قاتلوا إيران لا لبنان
بقلم سامي كليب
لم يوفر الوزير السعودي ثامر السبهان منذ ما قبل احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري تهمة أو تهديدا الا وكالهما ضد لبنان. كذلك فعل عدد من المعلقين السعوديين الذين تفتح لهم التلفزات اللبنانية شاشاتها لبث التهديد بعد الوعيد في هذه الفترة العصيبة. ارتفع مستوى هذه التهديدات بعد سقوط صاروخ حوثي على الرياض.
طالما أن السعودية تعتبر الآن رئيس لبنان الجنرال ميشال عون( الذي اختارها لأول زيارة رسمية له الى الخارج بعد توليه الرئاسة) ورئيس مجلس النواب نبيه بري( الذي بقي طيلة سني الحرب السورية يرطب الأجواء ويخفف من الاحتقان ويستقبل السفير السعودي في بيروت حين تتدهور الأوضاع بين حزب الله والسعودية) عدوبن لها تماما كحزب الله، وطالما أنها تعتبر أن كل لبناني يسكت عما تتهم به الحزب هو إرهابي، وطالما أن الوزير السبهان قال ان حكومة لبنان ستصبح حكومة حرب بسبب " ميلشيا حزب الله"، وطالما أن السعودية احتجزت رئيس الحكومة سعد الحريري وفق ما يقول كبار المسؤولين اللبنانيين، فنحن، أي كل اللبنانيين اصبحنا بنظر السعودية أعداء لها بنظرها وهذا غير صحيح.
لا بد إذا من الملاحظات التالية:
• لنفترض أن الصاروخ الذي اطلق على الرياض هو صناعة إيرانية ( رغم نفي ايران المطلق) وأن حزب الله درب الحوثيين( وهو ما ينفيه الحزب) ، فهل يصبح لبنان بمجمله العدو؟ نعرف أن السعودية تشتري أسلحة من أميركا وفرنسا وبريطانيا وعقدت مؤخرا صفقة مع روسيا، هل إذا استخدمت السعودية صواريخها التي يدربها عليها الغربيون والشرقيون، يعني أن كل الدول التي أعطتها سلاحا هي عدوة للبنان؟
• لنفترض أن إيران هي المسؤولة عن كل مآسي السعودية. وأنها (وفق الاتهامات السعودية) لم تترك دولة في محيطها الا و" تدخلت فيها"، أوليست ايران أقرب جغرافيا الى المملكة. فلماذا لا تشن السعودية حربا مباشرة على إيران؟ بدلا من التهديد للبنان؟
• كل بيانات مجلس التعاون الخليجي تتهم إيران باحتلال ٣ جزر (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) في الامارات. فلماذا لا يذهب التحالف الذي تقوده السعودية، ويستعيد الجزر بالقوة من إيران بدل التهديد للبنان.
• إذا كان حزب الله هو الذي يتسبب بكل مآسي السعودية في المنطقة، وفق اتهامات المسؤولين السعوديين. فلماذا تم اذلال الحليف الأبرز للمملكة رئيس الحكومة سعد الحريري بالمال والضغوط والبرامج التلفزيونية من قلب المملكة، حتى وصل الأمر بالرجل الى حد عدم القدرة على دفع رواتب موظفيه.
• إذا كانت ايران وسوريا عدوتي السعودية وسبب مآسيها ومآسي لبنان وفق التوصيف السعودي، فلماذا صاغت السعودية نفسها كل الاتفاقيات والتفاهمات مع ايران وسوريا أثناء السيطرة السورية الكاملة على لبنان، ولماذا أغدت على دمشق المساعدات والمال والدعم؟ ولماذا تركت سوريا تتحكم برقاب اللبنانيين أكثر من ٣٠ عاما، ثم حين خرجت كان حلفاء سوريا في لبنان أشد خصومها وأقرب الناس الى المملكة؟
• اذا كانت السعودية تريد اخراج ايران من المنطقة ووقف " تدخلاتها"، فهل نفعت الاستراتيجية العسكرية في اليمن وسوريا والآن ربما في لبنان، وقبلها في العراق، في كف اليد الايرانية، أم أنها فرشت السجاد الأحمر للجنرال قاسم سليماني يصول ويجول في كل العواصم بمحاذاة الرياض وأمام عينيها؟
• هل كان تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية مفيدا لإبعاد سوريا عن إيران، أم أنه عزز الحضور الايراني على كل الساحة السورية، حين ابتعد العرب وتركوا قلب العروبة النابض يتعرض لأسوأ أنواع التدمير وأبشع وأشرس الحروب.
• ألم يكن نصف الحوثيين في اليمن عقائديا وعروبيا مناهضين لإيران وأقرب الى السعودية؟ ما الذي جعل الحوثيين جميعا أقرب الى طهران بعد الحرب؟
• إذا كانت إيران تستخدم فلسطين " شماعة" كما تقول السعودية، فلماذا لا يبادر أمير سعودي بتأسيس مقاومة ضد إسرائيل، طالما أنه يرى ونحن نرى والعالم يرى، أن كل اتفاقيات السلام والذل لم تؤد حتى الآن الا الى سرقة وتهويد ما بقي من فلسطين الحبيبة؟ لو أن أميرا سعوديا قاد المقاومة لابتعد المقاومون العرب عن إيران وولوه عليهم زعيما. هل كان الزعيم العربي جمال عبد الناصر شيعيا أو صفويا؟
الخلاصة:
• احترقت الجزائر بعشر سنوات من الحرب، وتم تدمير ليبيا التي تتكشف يوما بعض آخر الفضائح حول سبب قتل العقيد القذافي فيها، وتم تدمير العراق وتفكيكه، ودمرت سوريا، ودمر اليمن، وكان لبنان قد سبق الجميع الى ١٥ عاما ونصف من التدمير واختراق إسرائيل لكل منظومة ( كي لا نقول اكذوبة) الأمن العربي ووصلت حتى بيروت والقصر الجمهوري، وجاع الصومال، واحتلت القواعد الغربية منطقتنا من البحر الأحمر ( خصوصا جيبوتي) مرورا بالخليج وصولا الى الشرق الأوسط، وها هي روسيا تبني قواعد لها في سوريا بعدما تخلى النظام العربي عن قلب عروبته، وها هي مصر العروبة تغرق بالإرهاب وكل يوم يقتل عدد من ضباطها وجنودها الأعزاء.... وها هي جزر القمر تفقد جزيرة كاملة من جزرها الأربع (التي اخذتها فرنسا) بسبب الفقر........وها هو السودان فقد جنوب خيراته الكبرى. وها هي المعارضة السورية التي اعتمدت على الخليج والغرب تتلاشى أمام اعين الجميع حين تغيرت مجاري الرياح .
ألم يحن الوقت بعد لتوجيه البوصلة صوب لب المشاكل العربية وحلها؟
لإيران سياستها في المنطقة. ولتركيا سياستها. ولإسرائيل جشعها الدموي الدائم. وللغرب والشرق أطماعهما في أراضينا وثرواتنا.
جزء من اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين والسوريين واليمنيين يعتبرون إيران نصيرة لهم، ساعدتهم في قتال إسرائيل وفي الصمود أمام كذبة الربيع العربي. لكن هناك أجزاء أخرى تفضل السعودية وتحب الخليج ومصر والجزائر والمغرب وموريتانيا واليمن وغيرها ..وتسكنها العروبة حتى النخاع. فهل يراد لمن بقي من هؤلاء الارتماء في أحضان إيران حين تُغلق البوابات العربية؟
أنا كلبناني أفخر ببلدي وأعتز بعروبتي، أقول، ان ما نسمعه من كلام ضد بلدنا الغالي غير مقبول. دُمر بلدنا ١٥ عاما ونصف بسبب صراعات إقليمية ودولية على أرضه. استُخدم الكثير من ساسته لسنوات طويلة بيادق على ملاعب شطرنج العالم. لن نقبل بعد اليوم أن نكون وقودا للآخرين وأن نحول لحمنا للمدافع...
إذا كانت السعودية ترى أن إيران هي العدوة، فلتذهب وتقاتلها على أرضها، وإذا كانت إيران تعتبر السعودية عدوتها فلتذهب وتقاتلها على أرضها. كفانا حروبا بالوكالة هنا وهناك...
أما إذا كانت التهديدات للبنان ستخدم إسرائيل في نهاية المطاف، فنحن دفعنا من دمنا الكثير لتحرير أرضنا الغالية. وجيشنا العربي اللبناني الأصيل سيكون مع الرئيس ميشال عون، الى جانب المقاومة الشعبية ( وليس فقط مقاومة حزب الله) أي المقاومة التي تجمع الشيعي والمسيحي والسني والدرزي والأرمني والكردي وغيرهم وتكون ذا وجه عربي عروبي لتركل إسرائيل كما ركلتها مرارا.....
ليس كل من يؤمن بالمقاومة شيعيا أو فارسيا أو صفويا أو إيرانيا أو مواليا لولاية الفقيه (كما تريد الشائعات). هذا بلدنا، وهذه كرامتنا، وهؤلاء ناسنا....ونعتز ...
فبدلا من التهديد لوطننا بذريعة سلاح حزب الله، ساعدونا كي نستعيد كل أرضنا ونمنع إسرائيل من الاعتداء علينا في البحر والبر والنفط... وسنكون أول من يطالب بسحب هذا السلاح الذي كان الوحيد مع جيشنا اللبناني الذي حمى كرامتنا بينما العرب نائمون..... لا تساعدوا إسرائيل علينا.
جزء كبير من اللبنانيين عمل في السعودية والخليج، ولا يحمل لهذه الدول غير العرفان والحب. وهناك لبنانيون طبعا لا يريدون سلاح حزب الله ويكرهون الحزب اكثر منكم ( سمير جعجع ، الكتائب، تيار المستقبل مثلا ) . وهناك لبنانيون مع المقاومة لم ولن يستسيغوا كلاما ايرانيا عن السيطرة على قرار عواصم عربية . لكني أعتقد أن ما حصل للرئيس الحريري، وهذه التهديدات ستضر بالسعودية قبل غيرها وستدفع الناس ربما اكثر من الماضي الى التعاطف مع الحزب الذي ابدى امينه العام حرصا كبيرا على الحريري خصوصا في الايام الماضية ... وقد علمتنا الحروب في المنطقة، أنه من السهل فتح الحرب، لكن من الصعب اقفالها، وربما هذه المرة من المستحيل اقفالها...وهذا اليمن خير مثال. فكيف اذا كانت المواجهة هذه المرة مع دول وأحزاب خبرت الحرب طويلا ضد اسرائيل واشرس انواع الارهاب
نعم، لم يرحل الرئيس بشار الأسد، ونعم استعاد المحور الروسي السوري الايراني مع حزب الله القسم الأكبر من سوريا... هذا يجب أن يكون مقلقا لإسرائيل فقط وليس لغيرها... واذا كان الأمير محمد بن سلمان سيصبح الملك ، ويريد للملكة استقرارا وازدهارا كما يقول في روية السعودية ٢٠٣٠، فمن الأفضل التفكير بإنهاء الحروب لا بشنها....واذا كان يرى أن ايران هي المشكلة، فليقاتلها أو يصالحها ويتفاهم معها..... كفانا دفع ثمن حروب الآخرين على أرضنا........لانه لو تقاتلت السعودية مع ايران ندفع الثمن وان تصالحتا ندفع الثمن ......