلة. وكون والدته لا تملك هذا المبلغ ذهبت للبحث عن بدائل علها تفي الغرض لكنها لم تكن تدري ان ذلك سيكون سبباً في نهاية حياة نجلها الاصغر حتى وصلت الى المستشفى الوطني في عاليه الدي وافق على استقباله على حساب وزارة الصحّة، بيد أنّ مضاعفات حصلت خلال العمليّة أدّت فيما بعد الى بتر ساقه، وغسل الكلى.
وتتهم والدة الشاب الضحية المستشفى بـ"الاهمال وتعريض ابنها للخطر وعدم تلقيه العنايا المطلوبة قبل العملية، اذ لم تجر له اية فحوصات طبية لتكوين نظرة مبدئية عن حالته بل ترك في الغرفة دون اي وسائل العلاج لمدة ٢٤ ساعة قضاها في الم شديد".
هذه القضيّة، تشتّت هي الاخرى بين المحاكم، ووزارة الصحّة والنصوص القانونيّة، والحجج التي يتذرّع بها كلّ طرف معنيّ بهذا الملف، حيث أنّ وزارة الصحّة أجرت تحقيقاتها من خلال مجموعة من الاطباء المُتخصّصين، وانتهت الى وضع تقرير عن الاخطاء التي تكون قد حصلت مع توزيع المسؤوليّات، فيما طلب وكيل السيّدة ميراي عون والدة الشّاب سمير، المحامي رفيق غريزي، من رئيس لجنة العناية الطبيّة الدكتور جوزف الحلو تسليمه نسخة عن التقرير، فكان أن أجابه بالرفض بحجّة ان هذا التقرير هو ملك للوزارة ولا يتمتّع بأيّ قيمة قانونيّة. وهنا نقطة الخلاف الاساسيّة التي تحرُم العائلة حتّى الان من حقّ الوصول على الدليل الذي يكشف كامل الوقائع.
وبعد قرارين، صادرين عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت زلفا الحسن، الاوّل بتاريخ 29/5/2017، للترخيص لها بالاستحصال على نسخة عن التقرير، والثاني بتاريخ 22/6/2017، ألزمت فيه الوزارة بتسليم المستدعية صورة عن التقرير المذكور، انتقل كاتب المحكمة مع وكيل المستدعية الاستاذ غريزي إلى الوزارة في مسعى للاستحصال على التقرير المذكور، ليواجها بالرفض ايضاً.
ومن المعلوم ان لاهالي الضحية الحق في الاطلاع على مضمون التقرير، وفي حال اتاهم الرفض من قبل الجهة المعنية (اي الوزارة) يجب ان يكون معللاً بالاسباب.
مصادر وزارة الصحّة، تربط السّبب وراء عدم اعطاء التقرير، في أنّ "لجنة التحقيقات هي استشاريّة، فلا شخصيّة قانونيّة لها في هذا السّياق، ولا يحقّ لها ان تُحقّق او تتوسّع في التحقيق مباشرةً الّا بالاوراق المُتاحة أمامها والتقارير الواردة من قبل المُفتشين والشكوى المقدّمة من المعنيّين، واذا كان الملفّ غير مُكتمل فمن الصعب ان يطبّق عليه قانون الحق بالوصول الى المعلومات".
في المُقابل، تتمسّك مصادر موثوقة مطّلعة على الملفّ، بالمادة الاولى من القانون المذكور، والتي تنصّ على أنّه "يحقّ لكلّ شخص، طبيعي أو معنوي، الوصول إلى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها، وفقا لأحكام هذا القانون، مع مراعاة عدم الإساءة في استعمال الحق". معتبرةً ان "أجوبة وزير الصحّة ضبابيّة جدّاً، كما ان لجنة التحقيق وان كان دورها استشاري فقط فهي مُلزمة باعطاء التقرير الى القاضي، انطلاقاً من حرية الاثبات وجمع الادلة التي تكون نابعة عن قناعة القاضي الذي له ان يحصل على اية معلومة قد تساعده في كشف الحقيقة".
وكشفت مصادر موثوقة لـ"ليبانون ديبايت"، عن "تطويرين جديدين، حصلا على صعيد القضية، فمن جهّة أولى، تقدّمت الجهّة المُدعيّة بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، بحق المستشفى حيث أجريت العمليّة والدكتور وكلّ من يظهره التحقيق فاعلاً او شريكاً او متدخّلاً أو مُسهّلاً بجرم الخطأ الطبيّ.
أما التطوّر الثاني، فيتمثّل بحسب معلومات المصادر، بتحويل وزارة الصحّة الملفّ الى النيابة العامة التمييزيّة منذ عشرة ايّام تقريباً، وسط وعود بتزويد الجهّة المدعيّة بالتقرير الطبيّ خلال يومين". مضيفةً:"كما أن هناك، قراراً صدر يوم الجمعة عن قاضي الامور المستعجلة قضى بتكليف الخبير الدكتور اسعد ميرزا بالانتقال الى الوزارة يرافقه وكيل المستدعية للاطلاع على التقرير الطبي والتأشير عليه بعبارة "كي لا يُبدل" وتوثيق مضمونه".
واستغربت المصادر "تكرار حالات الاخطاء الطبيّة في الفترة الاخيرة، من دون ان يتابع الملفّ حتى النهاية بمحاسبة المسؤولين، وكيف هناك مستشفيات تحصل على ترخيص على الرغم من انها لا تستوفي ابسط الشروط، ولمَ لم يُصار في ايّ ملف الى توقيف طبيب او اقفال مستشفى تسببّت بوفاة مريض نتيجة اهمال واخطاء طبيّة رغم ان الامر تكرر اكثر من مرة ولمَ الغموض فيما خصّ قانون الوصول الى المعلومات"!
وثمة تساؤلات تطرح لمعالي وزير الصحة حول اسباب عدم اتخاذ تدابير بحق بعض الاطباء والمستشفيات المتهمة علماً انه كان احدى الحالات قد اتخذ قرارا وعبر الاعلام، ما يثير عدة علامات استفهام حول الاسباب والدوافع.
وردّاً على هذه التساؤلات، أكّدت مصادر مقرّبة من وزارة الصحّة، أنّ "الاخيرة تقوم بتحويل الملفّات الى القضاء او نقابة المستشفيات، وهي دورها استشاري في هذا الموضوع، ولها ان توجّه الاسئلة، وتراقب المستشفيات، لكن لا حقّ يخولّها التوسّع في التحقيق، تماماً كما فعلت مؤخّراً فيما يتعلّق بالمستشفيات التي أحالتها الى القضاء والانذارات التي وجّهت"، مشدّدة في موضوع التراخيص، على أنّ "مجلس الوزراء هو الذي يمنح الترخيص للمستشفى، وهو الذي يقوم أيضاً بسحبها، في حين أن صلاحيّة الوزير في هذا المجال تخوّله فقط تجميد الرخصة، ومراقبة اوضاع المستشفيات، واحالة المستشفى التي يُثار حول الشُبهات الى القضاء والجهات المُختصّة لتقول كلمتها وتُصدر حُكمها، كما ان الوزارة ليس من حقّها الكشف عن اسماء مستشفيات او اطباء فهذا يندرج في خانة القدح والذم، وتشويه السمعة قبل ان تنتهي التحقيقات ويصدر الحكم النهائي في القضيّة".
(ريتا الجمال-ليبانون ديبايت)