لم يُتَح لوالده إخباره بما حصل، وهذا من حسن حظه، فلو أخبره والده ما حصل على طريقة الوالد المعروفة، لكنا أمام رواية عجائبية للتاريخ اللبناني الحديث. لكن لحسن الحظ، إن سامي أمين الجميّل عرف شذرات من التاريخ كيفما اتفق، ومن دون تدخل الوالد، الذي حكم في يوم من الأيام رئيساً لهذه الجمهورية.
حين اتصلت الجبهة اللبنانية بإسرائيل في بدايات الحرب الأهلية، لم تكن هناك قوات سورية في لبنان، أضف إلى ذلك أن العلاقات ما بين الجبهة اللبنانية وسوريا كانت في أفضل مراحلها. هذا ما لا يعرفه ربما سامي الجميّل، ولا يعرف كذلك أن الدخول السوري إلى لبنان تطلب عشرات الزيارات العلنية والسرية من منظّري الجبهة والسيادة اللبنانية حينها لدمشق، للطلب من الجيش السوري التدخل لمصلحة الجبهة والسيادة في لبنان. كان ذلك عام 1975 و1976، ولا يزال كريم بقرادوني شاهداً على تاريخ تلك المرحلة، التي كان هو من صانعيها.
سامي لا يعلم أن دخول القوات السورية حينها كان إلى جانب الجبهة اللبنانية، وحزب الكتائب، ولمنع الحركة الوطنية وحلفائها والقوات الفلسطينية من تغيير النظام في لبنان باتجاه نظام ديموقراطي بحسب مشروع الإصلاح المرحلي للحركة الوطنية، وإلغاء زمن الطائفية في البلاد. كذلك، لا يعرف سامي أن الحركة الوطنية قاتلت الدخول السوري في أكثر من مكان، من الجبل إلى بيروت وصيدا.
ولا يعلم سامي أن العلاقات بين أطراف لبنانية والعدو الإسرائيلي بدأت قبل الحرب، حين عرض بعض اللبنانيين على الوكالات اليهودية في فلسطين شراء أجزاء من لبنان تصل إلى منطقة الناعمة (وعلى اعتبار أن سامي ضعيف في الجغرافيا، كما هو في التاريخ، فإن هذه المنطقة تقع على مسافة 15 كليومتراً إلى الجنوب من بيروت)، وكانت تلك المرحلة تمتد من عام 1930 وحتى ما بعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948.
ربما نسي سامي أن الجيش الإسرائيلي الذي أمدّ المقاومة اللبنانية بالعتاد والسلاح وحتى الملابس العسكرية، قد اجتاح بلاده بمعاونة عمه، واحتل نصف عاصمة لبنان بمساعدة ميليشيات عمه، وحاصر النصف الآخر من العاصمة لمدة ثلاثة أشهر، ودمرها، قبل أن يُخرج منها المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين، ويدخلها بقوة السلاح.
أيضاً وأيضاً نسي سامي، أو لم يخبره والده عن عرس الدم الذي أُقيم في منطقة صبرا اللبنانية ومخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، الخالي من السلاح والمقاتلين، وذلك ثأراً لعمه.
ربما لم يعلم سامي، لصغر سنه وندرة متابعاته وغياب قراءاته، أن المجزرة تلك كانت بأيدي أقرباء له وقياديين في القوات اللبنانية، بمعاونة من الجيش الإسرائيلي الذي التزم إضاءة المنطقة بالقنابل المضيئة، بينما عمل عناصر تابعون لميليشيات الجبهة اللبنانية من القوات (أو المقاومة اللبنانية كما كانت تسمى) على قتل كل من عثروا عليه في المخيم والأحياء المحيطة، وكانوا مسبوقين بدخول مجموعة خاصة من القوات الإسرائيلية (الحليفة للقوات اللبنانية والجبهة اللبنانية) المخيم لاغتيال مجموعة من الكوادر الفلسطينية واللبنانية، قبل السماح للقوات اللبنانية بافتعال المجزرة.
كذلك لا يعرف سامي أن دخول مناطق غرب بيروت لم يكن نزهة للقوات المعادية، وأن بياناً سياسياً انطلق مع دخول القوات المحتلة، دعا إلى قتال العدو بالأسنان والأظفار، ومن بعدها قُرن القول بالفعل، ونُفذت عمليات عدة على الجيش الإسرائيلي في بيروت، تماماً كما كان يفعل بعض أبناء المناطق المحتلة من دون إعلان، وعلى مدى أشهر حصار بيروت.
سامي قال: «بعض الشباب يخضع لغسل الدماغ، وهو غير مطّلع كفاية على تفاصيل تلك الفترة من التاريخ»، ويبدو كمن يتحدث عن نفسه، إذ لا يشير مرة إلى أنه قرأ تاريخ بلاده، وليس المكتوب بوجهة نظر اليسار، أو مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بل تاريخ كالذي حاول تدوينه جوزف سعادة في كتابه «أنا الضحية والجلاد أنا»، إذ فيه إشارات واضحة وقاسية نحو والده. ويبدو أن سامي لم يطلع على كتاب ريجينا صنيفر.
ثم إن سامي معذور، فهو يشاهد ثورة الأرز تنهار، ويحاصَر ذوو الرؤوس على هامش المسار السياسي العام، تمهيداً لبيعهم لاحقاً في سوق السياسة المحلية، وإنهاء تأثيرهم السياسي. وعليه أن يفعل أي شيء، بما في ذلك اللجوء إلى تزوير التاريخ أو إخباره كما يتخيله، لا كما وقع.
ثم إن سامي ربما لم يعرف أننا أمام ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت في مثل هذه الأيام، ولا يعرف أنها الأيام التي نحتفل فيها بانطلاق المقاومة الوطنية ضد إسرائيل، في 16 من الشهر الحالي.
«سامي ما سقط» على طريقة الإعلان الشهير، فهو لم يدخل المدرسة قط، لكن لوالده شأن آخر.