"الضيف العزيز وصل"، نادى أحدهم من قسم 3 في سجن النقب الصحراوي -أحد السجون الإسرائيلية- نظر الأسرى إلى بعضهم البعض وتوحدت ألسنتهم في السؤال: "مين وصل؟"، كان أحدهم على عِلم بقدومه، ضحك وقال: "بعد شوي هتشوفوا الغالي". الجميع يتساءل: "مَن تقصد؟"، ليقاطعهم صوت أحد الأسرى في الغرفة المجاورة: "يا شباب البطيخ وصل"، دهشة سكنت المكان الحار، لماذا الآن؟ وافقت إدارة السجن على دخول البطيخ بعد منعه لمدة استمرت نحو 17 عاماً. وافقت إدارة سجون الاحتلال أخيراً على إدخال فاكهة "البطيخ" للأسرى، بعد أن منعته كل هذه السنوات بذريعة "أن الأسرى قد يستخدمونه لتهريب الهواتف المحمولة"، لكن بقي الخبر بين "التصديق والشك"، إلى أن جاء يوم الأربعاء 16 مايو/أيار 2018، ليكون يوماً مميزاً في "رزمانة" الأسرى. عربي بوست رصدت حالة الأسرى داخل سجن النقب، وأجرت حواراً مع بعض الأسرى، إليكم في هذا التقرير:
عناق وتقبيل
"دخول البطيخ إلينا أشبه بالحلم.. أن تكون فاكهة واحدة من بين أحلامك في هذا المكان المقفر، هذا الأمر قد يكون للبعض ساذجاً أو تافهاً، لكن الحرمان لا يعرف طعمه وحقيقته إلا من جرَّبه" بهذه الكلمات بدأ الأسير باجس عمرو حديثه معنا. ويكمل "سعدنا بدخول البطيخ إلينا بشكل كبير، حتى إن بعضنا بدأ في تقبيله كطفل غائب قد أتى بعد اشتياق، واستمرت روح الفكاهة حين بدأ بعض الأسرى تمثيل مشاهد عتاب له عن فترة الغياب التي طالت، بينما ذرف بعض الأسرى الجدد الدموع تأثراً من الحالة التي وجدوا عليها الأسرى القدامى عند رؤيتهم للبطيخ". انشغل الأسرى بتوزيع البطيخ، إذ بلغت حصة كل قسم من سجون الاحتلال والذي يوجد فيه 120 أسيراً (36 بطيخة)، وُزعت على مجموعات الطعام التي تبلغ (18) مجموعة بمعدل بطيختين لكل مجموعة. باجس (المحكوم بالسجن 9 سنوات قضى منها 6 سنوات) صرَّح في حديث خاص لـ"عربي بوست": "لم نتذوق البطيخ منذ سنوات طويلة، وعندما سمحت إدارة السجن بإدخاله أكلناه بقشره بما أنه قد حُسب علينا". وأضاف "في غمرة الفرح داخل السجون، تندّر أحد الأسرى بالقول: "يمكن يكون لون البطيخ أبيض"، فردَّ عليه زملاؤه "سنأكله"، فعاد وقال: "يمكن طعمه مش حلو"، فردّوا عليه ثانية "سنأكله"، ثم عاد الكرة ثالثة. وقال: "قد يكون فاسداً"، فأتى الجواب: "سنأكله". وعلى مدار الأعوام الماضية طالب الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال بإدخال البطيخ، لكن كانوا يُواجهون برفض إدارة السجون "لأسباب أمنية"، والخشية من تهريب "الهواتف المحمولة" بداخله، لكنها إدارة السجون استجابت بعد ضغوط من الحركة الأسيرة. وكان شرط إدارة السجون للموافقة على دخول البطيخ بأن يتم "تقطيعه" قبل إدخاله للأسرى، "لكنها وجدت أن الأمر غير منطقي فوافقت على إدخاله كما هو".
رمضان في الأسر
ولا يخل شهر رمضان من محاولات التضييق على الأسرى من قبل إدارة السجون، التي تمنع إلقاء الدروس الدينية، كما تُجبر الأسرى على تسليم "خطبة الجمعة" واسم الخطيب قبل ثلاثة أيام للموافقة عليها. وحسب أُسر المعتقلين فإن الاحتلال يتعمد تقديم طعام سيئ للأسرى في رمضان كمّاً ونوعاً، مما يضطر الأسرى إلى شراء أغراضهم، مما يُسمى بـ"كنتين السجن"، رغم ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، لأنه المكان الوحيد الذي تتوفر فيه بعض الأغراض التي يحتاجونها.
إجراءات قمعية ضد الأسرى
من جهته، قال رياض الأشقر المتحدث باسم مركز أسرى فلسطين للدراسات، "إن الاحتلال يتعمّد تصعيد ممارساته القمعية التعسفية بحق الأسرى خلال شهر رمضان، من خلال عمليات الاقتحام والتفتيش والاستنفار الدائمة بحق الأسرى تحت ذرائع واهية". وأضاف الأشقر في حديث خاص لـ"عربي بوست"، أن "هذه الإجراءات تستمر أحياناً منذ الصباح وحتى موعد الإفطار، أو بعد الإفطار وحتى أذان الفجر، حيث يحتاج الأسرى ليوم آخر لترتيب أغراضهم التي أتلفها الاحتلال". ولفت إلى أن إدارة السجون تمنع عنهم بعض الأمور التي تبدو بسيطة مثل الآيس كريم والعطور والملاعق والكؤوس الزجاجية، والملابس بخامات معينة وبألوان محددة، وبعض أنواع البهارات، كوسيلة لتعذيب الأسير، ودفعهم للإحساس بالحرمان. وسبق للأسرى أن أضربوا عن الطعام لتحسين ظروف حياتهم اليومية، وقد حققوا عدة "إنجازات"، منها الموافقة على إدخال وسائد للنوم والسماح بمشاهدة بعض القنوات الإخبارية، وعودة زيارات بعض ذويهم بعد انقطاع لأشهر وسنوات.
محمد هنية - عربي بوست