ثقيلة أحمال الشيخ الشاب: الحكاية شبه الخرافية للشيخ الجد كان فيها أقرب إلى كائن أسطوري منه إلى سياسي كبير صنع الحزب وأنجب الشيخين الرئيسين. الحكاية الثانية التي لا تنسى، عن شاب شديد الوسامة، معبود، يوحد المسيحيين ومن بعدهم لبنان، بالحديد وبالنار، ثم يموت بهما. ويبقى محفوظاً في القلب وفي أشرطة الفيديو كما هو، زعيماً يكاد يشع لشدة نقائه الثوري، فلا يهادن، ولا يتنازل، ولا يخاف. يمشي والناس خلفه. الشيخ بشير، العم الذي يبدو الزمن المتجمّد عند لحظة اغتياله، صورة أشهى للتماهي بها من صورة الوالد، الرئيس بالصدفة الدموية ووارث زمن هبوط النفوذ والشعبية والسلطة والانقسامات المسيحية الملعونة. الشيخ بشير، العم الذي يتطلع إليه ابن الأخ بصفته الأب الروحي الذي قُتل، وكان عليه أن ينتظر حتى يشب سامي، ليكمل الطريق، بغض النظر عن كل ما حدث، وبغض النظر عن ماض وحاضر ومستقبل محتوم.
ثقيلة أحمال الشيخ سامي وهو ما زال صغيراً. أثقلها دم الأخ الأكبر شهيداً كعمه، وهو لم يكن على وفاق معه، لأن سامي كان يرى في بيار أميناً ثانياً، ويرى في نفسه بشيراً، يقاطع فخامة الرئيس الاسبق وابنه الوزير سياسياً ويذهب بعيداً في أفكاره، ليؤسس لبنانه الذي يريد، فديرالياً مرتاح البال من همّ التنوع، حيث يعيش أتباع ديانة بمأمن من شرور الأخرى.
اغتيل الشقيق، ولم يعد هناك وارث آخر للحزب، فعاد الثوري إلى الصيفي كالعائد من بين صخور الجبال وكهوفها، بفلسفته وبرفاق درب من سنه، يعملون على جلب الحزب المنهك الى «لبنانهم». يأخذون الحزب إليهم، وليس العكس. يعملون بذكاء على طلة النائب وجرأته، وضحكته الواثقة، وحجته الحاضرة.. وعودته السريعة إلى التاريخ عند كل مفترق، التاريخ الذي ينتهي بعد سنة ولادته بقليل.
والشاب يبدو مثقل الكاهل بالتاريخ. تاريخ المسيحيين في الشرق وتاريخ الجبل وتاريخ الصيغة وتاريخ ذاك الملعب الذي لا يُنسى وتلك «القامة الرمح المسحوب».. والجبهة اللبنانية والمقاومة اللبنانية وكل ما كان ومضى، يظن سامي ان عليه، وحده، واجب استعادته. مثقل بالتاريخ حتى يكاد يبدو أكبر بعشرات السنوات من سنه الحقــيقي. كأنه، فتى الكتائب الأخير هذا، يغادر إلى شيخوخته مبكراً، ذاهــباً بعكس المقولة عن «عودة الشيخ إلى صباه». وأسفل كل هذه الترسبات التاريخية، من الصعب عليه ان يرى الآخر واختلافه، ومن الصعب، بل ربما من المستحيل على العجوز الذي في داخله أن يغير قناعاته.
وهو، إذ يقفز دفعة واحدة إلى شيخوخته، فإنه يفتقد إلى مراكمة الحكمة، ويأخذه طيشه إلى الاضطراب، ولا يفيده أن فخامة الأب يفسح له المجال واسعاً كي يجرّب ويتعلم من أخطائه ويصنع تجربته بنفسه. ضباب التاريخ يمنعه من رؤية الحاضر، والمستقبل. وعارفوه يقولون إنه، على النقيض تماماً من عمه، بلا أي رؤية استراتيجية. لا يجيد التحضير لا ليومه ولا لغده.
بشير كان يعرف ما الذي يريده وبرغم ذلك ذهب ضحية عدم قدرة البلد على تحمل مشروعه ووصوله. سامي لا يعرف. لا يستطيع ان يبني فهماً لحزب بحجم «حزب الله»، من خارج معادلة رعبه من أن الشيعة صاروا أقوياء إلى هذه الدرجة. لا يرى سوريا خارج منظومة «العداء» بينها وبين المسيحيين، وهو بذلك يخون والده الذي ملت منه الطرقات الى دمشق، من دون اغفال واقعة استنجاد الجد بالسوري في العام 1976 لوقف هجوم الحركة الوطنية على المسيحيين. لا فكرة واضحة عند سامي حول كيفية مواجهة خصمه الأول، قبل سوريا و«حزب الله»، أي سمير جعجع الذي يزاحمه على اللقمة في الطبق. فقط يدرك أن «الحكيم» يريد دفن حزب الكتائب وأن تصبح «القوات» الناطقة الوحيدة باسم «المجتمع المسيحي».. لذلك كان الشيخ يقترب ويقرّب الحزب من «التيار الوطني الحر».
لكن على رأس «التيار» جنرال يدمن الاستراتيجيات، ولن يسمح للشيخ الصغير بالاقتراب كثيراً، إذا كان مصرّاً، باسم الوحدة المسيحية، على التنطح ضد من يرى الجنرال في العلاقة معه حلفاً عميقاً طويل الأمد. انها معادلة الأقليات، وهذا ما لا يقرأه سامي الجميل، الذي لا يفقه كيف يمكن الاقتراب من التيار واطلاق النار على حزب الله في آن.
والشيخ سامي إذ يبدي اهتماماً بما يقال له، فهذا تهذيب لا يرقى إلى خانة الاستماع الجيد. الشيخ ليس مستمعاً لغير المخاوف التي لا تصنع إلا اضطراباً على اضطراب. وفي اضطرابه، يتوه سامي الجميل. لا يعود معروفاً ما إذا كان شاباً أم شيخاً، منادياً بالقضية المسيحية عن إيمان أم من أجل جمهور. وريث عمه أم جده أم شقيقه أم والده. أم وريث الاربعة مجتمعين بتناقضاتهم. المؤسس لمجد آت أم الباكي طوال العمر على مجد ضاع. يتوه الشيخ، فيتوه جمهوره معه. والجمهور يفرح إذا رأى زعيمه يمشي أمامه، غير أنه لا يمشي ما لم يثق بأن هذا الزعيم يعرف إلى أين يذهب به. سامي لا يعرف. لا يبقى له، والحال هذه، إلا موهبتان: الاولى، في كرة القدم، تفوّق فيها على كل زملائه السياسيين في مباراتهم الاخيرة. والثانية، تصريحات خاوية، تثير غباراً قليلاً، وتذكّر بأن هذا الشاب المسكين مثقل بترسبات التاريخ، تعلو فوقه، فلا يتحرر منها، ولا يتعلم فيتخفف مما يثقل عليه، فيمشي قدماً بدلاًََ من المشي إلى الخلف، حتى الإيغال الذي بلا طائل، في تاريخ لن يتكرر.
ثقيلة أحمال الشيخ سامي وهو ما زال صغيراً. أثقلها دم الأخ الأكبر شهيداً كعمه، وهو لم يكن على وفاق معه، لأن سامي كان يرى في بيار أميناً ثانياً، ويرى في نفسه بشيراً، يقاطع فخامة الرئيس الاسبق وابنه الوزير سياسياً ويذهب بعيداً في أفكاره، ليؤسس لبنانه الذي يريد، فديرالياً مرتاح البال من همّ التنوع، حيث يعيش أتباع ديانة بمأمن من شرور الأخرى.
اغتيل الشقيق، ولم يعد هناك وارث آخر للحزب، فعاد الثوري إلى الصيفي كالعائد من بين صخور الجبال وكهوفها، بفلسفته وبرفاق درب من سنه، يعملون على جلب الحزب المنهك الى «لبنانهم». يأخذون الحزب إليهم، وليس العكس. يعملون بذكاء على طلة النائب وجرأته، وضحكته الواثقة، وحجته الحاضرة.. وعودته السريعة إلى التاريخ عند كل مفترق، التاريخ الذي ينتهي بعد سنة ولادته بقليل.
والشاب يبدو مثقل الكاهل بالتاريخ. تاريخ المسيحيين في الشرق وتاريخ الجبل وتاريخ الصيغة وتاريخ ذاك الملعب الذي لا يُنسى وتلك «القامة الرمح المسحوب».. والجبهة اللبنانية والمقاومة اللبنانية وكل ما كان ومضى، يظن سامي ان عليه، وحده، واجب استعادته. مثقل بالتاريخ حتى يكاد يبدو أكبر بعشرات السنوات من سنه الحقــيقي. كأنه، فتى الكتائب الأخير هذا، يغادر إلى شيخوخته مبكراً، ذاهــباً بعكس المقولة عن «عودة الشيخ إلى صباه». وأسفل كل هذه الترسبات التاريخية، من الصعب عليه ان يرى الآخر واختلافه، ومن الصعب، بل ربما من المستحيل على العجوز الذي في داخله أن يغير قناعاته.
وهو، إذ يقفز دفعة واحدة إلى شيخوخته، فإنه يفتقد إلى مراكمة الحكمة، ويأخذه طيشه إلى الاضطراب، ولا يفيده أن فخامة الأب يفسح له المجال واسعاً كي يجرّب ويتعلم من أخطائه ويصنع تجربته بنفسه. ضباب التاريخ يمنعه من رؤية الحاضر، والمستقبل. وعارفوه يقولون إنه، على النقيض تماماً من عمه، بلا أي رؤية استراتيجية. لا يجيد التحضير لا ليومه ولا لغده.
بشير كان يعرف ما الذي يريده وبرغم ذلك ذهب ضحية عدم قدرة البلد على تحمل مشروعه ووصوله. سامي لا يعرف. لا يستطيع ان يبني فهماً لحزب بحجم «حزب الله»، من خارج معادلة رعبه من أن الشيعة صاروا أقوياء إلى هذه الدرجة. لا يرى سوريا خارج منظومة «العداء» بينها وبين المسيحيين، وهو بذلك يخون والده الذي ملت منه الطرقات الى دمشق، من دون اغفال واقعة استنجاد الجد بالسوري في العام 1976 لوقف هجوم الحركة الوطنية على المسيحيين. لا فكرة واضحة عند سامي حول كيفية مواجهة خصمه الأول، قبل سوريا و«حزب الله»، أي سمير جعجع الذي يزاحمه على اللقمة في الطبق. فقط يدرك أن «الحكيم» يريد دفن حزب الكتائب وأن تصبح «القوات» الناطقة الوحيدة باسم «المجتمع المسيحي».. لذلك كان الشيخ يقترب ويقرّب الحزب من «التيار الوطني الحر».
لكن على رأس «التيار» جنرال يدمن الاستراتيجيات، ولن يسمح للشيخ الصغير بالاقتراب كثيراً، إذا كان مصرّاً، باسم الوحدة المسيحية، على التنطح ضد من يرى الجنرال في العلاقة معه حلفاً عميقاً طويل الأمد. انها معادلة الأقليات، وهذا ما لا يقرأه سامي الجميل، الذي لا يفقه كيف يمكن الاقتراب من التيار واطلاق النار على حزب الله في آن.
والشيخ سامي إذ يبدي اهتماماً بما يقال له، فهذا تهذيب لا يرقى إلى خانة الاستماع الجيد. الشيخ ليس مستمعاً لغير المخاوف التي لا تصنع إلا اضطراباً على اضطراب. وفي اضطرابه، يتوه سامي الجميل. لا يعود معروفاً ما إذا كان شاباً أم شيخاً، منادياً بالقضية المسيحية عن إيمان أم من أجل جمهور. وريث عمه أم جده أم شقيقه أم والده. أم وريث الاربعة مجتمعين بتناقضاتهم. المؤسس لمجد آت أم الباكي طوال العمر على مجد ضاع. يتوه الشيخ، فيتوه جمهوره معه. والجمهور يفرح إذا رأى زعيمه يمشي أمامه، غير أنه لا يمشي ما لم يثق بأن هذا الزعيم يعرف إلى أين يذهب به. سامي لا يعرف. لا يبقى له، والحال هذه، إلا موهبتان: الاولى، في كرة القدم، تفوّق فيها على كل زملائه السياسيين في مباراتهم الاخيرة. والثانية، تصريحات خاوية، تثير غباراً قليلاً، وتذكّر بأن هذا الشاب المسكين مثقل بترسبات التاريخ، تعلو فوقه، فلا يتحرر منها، ولا يتعلم فيتخفف مما يثقل عليه، فيمشي قدماً بدلاًََ من المشي إلى الخلف، حتى الإيغال الذي بلا طائل، في تاريخ لن يتكرر.