رغم "التأييد الغربي الكبير" للضربة الأميركية الغربية على سوريا، فجر أمس السبت، فإن ذلك لم يمنع كبريات الصحف الأميركية من وصف المهمة بـ"الناقصة وغير المكتملة".
صحيفة "واشنطن بوست" قالت في افتتاحيتها إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "كان على حق عندما قرر توجيه ضربة لنظام الأسد في سوريا، لكن ذلك لا يعني أن المهمة قد أنجزت، كما جاء في تغريدة له".
وكان "البنتاغون" قد أعلن أن القصف الذي استهدف مواقع في سوريا سيؤدي إلى "تدهور طويل الأمد لقدرات النظام في مجال الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، ونأمل أن يكون الأمر كذلك على الرغم من النطاق المحدود للعمل".
وأضافت الصحيفة: "ترامب كان مُحقاً في الضربة والأماكن المستهدفة والمرافق الكيماوية والبيولوجية، ومشاركة بريطانيا وفرنسا في العملية كانت مهمة أيضاً".
واعتبرت أن طبيعة الضربة المحدودة "جاءت متماشية مع منهج ترامب في استخدام الحد الأدنى من العمل العسكري بسوريا"، وهو ما تمثل بنيّته سحب نحو 2000 جندي أميركي من هناك، قبيل مجزرة دوما.
ورأت الصحيفة أن "ترامب يريد لدول حليفة، كالسعودية والإمارات ومصر وقطر، أن تعمل على سد فراغ انسحاب قوات واشنطن، وأن تعمل على وقف نفوذ إيران، وهو أمر غير صحيح بالمرة"، كما تقول.
وتتابع: "صحيح أن لهذه الدول إسهامات مالية، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال العمل مع القوات المحلية في سوريا لتحقيق الاستقرار والسيطرة على امتداد الأراضي الواسعة التي تسيطر عليها واشنطن وحلفاؤها المحليين، وهي مناطق غنية بالنفط في شرق نهر الفرات".
وقال الصحيفة إنه إذا ما انسحبت القوات الأميركية، فإن نظام الأسد أو تركيا سوف يتمددان على حساب الأكراد الذين حاربوا إلى جانب واشنطن تنظيم داعش، كما أن إيران يمكن أن تحصل على نفوذ جديد في تلك المناطق، ما يسمح لها بالتمدد وإحكام سيطرتها على طريق بري يربط طهران بالبحر الأحمر، مروراً بالعراق.
ومن وجهة نظرها، فإن الضمان الوحيد لعدم تكرار الفظائع التي ارتكبها الأسد يتمثل في رحيل هذا النظام، "ولهذا كان من الخطأ أن يقول ترامب إن المهمة أنجزت؛ فالتحدي الذي يواجه المصالح الأميركية في سوريا لم ينته بعد".
إظهار القوة فحسب
من جهته، علّق الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، بيتر باكر، على تغريدة ترامب التي قال فيها: "لقد أنجزت المهمة"، معتبراً أنها "العبارة التي تجنبها رؤساء وسياسيون على نحو مدروس منذ زيارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش حاملة الطائرات الأميركية، وإعلانه من على متنها وقبل الآوان نجاح العمليات العسكرية في حرب العراق".
وأضاف باكر: إن "ترامب يجد نفسه مختلفاً عن سلفه باراك أوباما، فهو يرى أن هدفه من تلك الضربات هو إظهار قوة الموقف الأميركي، والتذكير بأن التدخلات الأميركية في الشرق الأوسط منذ هجمات 11 ايلول 2001 كانت مضيعة للدم والمال".
وبرأي الكاتب فإن "ترامب لم يفعل الكثير"، فهو يحاول التوفيق بين إظهار قدرة الولايات المتحدة بوصفها القوة العالمية الأولى التي يتوجب عليها معاقبة نظام الأسد من جهة، وارضاء الجمهور الأميركي الذي سئم من محاولة حل مشكلات الشرق الأوسط من جهة أخرى.
ولقد أشاد الكثير من المحاربين القدامى بسياسة ترامب في الشرق الأوسط؛ فهي سياسة "مشروطة ومقيدة"، والضربة الثلاثية التي استهدفت نظام الأسد بعثت برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لا تريد التدخل بشكل أعمق في الصراع في سوريا، لكنها أيضاً قادرة على تنفيذ تهديدها.
ويقول ميغان او سوليفان، الذي أشرف على حرب العراق كنائب لمستشار الأمن القومي في زمن الرئيس بوش، إن الضربة توضح تماماً سياسة الولايات المتحدة.
فمن الناحية النظرية، والحديث لسوليفان، ليس هناك بالضرورة تضارب بين ضربة تستهدف عدة أهداف ومواقع للأسلحة الكيمياوية، وسحب القوات التي تقاتل تنظيم داعش، لكنها "تبقى تشكك في حكمة سحب القوات الآن، وماهية الهدف الحقيقي لها في سوريا".
ويرى محللون آخرون أن الضربة كانت "بلا فائدة"، ولم تحقق سوى القليل، خاصة أن ترامب تجاوز صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة، ولم يحصل على إذن الكونغرس.
ويتساءل: "إذا كان ترامب قد تأثر فعلاً بالصور التي نشرت عن الضربة الكيمياوية السورية، فلماذا لا يحسن شروط قبول اللاجئين السوريين في أميركا أيضاً؟".
ويرى "نوح جوتسكال" من منظمة أوكسفام الأميركية في بيان له، أن استمرار إراقة الدماء وجرائم الحرب في سوريا تذكرة قوية بأن المدنيين يحتاجون دعماً أكثر من أي وقت مضى، ومع ذلك لا تزال إدارة ترامب تفتقر لاستراتيجية متماسكة لإنهاء النزاع، وبدلاً من ذلك سعت إلى خفض المساعدات الإنسانية وإغلاق الباب بوجه اللاجئين السوريين.
ويرى الكاتب أن نجاح المهمة التي تحدث عنها ترامب بإضعاف قدرات بشار الأسد الكيمياوية، لا تعني عدم قدرته على شن هجمات جديدة ضد المدنيين، فالنظام سيلجأ كما كان يفعل دائماً إلى استخدام الوسائل التقليدية في قصف المدنيين.
ويتابع: "في الواقع، ترامب لم يفعل شيئاً لإجبار داعمي الأسد، روسيا وإيران، على دفع الثمن، كما أنه أبدى اهتماماً ضئيلاً بالحرب الأهلية السورية ومحاولة حلها".
(الخليج أونلاين)