كلمة الفن هي اشتقاق لمعنى سامٍ جدًا ومتعال، يتصل بالجوهر الأساس الذي أضفى على الطبيعة جماليتها الأخاذة من تلك الرسمة .. رسمة الطبيعة المسماة بالفردنة ، والتي تعد وحدة القياس لأي عمل فني ينتجه فنان ..
ومن تلك الفنون المتصلة مباشرة بمحاكاة جمال الطبيعة، ريشةٌ قابضة على وحي وإلهام قصيدة الرسم التي تتجلى عملًا يخطف حواس الناظر، ويأسره لشدة روعته ورونق سحره..
اليوم هي حكايتنا مع القصائد الرمزية التي تجسدها ريشة الفنانة المبدعة الصاعدة مروى بزي، وتحدِّث بها المدى ألوانًا وصورَ تلامس من شدة لمعانها طقوس العشق وبروق أبجدية الطبيعة..
كم من الأرواح التي تستوطن ثناياها ألوانُ الشعر وأطيافُ قصيده .. لا سكون فيها بل حراك ينساب بين أنّات الزمن يقفز فوق النور والعتمة، يتجلى خفقه من خفة ريشة ونعومة أنامل تغالب المستحيل لتربح عليه. تلك هي المشاعر المتقدة، تجدل خطواتها عبقرية فنانة من لمسة دافئة لريشة تسير امتثالًا معبرةً عن رؤية تحملها النفس وتلدها الطبيعة لوحةً استعارت حلمَ جمالها من خفق قلبٍ شاهد وفرح وتألم ونطق بريشة المبدعة مروى بزي ..
مروى تتلمذت الفنَّ على وقع إحساسها فكان ذوقَها ومذاقَها. نظرت حولها إلى المكان إلى المحيط إلى الطبيعة، فأبت أن تكلمَ الطبيعةَ إلا بلغتها لأنها تتلمذت على أبجديتها. هذا ما يسكن وجدان وطموح وأحلام مروى .. لذا حلّقت ريشتُها بعيدًا في فضاءات الفن وقصائده الملونة والمستوحاة من تلك الأبجدية الفنية بعناوين الجمال وألوانه...
مؤخرًا أقامت معرضًا فرديًّا لها في مدينة بنت جبيل تحت عنوان ( بنت جبيل .. فن وأصالة )، و للحديث عن معرضها والتعرف أكثر على الفنانة المبدعة بزي كان لي شرف هذا اللقاء الجميل معها :
_ في بداية حوارنا هل لكِ أن تطلعينا من هي مروى بزي ؟ وكيف بدأت انطلاقتك بعالم الفنون وتحديدًا علاقتك باللون والريشة ؟
بداية أقول إن الإنسان مع بدايات عمره لا يقدِّر قيمة الفن أو الموهبة لأنه لا يعرف أصلًا معنى تلك المفردات، ولذا منذ طفولتي المبكرة، وهنا اسمحي لي بأن أترحم على والدتي حيث لاحظت حراك موهبتي وعملت على تنشيطها وتنميتها منذ صغري فكانت الدافع والمشجع لي عبر مواكبتها الدائمة وتحفيزها المستمر والدائم في إشرافها المباشر على أنشطتي حينها في فنون الرسم. وكانت بمثابة الجمهور المتذوق لأعمالي وملهمتي الأولى وقوة دفع داعمة للإستمرار ..
أثناء دراستي كانت لي مشاركات عدة في معارض ونشاطات فنية كثيرة، ثم لاحقًا درست دبلوم الدراسات العليا في الرسم والتصوير في الجامعة اللبنانية في معهد الفنون الجميلة، وبعد التخرج بدأت رسوماتي تبصر النور.
سابقاً شاركت في العديد من المعارض الجماعية ، ثم تبلورت أعمالي بحيث انطلقت بمعرض فردي بتاريخ 27،10،2018 بعنوان " بنت جبيل.. فن وأصالة" في مدرسة جميل جابر بزي الرسمية في مدينة بنت جبيل فعلاقتي باللون والريشة هي علاقة شغف ومتعة ومزيج من الذكريات والأمل والأحلام ..
_ خلال معرضك التشكيلي الأول الذي حمل عنوان *بنت جبيل .. فن وأصالة * حيث أنطقت ريشتك ذاكرة وتراث هذه المدينة العريقة، كيف تكونت تلك المشاعر والخواطر الرفيعة الراقية حتى تجسدت فكرة؟ وما هي الرسالة التي أرادت مروى إيصالها للعموم ؟
تكونت فكرة الرسم من خلال حبي وشغفي لمدينتي ولتراثها القديم والحنين الدائم بين أضلعي إلى ماض جميل، ذكراه خالدة في الوجدان الذي يجسد ذاكرة طفولتي المبكرة معها..
وهنا تكمن هويتي ورسالتي وهدفي من رسم مجموعة لوحات عن بلدتي بنت جبيل إحياء لمشاهد ما زالت مستودعة في حضن ذاكرتي التي محتها ومسحتها آلة الدمار الهمجية أثناء الغزو الصهيوني الوحشي على البلدة، وذلك كي تبقى خالدة في ضمير الزمن والتاريخ .. مدينة بنت جبيل مدينة الأصالة مدينة العلماء والأدباء والشعراء مدينة الشهداء والنجباء مدينة المثقفين والمُلهمين هي فخر وشرف لأبنائها ولمحبيها..
_ وأنتِ تجسدين تلك الرؤى بلوحات تكاد تنطق هل كنت تتجولين بين الحارات العتيقة وأحيائها وأزقتها أم أنه سبق وكانت مستودعة أو مخبوءة في الذاكرة؟ ولماذا رسمتِ نفسك ؟
منذ طفولتي ومع قدومنا المتكرر إلى مدينة بنت جبيل، وأثناء تجوالي بين الأزقة والحارات العتيقة الأثرية الجميلة كان يتكون في داخلي نوع آخر من الحب، مذاقه مختلف. كانت تحرره تلك المناظر والمشاهدات على هيئة ألوان آتية من لبنة طبيعة تفوح منها رائحة الزمن الجميل، وعبق الورود والياسمين وطيبة النفوس والحب والحنين المتداول. في تلك الفترة لم أكن أعلم أن ما كان يتكون في داخلي هو رسالة فنية معلنة بداية مشوارها أو رحلتها..
وفي لحظة غدر بدأها العدوان الإسرائيلي الهمجي لم يتوانَ عن تدمير البيوت الجميلة، إلا أنه لم ينل من عزيمة أهل البيوت ومن المقاومين الأبطال العظماء الذين دافعوا ووقفوا ببسالة بوجه العدوان الهمجي المجرم، كيف لا وبنت جبيل هي مدينة المقاومة والأحرار والشرفاء .. حفرت الصور في ذاكرتي ذلك البيت وتلك النافذة والحجر الجميل والبشر في مخيلتي.. فمسكت ريشتي لأرسم عبق الماضي وشغفي للبيوت القديمة في بنت جبيل ولم أنسَ أن أعبر عن ذاتي وعن مكنوناتي، عن طيف آمالي وأحلامي فرسمتُ نفسي وبالتحديد وجهي. لم أرد إلا أن أبرز ما تسرده عيناي وتعابير وجهي فاختزلتُ كل ما هو خارج حدود وجهي.
_ الفنون دعوة صريحة وتحريض الشعب على انتفاضة ثقافية مجتمعية تطويرية. والملاحظ من تنوع عروض أعمالك الفنيه المجسدة وجود رنين سريالي بها ، أين تجدين نفسك أكثر ؟ وإلى أي مدرسة تنتمين ؟
لقد أحببتُ رسم لوحات كثيرة تعكس المدارس الواقعية والانطباعية ولكن أميل أكثر أن تحاكي أعمالي السوريالية والرمزية لأنها تعبر عن مخيلتي وأجد نفسي داخلها
_ بعد النجاح اللافت لمعرضك التشكيلي الأول هل أنت الآن بصدد التحضير لمعرض آخر؟ وهل لك أن تعطينا فكرة عنه؟ وكونك من مدرسة الفنون التشكيلية هل يمكن إطلاعنا عن مدى رؤيتك وطموحك لتلك المدرسة ؟
أنا بصدد المشاركة قريبًا في عدة معارض جماعية إن شاء الله ، وبعدها وفي أقرب فرصة لي سأقيم معرضًا فرديًا بأفكار جديدة في مدينة بيروت.
أطمح وأحب أن أتجدد دائمًا في مجال الفن وأعمل جهدي لمواكبة كل ما هو جديد في مجال الفنون التشكيلية والمحاولة قُدمًا لإبراز وجه جديد لفني يعكس مخيلتي وشغفي وبأساليب متجددة تنبع من مدينة الشمس وتصبُّ في قلب الحضارة والجمال.
_ بحبر ريشتك تسكبين قصائد اللون ، وروح القصيدة متأصلة في وجدان الفنانة مروى. هذا ما أشار اليه ودل عليه معرضك الأول . هل يمكننا القول هنا أن الفنانة مروى أظهرت بصمة خاصة ومميزة لها أم أنها ما زالت تبحث عن نفسها أكثر في عالم الفنون ؟
البحث واكتشاف نواحٍ جديدة في الفن له صدى إيجابي على أمل أن أظهر بصمتي الخاصة فيه في المراحل القادمة وأترك انطباعات جديدة ومؤثرة من خلال أعمالي القادمة إن شاء الله .
_ السؤال الأخير ما رأيك بما تشهده الساحة الثقافية، وهذا الاهتمام الكبير الذي نراه قد مهد لانبعاث حركة ثقافية واعية باتجاه كافة أنواع الفنون وأشكاله رسم فن شعر .. ؟
نشهد في الساحة الثقافية حاليًا تجددًا دائمًا على صعيد الوطن ككل .. أما في مدينة بنت جبيل فإننا نشهد ثورة فكرية أصيلة من خلال المنتديات الأدبية والفكرية والشعرية التي نشهدها في البلدة ومنها أيضا معرضي الفردي الأول الذي افتتح في السابع والعشرين من الشهر الفائت.. على أمل أن نظهر الصورة الحسنة والانطباع المؤثر دائمًا.
وفاء بيضون - بنت جبيل.أورغ