طغت المجزرة المروعة التي شهدها ألاوتوستراد الساحلي الجنوبي أمس بفعل حادث سير مأساوي على اهتمامات اللبنانيين الذين تحولوا الى حطب بشري لموقدة الموت المجاني، المتربص بهم على الطرقات المتفلتة من كل الضوابط.
وإذا كانت حكومة الوحدة الوطنية عاجزة عن معالجة الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، فإن ما لا يمكن فهمه ان تتحول الى «شاهد زور» على هذا القتل الجماعي ليلا نهارا وان تكون قاصرة عن «أضعف الايمان» وهو تأمين الحد الادنى من شروط التنقل الآمن للمواطنين الذين قضى ستة منهم وجرح حوالى عشرين من بينهم أطفال ونساء، بعضهم في حال الخطر، نتيجة اجتياح شاحنة عددا من الفانات والسيارات على طريق الجية.
ولأن الحكومة لا تعمل إلا تحت تأثير الصدمة ورد الفعل، فهي انتظرت حصول «الجريمة الجماعية» لتكتشف ان هناك مشكلة كبرى في السير تحتاج الى حل عاجل وان هناك نقصا في الرادارات والإرادات لا بد من سده، مع الاشارة الى ان حادث الامس تتحمل القوى الامنية جزءا من مسؤوليته بفعل اختيارها مكانا خاطئا لإقامة حاجز طيار لضبط السرعة، تفاجأ به سائق الشاحنة الجانية من دون ان يعني ذلك إعفاءه من مسؤوليته المـتأتية عن السرعة المتهورة في القيادة.
وبرغم ان حوادث السير الدامية تكاثرت الى حد كبير في الآونة الاخيرة مرسلة ما يكفي من إشارات التحذير الى ان الآتي أعظم، فإن مجلس الوزراء تنبه فقط يوم امس الى ضرورة البحث في جلسة مقبلة في اقتراح لزيادة عدد الرادارات والتشدد في مراقبة مخالفي قانون السير وتغريمهم.
وقد شكلت مأساة البارحة مناسبة جديدة لتشريح واقع قوى الامن الداخلي وتسليط الاضواء على مكامن القصور والتقصير في أدائها المتصل بحفظ سلامة المواطنين، وهو الامر الذي بادر اليه بجرأة وزير الداخلية زياد بارود في مؤتمره الصحافي الطارئ، أمس، مع الامل في ان يُستكمل وضع الاصبع على الجرح بالمباشرة في مداواته جذريا وعدم الاكتفاء بتخدير الوجع الى حين.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قد عقد أمس جلسة عادية في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس سعد الحريري بحثت فقط في جدول الاعمال ولم تتطرق الى الشؤون السياسية الراهنة، بعدما أبلغ الحريري الوزراء في مطلع الجلسة ان هذا الشهر تخلله كلام كثير في السياسة وقد قلنا ما عندنا، ولنبدأ فورا في مناقشة بنود جدول الاعمال، وهكذا كان.
وقد تركز البحث على البند 17 المتعلق بتحويل عائدات الهاتف الخلوي الى الصندوق البلدي المستقل، حيث تبلغ هذه العائدات نحو 860 مليون دولار، نتيجة التراكمات المستحقة للبلديات.
وقد امتنع وزير الاتصالات شربل نحاس عن تحويل المبالغ المستحقة الى وزارة المالية ووضعها في حساب خاص في مصرف لبنان، وطلب تحويلها مباشرة الى البلديات وهذا ما رفضته وزيرة المال ريا الحسن التي تطالب بتحويل المبالغ الى «المالية» لتقوم بتحويلها بالتقسيط الى البلديات كما حولت مستحقات الضمان بالتقسيط، لأن «المالية» لا تستطيع تحويل مبلغ كبير كهذا دفعة واحدة نظرا لتاثيره على مدفوعات الخزينة، فيما يخشى الوزير نحاس ان تذهب الاموال في اتجاهات أخرى غير البلديات التي تحتاج اليها، خاصة أن الحسن جاهرت بذلك مؤخرا باعلانها أن الافراج عن الأموال يمكن أن يوفر التمويل لخطة الكهرباء، بينما كانت تقول في مراسلاتها لوزارة الاتصالات عكس ذلك.
وجرى نقاش مستفيض استمر نحو ساعتين حول الموضوع، تم خلاله الاقرار بحق البلديات في هذه الاموال من جهة، والاقرار بتعذر دفعها دفعة واحدة من جهة أخرى، وجرت محاولات للتوفيق بين الأمرين، فاقترح وزيرا حزب الله حسين الحاج حسن ومحمد فنيش دفع مستحقات
العام 2009 وبحث امكان تقسيط مبالغ الاعوام السابقة، وتعذر التوافق على ذلك. وتبين انه لا توجد آلية لتحويل الاموال مباشرة من عائدات الهاتف الخلوي الى البلديات، بل هناك آلية لتحويل عائدات الهاتف الثابت.
وتشعب النقاش ليطال مسائل قانونية، وأثار بعض الوزراء حصول اوجه اخرى من الانفاق الكبير لا سيما على موضوع جمع النفايات. ونتيجة اطالة النقاش تم الاتفاق على تاجيل البت بهذا البند، وتم اقرار البند المتعلق بخطة السدود الذي طرحه الوزير جبران باسيل، لكن مع تعديل بسيط وبموافقة وزير الطاقة.
وقال وزير الاتصالات شربل نحاس لـ«السفير» انه لم يلمس ان هناك طرحا محددا من وزيرة المال ريا الحسن، وكل ما في الامر انها جاءتنا بملف مزدحم يحوي 150 صفحة من نسخ لقوانين ومراسيم ومراسلات بين وزارات، من دون ان يكون مرفقا بأي طرح واضح. وأضاف: لقد شددت من جهتي على ثلاثة مبادئ اساسية هي: إقرار مبدأ ان الأموال المستحقة هي للبلديات وليست للصندوق البلدي المستقل، تحديد الآلية الحسابية لتوزيعها إما وفق القاعدة المتبعة في توزيع عائدات الهاتف الثابت وإما وفق النسب المعتمدة من قبل وزارة الداخلية في علاقتها مع البلديات، وجدولة إنفاق الاموال بشكل يصب في خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم. وقد اقترحت ان يعطى قسم من المال نقدا الى البلديات على ان يخصص القسم الآخر لمشاريع انمائية مشتركة يتم الاتفاق عليها بين المجالس البلدية برعاية وزارة الداخلية ونحن مستعدون للمساعدة في هذا المجال.
«انتفاضة» الحريري
وبينما غادر الرئيس سعد الحريري مساء أمس الى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، ومن ثم في اجازة عائلية خاصة، استمرت مواقفه الاخيرة بالتفاعل في الاوساط السياسية التي تفاوتت ردود فعلها بين الترحيب الحار والترحيب المتحفظ في انتظار خطوات عملية تترجم ما قاله الحريري، فيما بدا ان القنبلة السياسية لرئيس الحكومة انعكست ارباكا في صفوف أعضاء تيار المستقبل الذين وجدوا انفسهم ينتقلون فجأة وبلا مقدمات من ضفة عدم الاعتراف بوجود شهود الزور الى ضفة تبرير الكلام الجديد الصادر عن زعيمهم.
وقال مصدر سياسي واسع الاطلاع لـ«السفير» انه جرى التأسيس للتحول المستجد في خطاب الحريري خلال السحور الدمشقي الاخير، حيث تكلم الرئيس بشار الاسد بصراحة مع رئيس الحكومة مركزاً على ان مسألة دعم المقاومة في لبنان وحمايتها هي قرار سوري استراتيجي لا رجعة عنه مهما كانت الاثمان، وان عنوان انتظام اي علاقة مع لبنان ينبع من هذه الثابتة، وتم توصيف هذا الامر على انه جزء لا يتجزأ من منظومة الامن القومي الاستراتيجي السوري، مع الاشارة الى ان كلام الاسد جاء بعد ساعات من حادثة برج ابي حيدر. وكذلك كان للحريري كلام في منتهى الصراحة ايضاً، ليفضي «حوار السحور» الى الانتقال من مرحلة بناء الثقة الى مرحلة تكريس هذه الثقة عبر الافعال لا الاقوال، وفي مقدمها اقفال الملف الاكثر توتراً في العلاقة بين الحريري وسوريا وهو ملف الاتهام السياسي لها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
وأشار المصدر الى «ان التلازم الذي حصل بين صراحة الاسد وصراحة السيد حسن نصر الله في خطاب يوم القدس العالمي، أظهر ان هناك جدية غير مسبوقة في مسألة وجوب تحديد التوجهات والخيارات، فكان موقف الحريري من الاعتراف بالخطأ بحق سوريا. لكن المفاجأة كانت في حديثه عن شهود الزور ودورهم في توتير هذه العلاقة».
وكشف المصدر عن «ان الكلام الذي قاله الحريري في ما خص شهود الزور كان متوقعاً ان يعلنه خلال مهلة شهرين او اكثر، لكنه قرر على ما يبدو اختصار المراحل، وهذا يعني انه لم يعد بمقدور أي طرف تجاهل وجود شهود الزور وان وزير العدل يجب ان يعود الى مجلس الوزراء بملف شامل لتحديد كيفية متابعة هذه القضية»، كما اشار المصدر الى ان كلام رئيس الحكومة سيؤدي حتماً الى الانتقال الى مرحلة معرفة من صنع شهود الزور، وهذا سيفتح الباب امام تغييرات محتملة في فريق عمل الرئيس الحريري.
وفي سياق متصل، قال مرجع سياسي بارز لـ«السفير» ان كلام الرئيس سعد الحريري يشكل انعطافة مفصلية في مسار الوضع السياسي، متوقعا ان يؤدي تحول الحريري الى حصول شرخ بينه وبين بعض محيطه الذي لا يشعر بالرضا مما قاله لجريدة «الشرق الاوسط». واكد المرجع ان موقف الحريري هو بداية لها ما بعدها، سواء لجهة عقد لقاء قريب مع السيد حسن نصر الله او لجهة المضي قدما في ملاحقة شهود الزور ومحاسبتهم.
واستقبل الرئيس بشار الاسد أمس لمدة ساعتين، أمس، اللواء جميل السيد الذي سيعقد عند العاشرة قبل ظهر الاحد مؤتمرا صحافيا.
عون متمسك بموقفه
الى ذلك، تمسك العماد ميشال عون بانتقاداته الحادة لبعض الوزراء معتبرا انهم اصبحوا مذنبين وليس فقط مسؤولين عن وقوع المخالفات. واعتبر عون بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح ان عدم ممارسة المسؤولية هو ذنب، وهؤلاء الوزراء الأربعة (الداخلية والدفاع والعدل والاعلام) مذنبون لأنهم يتنكرون لمسؤولياتهم.
وشدد على ان الذين صرحوا سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو من الاحتياط الأول المتقاعد الذين تم استدعاؤهم، لن يغيروا الوضع وهو أن هناك مخالفات أساسية تهدم مؤسسات الدولة، وأن المسؤولين عن هذه المؤسسات نائمون. ولفت الانتباه الى ان الكلّ اختبأ خلف رئيس الجمهورية، متسائلا: منذ متى كان البكاء عيباً؟ واضاف: البكاء يصبح عيباً عندما يشعر صاحبه بالعيب. نحن لم نتعرّض لأحد، بل نحافظ على الآداب في الكلام والسلوك، لكننا نسمّي الأشياء بأسمائها. وأطمئن الجميع الى ان هذا الاستصراخ لن يوصلهم إلى أي مكان، وما قلناه الأحد نكرّره اليوم من دون خجل أو وجل، فنحن نخيف ولا نخاف من أحد.
وطلب من «الذين يعتذرون من سوريا بسبب الاتهامات الخاطئة أن يعتذروا منا لأننا عندما دعوناهم إلى التعقّل والتحفظ في شأن نتائج التحقيق والى عدم التسرع في الاتهامات، اتهمونا بأشياء تتضمن الكثير من قلة التهذيب ومن الاتهامات الباطلة ببيع السيادة والصفقات».
وإذا كانت حكومة الوحدة الوطنية عاجزة عن معالجة الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، فإن ما لا يمكن فهمه ان تتحول الى «شاهد زور» على هذا القتل الجماعي ليلا نهارا وان تكون قاصرة عن «أضعف الايمان» وهو تأمين الحد الادنى من شروط التنقل الآمن للمواطنين الذين قضى ستة منهم وجرح حوالى عشرين من بينهم أطفال ونساء، بعضهم في حال الخطر، نتيجة اجتياح شاحنة عددا من الفانات والسيارات على طريق الجية.
ولأن الحكومة لا تعمل إلا تحت تأثير الصدمة ورد الفعل، فهي انتظرت حصول «الجريمة الجماعية» لتكتشف ان هناك مشكلة كبرى في السير تحتاج الى حل عاجل وان هناك نقصا في الرادارات والإرادات لا بد من سده، مع الاشارة الى ان حادث الامس تتحمل القوى الامنية جزءا من مسؤوليته بفعل اختيارها مكانا خاطئا لإقامة حاجز طيار لضبط السرعة، تفاجأ به سائق الشاحنة الجانية من دون ان يعني ذلك إعفاءه من مسؤوليته المـتأتية عن السرعة المتهورة في القيادة.
وبرغم ان حوادث السير الدامية تكاثرت الى حد كبير في الآونة الاخيرة مرسلة ما يكفي من إشارات التحذير الى ان الآتي أعظم، فإن مجلس الوزراء تنبه فقط يوم امس الى ضرورة البحث في جلسة مقبلة في اقتراح لزيادة عدد الرادارات والتشدد في مراقبة مخالفي قانون السير وتغريمهم.
وقد شكلت مأساة البارحة مناسبة جديدة لتشريح واقع قوى الامن الداخلي وتسليط الاضواء على مكامن القصور والتقصير في أدائها المتصل بحفظ سلامة المواطنين، وهو الامر الذي بادر اليه بجرأة وزير الداخلية زياد بارود في مؤتمره الصحافي الطارئ، أمس، مع الامل في ان يُستكمل وضع الاصبع على الجرح بالمباشرة في مداواته جذريا وعدم الاكتفاء بتخدير الوجع الى حين.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قد عقد أمس جلسة عادية في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس سعد الحريري بحثت فقط في جدول الاعمال ولم تتطرق الى الشؤون السياسية الراهنة، بعدما أبلغ الحريري الوزراء في مطلع الجلسة ان هذا الشهر تخلله كلام كثير في السياسة وقد قلنا ما عندنا، ولنبدأ فورا في مناقشة بنود جدول الاعمال، وهكذا كان.
وقد تركز البحث على البند 17 المتعلق بتحويل عائدات الهاتف الخلوي الى الصندوق البلدي المستقل، حيث تبلغ هذه العائدات نحو 860 مليون دولار، نتيجة التراكمات المستحقة للبلديات.
وقد امتنع وزير الاتصالات شربل نحاس عن تحويل المبالغ المستحقة الى وزارة المالية ووضعها في حساب خاص في مصرف لبنان، وطلب تحويلها مباشرة الى البلديات وهذا ما رفضته وزيرة المال ريا الحسن التي تطالب بتحويل المبالغ الى «المالية» لتقوم بتحويلها بالتقسيط الى البلديات كما حولت مستحقات الضمان بالتقسيط، لأن «المالية» لا تستطيع تحويل مبلغ كبير كهذا دفعة واحدة نظرا لتاثيره على مدفوعات الخزينة، فيما يخشى الوزير نحاس ان تذهب الاموال في اتجاهات أخرى غير البلديات التي تحتاج اليها، خاصة أن الحسن جاهرت بذلك مؤخرا باعلانها أن الافراج عن الأموال يمكن أن يوفر التمويل لخطة الكهرباء، بينما كانت تقول في مراسلاتها لوزارة الاتصالات عكس ذلك.
وجرى نقاش مستفيض استمر نحو ساعتين حول الموضوع، تم خلاله الاقرار بحق البلديات في هذه الاموال من جهة، والاقرار بتعذر دفعها دفعة واحدة من جهة أخرى، وجرت محاولات للتوفيق بين الأمرين، فاقترح وزيرا حزب الله حسين الحاج حسن ومحمد فنيش دفع مستحقات
العام 2009 وبحث امكان تقسيط مبالغ الاعوام السابقة، وتعذر التوافق على ذلك. وتبين انه لا توجد آلية لتحويل الاموال مباشرة من عائدات الهاتف الخلوي الى البلديات، بل هناك آلية لتحويل عائدات الهاتف الثابت.
وتشعب النقاش ليطال مسائل قانونية، وأثار بعض الوزراء حصول اوجه اخرى من الانفاق الكبير لا سيما على موضوع جمع النفايات. ونتيجة اطالة النقاش تم الاتفاق على تاجيل البت بهذا البند، وتم اقرار البند المتعلق بخطة السدود الذي طرحه الوزير جبران باسيل، لكن مع تعديل بسيط وبموافقة وزير الطاقة.
وقال وزير الاتصالات شربل نحاس لـ«السفير» انه لم يلمس ان هناك طرحا محددا من وزيرة المال ريا الحسن، وكل ما في الامر انها جاءتنا بملف مزدحم يحوي 150 صفحة من نسخ لقوانين ومراسيم ومراسلات بين وزارات، من دون ان يكون مرفقا بأي طرح واضح. وأضاف: لقد شددت من جهتي على ثلاثة مبادئ اساسية هي: إقرار مبدأ ان الأموال المستحقة هي للبلديات وليست للصندوق البلدي المستقل، تحديد الآلية الحسابية لتوزيعها إما وفق القاعدة المتبعة في توزيع عائدات الهاتف الثابت وإما وفق النسب المعتمدة من قبل وزارة الداخلية في علاقتها مع البلديات، وجدولة إنفاق الاموال بشكل يصب في خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم. وقد اقترحت ان يعطى قسم من المال نقدا الى البلديات على ان يخصص القسم الآخر لمشاريع انمائية مشتركة يتم الاتفاق عليها بين المجالس البلدية برعاية وزارة الداخلية ونحن مستعدون للمساعدة في هذا المجال.
«انتفاضة» الحريري
وبينما غادر الرئيس سعد الحريري مساء أمس الى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، ومن ثم في اجازة عائلية خاصة، استمرت مواقفه الاخيرة بالتفاعل في الاوساط السياسية التي تفاوتت ردود فعلها بين الترحيب الحار والترحيب المتحفظ في انتظار خطوات عملية تترجم ما قاله الحريري، فيما بدا ان القنبلة السياسية لرئيس الحكومة انعكست ارباكا في صفوف أعضاء تيار المستقبل الذين وجدوا انفسهم ينتقلون فجأة وبلا مقدمات من ضفة عدم الاعتراف بوجود شهود الزور الى ضفة تبرير الكلام الجديد الصادر عن زعيمهم.
وقال مصدر سياسي واسع الاطلاع لـ«السفير» انه جرى التأسيس للتحول المستجد في خطاب الحريري خلال السحور الدمشقي الاخير، حيث تكلم الرئيس بشار الاسد بصراحة مع رئيس الحكومة مركزاً على ان مسألة دعم المقاومة في لبنان وحمايتها هي قرار سوري استراتيجي لا رجعة عنه مهما كانت الاثمان، وان عنوان انتظام اي علاقة مع لبنان ينبع من هذه الثابتة، وتم توصيف هذا الامر على انه جزء لا يتجزأ من منظومة الامن القومي الاستراتيجي السوري، مع الاشارة الى ان كلام الاسد جاء بعد ساعات من حادثة برج ابي حيدر. وكذلك كان للحريري كلام في منتهى الصراحة ايضاً، ليفضي «حوار السحور» الى الانتقال من مرحلة بناء الثقة الى مرحلة تكريس هذه الثقة عبر الافعال لا الاقوال، وفي مقدمها اقفال الملف الاكثر توتراً في العلاقة بين الحريري وسوريا وهو ملف الاتهام السياسي لها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
وأشار المصدر الى «ان التلازم الذي حصل بين صراحة الاسد وصراحة السيد حسن نصر الله في خطاب يوم القدس العالمي، أظهر ان هناك جدية غير مسبوقة في مسألة وجوب تحديد التوجهات والخيارات، فكان موقف الحريري من الاعتراف بالخطأ بحق سوريا. لكن المفاجأة كانت في حديثه عن شهود الزور ودورهم في توتير هذه العلاقة».
وكشف المصدر عن «ان الكلام الذي قاله الحريري في ما خص شهود الزور كان متوقعاً ان يعلنه خلال مهلة شهرين او اكثر، لكنه قرر على ما يبدو اختصار المراحل، وهذا يعني انه لم يعد بمقدور أي طرف تجاهل وجود شهود الزور وان وزير العدل يجب ان يعود الى مجلس الوزراء بملف شامل لتحديد كيفية متابعة هذه القضية»، كما اشار المصدر الى ان كلام رئيس الحكومة سيؤدي حتماً الى الانتقال الى مرحلة معرفة من صنع شهود الزور، وهذا سيفتح الباب امام تغييرات محتملة في فريق عمل الرئيس الحريري.
وفي سياق متصل، قال مرجع سياسي بارز لـ«السفير» ان كلام الرئيس سعد الحريري يشكل انعطافة مفصلية في مسار الوضع السياسي، متوقعا ان يؤدي تحول الحريري الى حصول شرخ بينه وبين بعض محيطه الذي لا يشعر بالرضا مما قاله لجريدة «الشرق الاوسط». واكد المرجع ان موقف الحريري هو بداية لها ما بعدها، سواء لجهة عقد لقاء قريب مع السيد حسن نصر الله او لجهة المضي قدما في ملاحقة شهود الزور ومحاسبتهم.
واستقبل الرئيس بشار الاسد أمس لمدة ساعتين، أمس، اللواء جميل السيد الذي سيعقد عند العاشرة قبل ظهر الاحد مؤتمرا صحافيا.
عون متمسك بموقفه
الى ذلك، تمسك العماد ميشال عون بانتقاداته الحادة لبعض الوزراء معتبرا انهم اصبحوا مذنبين وليس فقط مسؤولين عن وقوع المخالفات. واعتبر عون بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح ان عدم ممارسة المسؤولية هو ذنب، وهؤلاء الوزراء الأربعة (الداخلية والدفاع والعدل والاعلام) مذنبون لأنهم يتنكرون لمسؤولياتهم.
وشدد على ان الذين صرحوا سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو من الاحتياط الأول المتقاعد الذين تم استدعاؤهم، لن يغيروا الوضع وهو أن هناك مخالفات أساسية تهدم مؤسسات الدولة، وأن المسؤولين عن هذه المؤسسات نائمون. ولفت الانتباه الى ان الكلّ اختبأ خلف رئيس الجمهورية، متسائلا: منذ متى كان البكاء عيباً؟ واضاف: البكاء يصبح عيباً عندما يشعر صاحبه بالعيب. نحن لم نتعرّض لأحد، بل نحافظ على الآداب في الكلام والسلوك، لكننا نسمّي الأشياء بأسمائها. وأطمئن الجميع الى ان هذا الاستصراخ لن يوصلهم إلى أي مكان، وما قلناه الأحد نكرّره اليوم من دون خجل أو وجل، فنحن نخيف ولا نخاف من أحد.
وطلب من «الذين يعتذرون من سوريا بسبب الاتهامات الخاطئة أن يعتذروا منا لأننا عندما دعوناهم إلى التعقّل والتحفظ في شأن نتائج التحقيق والى عدم التسرع في الاتهامات، اتهمونا بأشياء تتضمن الكثير من قلة التهذيب ومن الاتهامات الباطلة ببيع السيادة والصفقات».