لماذا القدس؟
مدينة تسري اليها افئدتنا ،تُعرج عليها افكارَنا هكذا علمنا محمد حبيب الله وعلى دروب الجُلجلةِ تسير آلامها هكذا علمنا المسيح روح الله، القدس في منزلة القلب من فلسطين وفلسطين في منزلة القلب من العالم العربي، الاسلامي ،المسيحي والانساني.
للقدس صفةً فريدةً لا مثيل لها بين مدن العالم تكمن في علاقتها بالديانات التوحيدية الثلاث ووجود الاماكن المقدسة فيها ،هذا من الناحية الدينية والروحية للقدس والذي لا نخال احداً ينازع فيه. لكن البعد الآخر وهو البعد السياسي في الصراع والذي تحاول الاسطورة الصهيونية الباسه اللبوس الديني حيث لا تدخر جهداً سياسياً عسكراياً، استيطانياً، ثقافياً لتهويد القدس في مسلسل مستمر بالغش والخداع ابتدأت فصوله في اواخر القرن التاسع عشر منذ المؤتمر الصهيوني الاول ولم تنته فصوله بعد، رغم تشكيك المؤرخين وخبراء الآثار وحتى الاسرائيليين منهم بتلك الاسطورة ومنهم على سبيل المثال زئيف هرتسوغ.
بماذا يقابل العرب هذا المشروع؟ معظمهم يقابله بالضعف والخنوع وهذا ما تجلى اخيراً في ما يسمى المفاوضات التي تكون تارة مباشِرة واخرى غير مباشِرة وكأن سبعة عشر عاماً من المفاوضات منذ اتفاق اوسلو لا تكفي لتثبت صحة ما قاله الرئيس الراحل حافظ الاسد عن اوسلو "كل كلمة فيه بحاجة الى تفاوض واتفاق لاحق" مما ادى الى ان تصبح المفاوضات من اجل التفاوض لكسب الوقت من الطرف القوي في المعادلة وهذا ما سلمت به السلطة الفلسطينية في تبريرها للذهاب الى الجولة الجديدة من المفاوضات بماذا سنخسر اذا فشلت المفاوضات؟!! وهذا اخطر ما يكون ان تتحول القضية من التحرير الى التبرير والتمرير، وهذا المنطق الذي رفضة كل من مصطفى البرغوثي وحنان عشراوي حيث قال الاول: ان الذهاب الى المفاوضات بدون مرجعية ملزمة لها سيؤدي الى فشل اكبر واخطر مما جرى في كامب ديفيد عام 2000.
اما عشراوي فقد دعت الى البحث عن البدائل لأن وضع المفاوض الفلسطيني صعب ولا داعم حقيقي له خارجياً والوضع الفلسطيني الداخلي لا يساعد ايضاً. ولم يكن القيادي الفتحاوي السجين مروان البرغوثي اقل وضوحاً عندما قال: المفاوضات محكوم عليها بالفشل كما جرى خلال عقدين...مضيفا بديل المفاوضات الفاشلة ليس المزيد منها.
وكلنا يعرف موقف القوى الفلسطينية الاخرى المعارضة اساساً لهذه المفاوضات العبثية خصوصاً حماس عن عدم شرعية المفاوضات ونتائجها.
ونحن في شهر الصيام ويوم القدس نريد ان لا يكون الصيام صياماً عن القيام بالواجب والاكتفاء بالوجبات الديبلوماسية التضليلية الاميركية الجاهزة ولنا العبرة في ما قاله السيد المسيح لتلاميذه: " احمل صليبك واتبعني" ولم يقل واقعد.
ولات ساعة مندم، ففي ا لوقت الذي تعمل اسرائيل على تثبيت الهوية الدينية للكيان والسيطرة القانونية والثقافية والعملية التامة في فلسطين لتكريس الغاء فلسطين من الذاكرة العربية وحتى ان جماعات استيطانية تنظم مسابقات لتغيير معلومات "موسوعة ويكيبيديا" بما يتوافق مع الرواية الصهيونية واظهار ان القدس عاصمة ابدية لإسرائيل حسب الزعم الاسرائيلي (القدس العربي 20/08/2010)، ترانا تحن ذاهبون باتجاه حروب عبثية لا تبقي ولا تذر تحت شعارات تفريقية فئوية وطائفية ومذهبية مثل لبنان اولاً او فلسطين اولاً او الاردن اولاً وهلمجر او الطائفة او المذهب اولا ، متناسياً اننا بحاجة الى بعضنا لان وجودنا يكون كعرب اولاً لان ما يجمعنا اكثر من ان يعد ويحصى ولا يلغي خصوصياتنا القطرية، وهذا ما اثبتته تجربة النصر على اثر عدوان تموز عام 2006 على لبنان الذي اظهر اهمية العمق الاستراتيجي السوري وما ينطبق على لبنان ينطبق على فلسطين والعكس صحيح.
واخيراً تنساءل عن سبب الصحوة الاميركية هذه لتحقيق السلام خلال عام رغم اطنان من القرارات الدولية حول فلسطين والقدس وجولات من المفاوضات والمبادرات التي تجاهلتها الادارات الاميركية المتعاقبة، . وهل تكون هذه المفاوضات تغطية لحروب عبثية اخرى في المنطقة كما علمنا التاريخ؟!! . وايهما اصدق في هذا الخصوص هيلاري كلينتون ام افيغدور ليبرمان الذي شكك بامكانية تحقيق السلام في عام؟!
واحب ان اختم بهذا القصة المعبرة عن تمسك وارتباط الفلسطيني بفلسطين والتي نقلها الكاتب سلمان ابوستة في جريدة السفير اللبنانية حيث يقول: لا ازل اذكر قصة المهندس الذي كان يعمل معي عندما طلب اجازة ليتزوج، عاد بعد الاجازة متزوجاً. فأخبرني ان والديه اقترحا عليه بنتاً من عائلة صديقة كانت جارة لهم في بلدتهم بفلسطين بحث الشاب عن هذه العائلة فوجدها في احد بلاد الشتات. عرفهم بنفسه وحصل انسجام بينه وبين ابنتهم فتزوجها، هكذا تزوج الشاب من جارته متحدياً جغرافيا الشتات.
وكل عام وانتم بخير
عباس علي مراد
القيت بمناسبة يوم القدس
سدني استراليا