كانت بداية الهجاء بالحذاء مع المثقّفين والشّعراء العرب في العصر العبّاسي، حيث قال أبو الطيّب المتنبّي في إحدى قصائده: "قومٌ إذا مسّ النّعالُ وجوهَهُم شكتِ النّعالُ بأيّ ذنبٍ أُصفعُ". وقد تمدّدت لغةُ الحذاء حتى اقتحمت العصر الحديث في مقاطع زجل للشّاعر المصري الشّعبي أبو زيد بيّومي: "للجِزم في الناس مقامات". وتنوّعت مفردات الحذاء في اللّهجات العربية العاميّة، كالمداس والحفّاي والشحّاطة والشبشب والبابوج والصّبّاط والجزمة، ودخلت الى عالم السّياسة من أوسع أبوابه، فلاصقت الثورات والانتصارات والهزائم.
استُخدمت ثقافة الحذاء عام 2005 في موقف لبنانيّ رافض للوجود السّوري، فكان شعار ثوّار 14 اذار في الساحات "ما بدنا جمهورية تحت الجزمة السورية"، وقد أُطلق آنذاك على الجيش السوري "جيش أبو شحّاطة". وفي العام 2008 تحوّل الحذاء من أداة للهجاء، الى رمزٍ للحرية والعنفوان، فمن ينسى حذاء الصحافي العراقي منتظر الزّيدي الذي قذف به الرئيس الأميركي جورج بوش خلال مؤتمره الصحفي، الامر الذي أثار العديد من ردود الأفعال لدى الشعراء والأدباء ونذكر منهم الشّاعر حامد العلي في مديحه: "قال الحذاء فأسكتَ الخطباء". ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، ما لبث أن أصبح الحذاء تعبيراً عن رفض الشعوب لمواقف الحكّام، حيث شهدنا تطاير الأحذية باتجاه الشاشات التي كانت تنقل خطابات الرؤساء، كما في مصر وليبيا واليمن.
وقد ذهب البعض الى اعتبار الحذاء مصطلحاً للتعبير عن نشوة الانتصار، كما حصل في سوريا، حيث انتشرت على مواقع التواصل صور للأعداء أو الأسرى كُتب عليها عبارة "تمّ الدعس". ولم تتوانَ فئةٌ من اللبنانيين، عن تمجيد حذاء بعض القيادات العسكرية والسياسية، وظهر ذلك لدى جمهور المقاومة حين غزا مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #فدا_صرماية_السيّد، ولعلّ أبرز ما قيل في ذلك، هو ما جاء في خطاب النائب علي عمار: "حين هبطتُ لتقبيل حذائك". وكذلك، تجلّى مديح الحذاء في خطوة دعم من الشعب اللبناني لجيشه في معاركه لمواجهة الإرهاب، إذ انتشرت أيضاً عبارات وصّور "للبوط" العسكري، تحت شعار "الأمر لك".
ورُغم رفض البعض واعتراضهم على تعظيم الحذاء، فإنّه ما بين المديح والهجاء، يكاد يكون الحذاء أوّل ما يخطر ببال العرب.
(ايناس كريمة)
