من يعود بالذاكرة إلى مجريات شهر أيار الماضي في المملكة العربية السعودية لا يستغرب ما يحصل اليوم، ففي الثالث من أيار الماضي قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاء بثّته قناة "العربية" انه "لن ينجو متورط في الفساد وزيراً كان أم أميراً"، وقال أيضاً "النظام الإيراني يقوم على إيديولوجية متطرفة للسيطرة على قبلة المسلمين.. ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية"... وبين الثالث من أيار والعشرين منه، زيارةٌ تاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقمةٌ إسلامية أميركية هي الأولى من نوعها جمعت أميركا و55 دولة إسلامية في الرياض، بحثوا في سبل مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة ومحاربة الإرهاب.
إذن المملكة بدأت بترجمة سياستها الجديدة حيال الداخل والخارج بالتوقيت نفسه، وفي قراءة للمشهد السعودي الجديد يشير الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب في حديث لـ"لبنان 24" إلى أنّ السعودية بدأت تنظيم البيت الداخلي كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية غير معروف الى أي مدى قد تذهب بعيدا في الخيار العسكري لمواجهة إيران".
وفي هذا السياق أشار ملاعب إلى "توجّه واحد يجمع الخليجي والإدارة الأميركية، حول هدفين لم يشملهما الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الست، الأول يتمثل بلجم إيران التي بدأت تتصرف بعد توقيع الإتفاق، وكأنّها مُنحت إشارة خضراء لتتدخل كيفما تشاء في المنطقة وتعزز هيمنتها، والهدف الثاني يكمن في الصواريخ الإيرانية، بحيث أنّ الإتفاق النووي لم يشمل هذه الصواريخ، من هنا يسعى ترامب للقضاء على هذه الصواريخ قبل أن تصبح جاهزة للإستعمال العسكري النووي أي لإطلاق قنبلة نووية، هدف ترامب تلاقى مع هدف الدول الخليجية التي ضاقت ذرعاً بالتدخل الإيراني".
يضيف ملاعب أنّ "ترامب الذي طلب من البنتاغون فور وصوله إلى البيت الأبيض خطةً خلال 30 يوماً للقضاء على داعش نجح بتنفيذها، ولأول مرة نسمع الأميركيين على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون يقولون إنّ الرئيس بشار الأسد لن يكون في السلطة القادمة، ويتحدثون عن دعم أميركي لقوات المعارضة السورية لاستعادة حمص وحلب ودير الزور، مما يعني أنّهم يسعون لإزاحة روسيا وإيران من دربهما".
استقالة الرئيس سعد الحريري ليست معزولة عن الصياغة السعودية الأميركية للتعامل مع إيران، ولكن الخطورة على لبنان قد تتضاعف في حال استغلت إسرائيل هذا التوجه العربي الدولي وجيّرته لمصلحتها، وفق ملاعب قد تجد إسرائيل أنّ الفرصة مناسبة للقضاء على صواريخ حزب الله " فالفرن حامي وقد تدخل اسرائيل لتخبز داخله، عملياً لا أنفي الحالة العسكرية، فنحن أمام مرحلة شبيهة بمرحلة 82 عندما كانت أزمة الصواريخ السورية في البقاع اللبناني وقامت اسرائيل بغزو لبنان، وعندها قام الدبلوماسي الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب بجولة مكوكية لمعالجة هذه الأزمة، وتمكن من إبرام إتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ،ووضع اليوم شبيه بالأمس".
هل من مؤشرات توحي بأن اسرائيل بدأت بتحضير نفسها للدخول في مغامرة عدوانية على لبنان؟
ملاعب يؤكد وجود هذه المؤشرات " الصواريخ الإيرانية الموجودة في لبنان هي أزمة كبيرة، ونعرف أنّ الإدارة الأميركية تعتبر أمن اسرائيل أولوية، بدأت اسرائيل تستعمل القوة الناعمة حيال أوروبا من خلال إطلاق حملة دبلوماسية لإجبارها على التعاون مع أميركا، واعتبار إيران تمثل محوراً إرهابياً، ومن هنا بدأ الخطاب الإسرائيلي حيال أوروبا ومفاده أنّ عدم تعاونها سيؤدي بإسرائيل لشنّ حربٍ على لبنان أين منها عدوان 2006، وعندها ستجد أوروبا نفسها عرضة لموجات نزوح مليونية من لبنان تشمل لبنانيين ونازحين سوريين. والضغط على أوروبا يشمل أيضا الشق الإقتصادي، كي لا تطمأن الدول الأوروبية إلى إمكان فتح أسواق جديدة لها في إيران".
سيناريوهات حربية تلوح في الأفق، ولبنان لن يكون بمنأى عنها ،وهو الحلقة الأضعف وسط منطقة مشتعلة بلهيب براكينها، ولكن بالمقابل الخيارات العسكرية ليست حاسمة، تسبقها قوة ناعمة قد تؤتي ثمارها وتجنّب المنطقة حروباً وويلاتٍ " كل السيناريوهات الحربية التي يُحكى عنها قد تتجمّد في حال نجحت المساعي الأخرى، ومنها على سبيل المثال وقف الإتفاق الذي عقد بين ايران والهند بتمويل روسي لبناء خط غاز من إيران إلى الهند عبر باكستان، بما يعنيه هذا الخط من إعادة السيطرة الروسية على الهند، وإذا تمكّن الأميركيون من إنهاء هذه الإتفاقية يمكن الا يحصل أيّ عمل عسكري بحق ايران ".
ويضيف ملاعب إن "سيناريو الحرب جاهز ويتمّ التلويح به للضغط، ولكن تلافيه ممكن في أكثر من مكان، كقبول الروس بانهاء التواجد الايراني في سوريا مقابل اعتراف تركيا بالقرم، عندها قد تسلّم روسيا سوريا إلى تركيا بدلاً من إيران. وإذا فتحت الحرب ممكن أن نعرف أين تبدأ ولكن لن يكون بمقدورنا معرفة أين ستنتهي في ظل المهرجان العسكري الدولي وسباق التسلح في المنطقة ".
أمّا هذا الوطن الصغير الذي يُدعى بلاد الأرز ،وإن قدّر له أن يجابه أعاصير الأقاليم والقارات، فهو يمتلك سلاحاً لا يُستهان بقوته العظمى إن أحسن استعماله على مساحة الـ 10452 كلم مربع، ألا وهو سلاح الوحدة الوطنية،ومن خلاله فقط نحبط كلّ محاولات وضعنا في مواجهة بعضنا البعض".
نوال الأشقر - "لبنان 24"