أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تفاصيل «صغيرة» من حياة طفلتين لم يتسن لهما أن تكبرا

الأربعاء 05 أيار , 2010 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,999 زائر

تفاصيل «صغيرة» من حياة طفلتين لم يتسن لهما أن تكبرا
كترمايا :
سبعة أيام مرت على الجريمة الأولى النكراء التي ذهب ضحيتها المسن يوسف أبو مرعي وزوجته كوثر وحفيدتاهما الطفلتان آمنة وزينة في كترمايا ، ولا تزال أصداؤها وفظاعة ما ارتكب تطغى على البلدة وهمومها واهتمامات منطقة إقليم الخروب، ومعها لبنان كله.
يقول أهالي كترمايا ان الإعلام المحلي والعربي والدولي انصرف، عبر التركيز على الجريمة الثانية التي قتل فيها محمد سليم مسلم، الذي أثبتت الفحوصات الجنائية تورطه في قتل أفراد العائلة الأربعة، عن أربع ضحايا: مسنين وطفلتين، وعن الطريقة الوحشية التي اتبعت في قتلهم وتعذيبهم، مع فارق «أن أحداً لم ير الصور الفظيعة لما ارتكب بهم، بينما نقلت وسائل الإعلام كافة ما حصل مع مسلم»، وفق ما يقولون في البلدة.
وتظهر الصور التي اخذت للضحايا، لا سيما للطفلتين، أنهم تعرضوا لعشرات الطعنات بالسكاكين، حتى أن القاتل أقدم على تقطيع بعض الأجزاء من أجسادهم، ببرودة أعصاب وباحتراف كبير في القتل.
وتحول منزل خالة رنا حيث تقيم حاليا، والدة الطفلتين وابنة الضحيتين يوسف وكوثر، مقصداً للزوار والمعزين ووسائل الاعلام المتعددة. هناك تسجل العائلة والأهالي عتبا كبيرا على الاعلام اللبناني الذي «نسي الجريمة الأولى ووضع الجثث والتشويه والتنكيل الذي لحق بها»، مشيرين إلى أنهم يجمعون ويحضرون ملفاً كاملاًَ عن الجريمة، يتضمن صوراً للضحايا والتشويهات التي لحقت بهم، إلى جانب التقارير الطبية والشرعية الخاصة بها.
هناك في المنزل، يؤكد أبناء كترمايا تمسكهم بالقانون والعدالة اللبنانية، لكنهم يحمّلون مسؤولية ما جرى، من ردود فعل أدت إلى قتلهم القاتل، إلى الجهات الأمنية والقضائية التي احضرته الى مكان الجريمة بينما كانت البلدة تشهد غليانا وغضبا شديدا من هول وفظاعة الجريمة.
وتحمل الوالدة رنا في منزل خالتها صورة طفلتيها وهي تقبلهما وتجهش بالبكاء وهي تزرع غرف البيت جيئة وذهاباً.
تقول الوالدة رنا «لم اعد أتحمل.. لا أريد الحديث»، و«لا يمكن لأحد أن يعوضني آمنة وزينة.. كانتا كل حياتي، كرست نفسي لتعليمهما لأراهما صبيتين متعلمتين، ومسلحتين بالشهادات».
وإذ ترفض الحديث إلى وسائل الإعلام، التي يعج بها المنزل، رفضا قاطعا، تطل بين الحين والآخر من على شرفة المنزل الى مقبرة البلدة التي تقع مقابل المنزل، لتقرأ الفاتحة عن أرواح الأحبة، ومن ثم تعود الى الداخل.
تعبر رنا عن غضبها واستيائها من «تسليط الضوء على صور القاتل»، مشيرة الى أن عائلتها قتلت مرتين :«المرة الأولى عندما شاهدت أبي وأمي وطفلتاي بأمّ العين مضرجين بدمائهم في المنزل، والثانية عندما تجاهل الاعلام اللبناني قتلهم بوحشية وركز على القاتل وصوّره كأنه ضحية».
تقول رنا «هل كتب أو قال أحد ان طفلتيّ كانتا قد وصلتا للتو من المدرسة، ولم تتناولا حتى طعام الغداء قبل مقتلهما».. «هل يعرف الجميع ماذا شعرت طفلتاي عندما دخلتا ووجدتا جدهما وجدتهما مضرجين بدمائهما، قبل أن تعمل سكين القاتل بجسديهما الطريين».
وترى رنا أن «التحقيق يجب أن يأخذ مجراه، هناك صور للضحايا والخسارة اكبر من أن تقدَّر، والمجرم القاتل دخل خلسة الى لبنان ولديه سوابق في القتل والاغتصاب كما تحدثت التقارير الرسمية». وتستغرب والدة آمنة وزينة «عدم توقيف محمد مسلم من قبل الجهات الأمنية»، مشيرة إلى «أن ما ارتكبه «فوّر دم» أهالي البلدة الذين كانوا يتجمعون في ساحة البلدة في انتظار تشييع الضحايا وفوجئوا بإحضار القاتل لتمثيل جريمته، فكان رد الفعل».
ويروي سائق حافلة المدرسة محمد علي الذي أوصل آمنة وزينة من المدرسة إلى منزلهما عند الساعة الثالثة والربع، مشيراً إلى أن جدهما لم يستقبلهما «كالعادة». ويشير علي إلى أنه تلقى اتصالاً من رنا عند الرابعة إلا ربعا «تسأل عنهما بعدما وجدت الباب مقفلاً».
ويتذكر علي كيف دخلت زينة، قبل يومين من مقتلها إلى الباص وهي تحمل بطاقة علاماتها فرحة جداً بعدما نالت تقدير جيد جداً وركضت نحوه تطلعه عليها.
وفي مدرسة «يونيفرسال» في محلة مرج علي في بلدة شحيم حيث كانت تدرس الطفلتان، غيَّرت إدارة المدرسة وضعية المقاعد الدراسية في صفيهما بهدف عدم إشعار التلامذة بفراغ مقعدي زينة وآمنة ولإبعادهم عن أجواء الحادثة الأليمة وعن الحزن واليأس.
تؤكد مدرِّسة اللغة العربية والتربية المدنية نسرين سرحال أن آمنة كانت مثال التلميذة المثالية، المهذبة والمجتهدة، «كانت تنتبه لشرح الدروس وتحترم المعلمين، وتحبهم وكانت خجولة ومثابرة. لم تنل آمنة معدلاً أقل من 16.66 على عشرين. آخر تواصل حصل بين نسرين وآمنة كان عبر تقديم التلميذة لمعلمتها «حبة جنارك، أخذتها منها فضحكت لي بفرح».
وتتذكر مدرسة زينة للّغة الفرنسية نظم الشمعة «صوت زينة الهادئ وتهذيبها الملحوظ وحبها اللافت لرفاقها جميعاً». قبل يوم واحد من مقتلها، وبالتحديد قبل ذهابها إلى المنزل قالت زينة لتلامذة صفها «أحبكم جميعاً وسأجلس كل يوم بالقرب من كل واحد منكم».
وتشير الشمعة إلى ان رفاق زينة قضوا الساعة الأولى لليوم الأول بعد مقتلها في البكاء وأن المدرسة بذلت جهداً كبيراً في سبيل إخراجهم من الجو الحزين الذي غرقوا فيه. وفرحة زينة بعلاماتها كانت بسبب نيلها معدل 17.68 على 20 على لائحة الشرف.
يشار الى ان والدة آمنة وزينة كانت مدرّسة في المدرسة عينها لسنوات طويلة وبقيت فيها حتى العام 2007 عندما عينت مدرّسة في احدى مدارس مدينة صور الرسمية في الجنوب، بعد نيلها اجازة في اللغة الفرنسية .

Script executed in 0.16507005691528