كتبت النهار اللبنانية:
صبيحة كل يوم، يتخذ حرب عيسى (مواليد ١٩٧١) من كورنيش الميناء، على مقربة من الحمام المقلوب، نقطة ارتكاز ينطلق منها ليملأ الأجواء طرقا سريعا لافتا للسمع، مستفيدا من بزوغ الشمس الصباحي الدافئ.
هو إما بنٌاء "معمرجي"، أو نحات فني، حيث لا خيار ثالثاً، أول ما يتبادر لذهن العابر على مقربة منه. بيسراه يمسك الإزميل، وباليمنى المطرقة، ينهال بها طرقا مترددا بسرعة تبعد الظن إنه طرق فني، بقدر ما يوحي بأنه طرق لتسوية الحجر للبناء، او أي استعمال آخر من هذا الصنف.
يتسارع الطرق، ويزداد، وحرب لا يكل له زند، ولا يرفع رأسه لعابر يلقي السلام عليه. إنه منشغل بلا هوادة، كأن هناك من ينتظره لاستكمال ما بدأه في الحجر المربع بين يديه، بضلع ثلاثين سنتمترا. ويبدو أن الحجر من الصنف الكلسي القاسي الذي قاوم الطرق الذي يؤديه حرب.
لا يمكن نحاتاً أن يخرج صورة نحتية بين يديه بهذا التسارع، وإلا تخربت الصورة. يطرق كأنه يكرر العملية لمئات المرات، وقد حفظ كل طرقة كيف تكون، مستوى قوتها، واين تصيب، وهذا محال. والتفسير الوحيد أن حربا متقن بيديه ما يتصوره بمخيلته. إنه بارع في تنفيذ رؤاه، وفي تحقيق ذاته، ولا بد أن دافعا ما يجعله مجبولا بالقوة، والمخيلة، والمهارة، والتفنن وهذا ما يظهر لدى الاقتراب منه.
طرق كثير يتلاحق، وتبدأ صورة وجه روماني الطابع تتظهر على الحجر تحت إزميله. إنها حرفته الوحيدة التي يمارسها منذ ما يقارب الثلاثين سنة، اعتاش منها، وهو متشرد، يسكن مداخل البيوت، بعدما طرده والده من المنزل تكرارا "لأنني لم أرغب بشراء الكحول له"، كما قال لـ"النهار".
ويتابع: "كنت صغيرا، ابيع بعضا من منحوتاتي، بليرات قليلة، وكان والدي سكيرا، وأنا لا أريده كذلك، فالسكر يبهدل صاحبه. لكن، عندما أدخل البيت، يسارع بالطلب مني أن آتي إليه بالكحول (العرق)، ولم أعد أرغب في تلبية طلبه، فطردني من المنزل، وتشردت في الشوارع".
يعمل حرب قطعة كل يومين بين نحت وحف وتعتيق، وبحسب الحجم المرغوب أو المطلوب، كما يقول، يحفر عليها عروقا نباتية، أو صور حيوانات، أو وجوها انسانية، وهناك من يشتريها منه، ويبيعها خارج طرابلس.
يذكر أنّ "الحجر الذي بحجم منحوتتي اليوم أبيعه بما بين ثلاثين وخمسين ألف ليرة لبنانية، فالوضع في لبنان صعب، وكل انسان محتاج لمدخول، لكن التاجر الذي يشتريه، يبيعه بمائتي او ثلاثماية دولار".
كثيرون يقتنون منحوتات حرب، وهم عارفون أن القطعة هي فنية وليست أثرية، ولو كانت أثرية بالفعل، لكان ثمنها أكثر من ذلك بكثير.
ويروي مشكلته: "زوجتي من ذوي الحاجات الخاصة. همي أن أؤمن لها الدواء لكي تظل مرتاحة. تزوجنا منذ سنوات قليلة، وأهلها من عائلة محترمة، لكنهم كانوا يعاملونها بقسوة بسبب حالتها".
زوجته سوسن خ. تلدغ بالنطق، ولا تبدو عليها اي علائم إعاقة على ما تبدو في المنزل، تمسك حرب، وتعانقه، وتبادر بالقول: “أحبه... أحبه كثيرا... هو كل حياتي".
لقراءة المقال كاملاً: رولا حميد- النهار