أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ميتشل في بيروت مطمئناً ... وفي الجنوب محذراً من «التشويش على المفاوضات»

السبت 18 أيلول , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,692 زائر

ميتشل في بيروت مطمئناً ... وفي الجنوب محذراً من «التشويش على المفاوضات»
بدت زيارة المبعوث الأميركي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل للبنان، أمس، مثل «الأربعاء بنص الجمعة». لم ينتبه له لا أهل السياسة ولا أهل الإعلام... جاء ميتشل ليطمئن لبنان، بالعبارة السحرية التي لا تغني ولا تسمن من جوع: «لا حل إقليميا على حساب لبنان»، لكن الأبرز، ما لم يقله علناً بل شكلاً وفي الاجتماعات المغلقة، سواء عبر الزيارة اللافتة للانتباه لمنطقة الجنوب اللبناني وهي الأولى من نوعها لمسؤول أميركي كبير الى هذه المنطقة منذ عقود من الزمن، متفقدا مقر «اليونيفيل» فــي الناقورة، ومتجولا بمروحية دولية على طول «الخط الأزرق»، أو عبر التحذيرات «المواربة» بعــدم استخدام ساحة الجنوب «للتعكير على المفاوضات الثــنائية الإسرائيلية ـ الفلسطينية أو لإفشالها»، داعــيا إلى الاحتكام لـ«اليونيفيل» وحدها لمعالجة أي إشكال يحصل.
واللافت للانتباه ثانيا، أن ميتشل حصر لقاءاته الرسمية بكل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وخص وزارة الدفاع بزيارة رمزية، التقى خلالها وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد جان قهوجي وأبلغهما، حسب مصدر رسمي لبناني شارك في المحادثات، «متابعة برنامج المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني» وأن هذا هو «توجه الإدارة الأميركية بغض النظر عن معارضة نواب في الكونغرس الأميركي... لأننا نعتبر أن الجيش اللبناني هو عنوان وحدة لبنان وعلينا مساعدته لكي يكون هو السلطة الوحيدة المسلحة التي تبسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية».
وقال المصدر إن «ميتشل، إذ كرر الموقف الأميركي المعروف بأن لا حل على حساب لبنان، فإنه لم يأت على ذكر المسار اللبناني لجهة البحث في إطلاق المفاوضات بين لبنان وإسرائيل في حال استؤنفت من جديد على المسار الاسرائيلي ـ السوري عبر الوسيط التركي أو الفرنسي أو الإثنين معاً».
في هذه الأثناء، سقطت الهدنة السياسية والإعلامية بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، واستعاد الطرفان لغة الاشتباك السياسي وبوتــيرة هي الأعنــف منذ أن وضع رئيس الحكـومة سعد الحـريري نقـطة فـي آخر
سطر التراشق الكلامي وقرر في تلك الليلة الرمضانية الحارة، التبريد والتهدئة، ما استدعى آنذاك كلمة شكر «مدوزنة» عبر عنها المعاون السياسي للأمين العام لــ«حزب الله» الحاج حسين خليل.
وإذا كانت الصورة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، تبدو كأن الطرفين اقتربا من نقطة اللاعودة، خاصة في ظل استمرار سفر رئيس الحكومة، وانطلاق إشاعات حول نيته الاعتكاف، فإن العارفين ببواطن الأمور، رجحوا تدخلاً سورياً ـ سعودياً في اللحظة المناسبة، خاصة في ظل الاعلان رسميا عن انتهاء فترة السماح للقمة الثلاثية العربية لإيجاد مخرج للقرار الظني، وكذلك في ظل انكفاء اللاعبين المحليين من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يواجه استحقاق دعوة مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية يوم الثلاثاء المقبل قبيل سفره الى نيويورك والمكسيك، الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي قرر تمضية عطلة نهاية الأسبوع في المصيلح، فيما حزم وليد جنبلاط، أوراقه الصحافية وقرر أن يخصص جزءا من عطلته الأسبوعية في المختارة للمطالعة.
وفيما دخل «القرار الظني» مجدداً في دائرة التوقعات الغربية بإمكان صدوره قبل نهاية العام الجاري، حصل تطور بارز في ملف «شهود الزور»، تمثل بتأكيد قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القاضي دانيال فرانسين، حق اللواء جميل السيد في الاطلاع على بعض المواد من الملف الخاص بقضية اغتيال الحريري وإعلانه صلاحية المحكمة في البت بطلب السيد، مخالفا بذلك منطق المدعي العام للمحكمة القاضي دانيال بيلمار الذي كان قد نفى تلك الصلاحية.
وأكد فرانسين في القرار الذي أصدره بناء على مراجعة السيد، المنتظر عودته الى بيروت، اليوم، أن المحكمة الدولية تتمتع بالاختصاص للفصل في طلب جميل السيد الاطلاع على بعض المواد من الملف الخاص بقضية الحريري، كما اعتبر فرانسين أن «جميل السيّد يتمتّع بالصفة للاحتكام إلى المحكمة».
الا ان فرانسين، وبعد ان ذكر بأن «حق الفرد في الاطلاع على ملفه الجزائي هو حق أساسي»، شدّد على «جواز تقييد هذا الحق، ولا سيما في حال أثّر ذلك سلبا في تحقيقٍ جارٍ، أو يمس بمصالح أساسية، أو بالأمن الوطني أو الدولي». وطلب من السيّد وبيلمار «تقديم ملاحظاتهما بشأن تطبيق هذه القيود على القضية الراهنة، وذلك في موعدٍ أقصاه الأوّل من تشرين الأوّل 2010».
واعتبر فرانسين في قراره أنه «يجوز للمستدعي توجيه طلبه إلى المحكمة بما أنه تم إخلاء سبيله من قبلها بعد أن احتُجز تحت سلطتها». وأشار الى ان حق الفرد في الاطلاع على ملفّه الجزائي «هو حق عرفي مُعترف به في الصكوك الأساسية لحماية حقوق الإنسان والاجتهادات القضائية الوطنية والدولية على حد سواء، ولكن نظرًا لإمكانية تقييد هذا الحق في بعض الظروف، تم تحديد مهلة زمنية ليعرض السيّد جميل السيد والمدعي العام حججهما بشأن تطبيق هذه القيود في القضية الراهنة».
وفي سياق ما تقدم، يحقّ للقاضي بيلمار أن يستأنف قرار فرانسين أمام المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي أنطونيو كاسيزي الذي يمكنه أن يرأس الجلسة للاستئناف أو ينيب عنه نائبه القاضي اللبناني رالف رياشي، علما أن اللواء السيد يطالب بتنحية الأخير.
مرجع قضائي:
لماذا يمنح بيلمار الحصانة لشهود الزور؟
وقرأ فريق رئيس الحكومة قرار فرانسين بطريقة إيجابية، وقال مصدر قريب منه إن القرار «يشكل علامة إضافية على مصداقية المحكمة الدولية، وعلى شفافيتها وجدارتها وعدم التسييس الذي يتهمها به البعض، وكل ذلك يسحب الذرائع من كل من يريد ان يثير الغبار حول المحكمة وعملها».
وفيما اعتبرت أوساط قيادية في المعارضة أن اللواء السيد كسب معركته، وضع مرجع قانوني متابع لملف شهود الزور خلاصتين للقرار الصادر عن قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية:
الخلاصة الأولى، ان ما صدر عن القاضي فرانسين يحتمل تقييمه بشكل أولي إيجابيا، وهنا تبرز ضرورة الفصل بين المحكمة وبين المدعي العام وبين قاضي الإجراءات التمهيدية. فما صدر عن فرانسين ليس إجراءً صادرا عن المحكمة وإن كان صادرا خلافا لرأي المدعي العام. وبالتالي، هذا العمل لا ينعكس على المحكمة لا سلبا ولا إيجابا. بل هو يدين المدعي العام، لأنه صدر رغم معارضة شرسة من المدعي العام الذي عارض منذ خمسة أشهر تسليم السيد الأدلة حول شهود الزور.
الخلاصة الثانية، أن فرانسين أقر بالحق المطلق للواء السيد في الحصول على ملف شهود الزور بشكل كامل، إنما هو أعطى المدعي العام مدة عشرة أيام، ليظهر ما لديه من اعتبارات تحدّ من حق اللواء السيد بالحصول على الملف كاملا.
واعتبر المرجع القانوني أن السيد حقق كسبا واضحا لمعركته، حيث اقر فرانسين بوجود شهود زور، وبحقه المبدئي في الحصول على الوثائق المتعلقة بهم، كما أقر بصفته للادعاء أمام المحكمة، وأقر بصلاحية المحكمة تلبية طلبه.
وأوضح المرجع القانوني انه إذا ما أصر بيلمار على الاستمرار في معارضته، فقد أصبح لزاما عليه بعد قرار فرانسين ان يفضح الأسباب التي تبرر سبب منحه الحصانة لشهود الزور، وبات عليه ان يبلغ ذلك بصورة علنية للقاضي فرانسين.
كما أن لقرار فرانسين، مترتبات داخلية لبنانية، ولا سيما على صعيد مجلس الوزراء الذي سيشكل بند شهود الزور في الجلسة المقررة مبدئيا الثلاثاء المقبل، وبعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من الخارج، نقطة اختبار للحكومة اللبنانية في كيفية التعاطي مع شهود الزور بعد قرار فرانسين، وإلى أي اتجاه سيسير به مجلس الوزراء بناء على ما سيقدمه وزير العدل إبراهيم نجار الذي سبق وراسل بيلمار في الأسابيع الأخيرة، وتلقى منه جوابا بأن المحكمة الدولية ليست صاحبة الصلاحية في ملاحقة أو محاكمة شهود الزور.
«حزب الله» يغطي السيد
.. والمستقبل يهاجمه
وقد تزامن قرار فرانسين، مع اشتعال الجبهة الداخلية سياسيا وقضائيا بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» وعلى خلفية تغطية الحزب سياسيا للحملة التي شنها اللواء السيد حول الملف، والاجراء الذي اتخذه القضاء اللبناني بحق السيد واستدعائه للاستجواب امام المباحث تحت عنوان تهديد رئيس الحكومة. علما ان السيد اعلن لقناة «الجزيرة» انه سيعود «اليوم أو غدا إلى بيروت عبر المطار»، معتبرا أن المذكرة القضائية الصادرة بحقّه «سياسية». وأعلن مكتب السيد انه تقدم عبر وكيله المحامي أكرم عازوري بمراجعة الى محكمة التمييز الجزائية لدى المجلس الاعلى للقضاء لتنحية المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا عن منصبه ووضعه بالتصرف نظرا للخصومة الشخصية بينه وبين اللواء السيد، كون القاضي ميرزا مدعى عليه من قبل اللواء السيد لدى القضاء اللبناني ولدى القضاء السوري في جريمة مؤامرة شهود الزور في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وكان اللافت للانتباه في هذا المجال البيان الصادر عن «حزب الله»، الذي استغرب ما وصفه «استخدام القضاء في الصراع السياسي»، مشيرا الى انه كان ينتظر من الجهات المعنية في القضاء اللبناني أن تبادر الى استدعاء الذين تفاخروا بعمالتهم للإسرائيلي وتحالفهم معه والتحقيق معهم، كما كان ينتظر أن تتحرك هــذه الجهات القضائية دفاعا عن كل الرئاسات التي أهينت وهتكت على مدى سنوات بتعابير لا تقبل التــأويل ليـحافظ القـضاء على هيبة الدولة ورموزها. وكان ينتظر أن تسارع هذه الجهات القضائية إلى طلب الوثائق والمعطيات التي أعلن عنها اللواء السـيد في مؤتــمره الصــحافي الأخير بحثا عن الحقيقة والعدالة وحرصا عليهما. لكنه فوجئ باستخدام القضاء في خدمة الصراع السياسي من خلال ما أعلن عنه من قرار يتعلق باللواء السيد».
وأكد الحزب «ان القرار الصادر هو قرار سياسي بامتياز وعنوان للقمع والترهيب لكلّ مظلوم يصرح بالحقيقة في هذه المرحلة، نرفضه بشدة وندعو إلى التراجع عنه بسرعة». وشدد على أن إقامة العدالة «تقضي أن يسارع القضاء اللبناني إلى وضع يده على شهود الزور ومصنعيهم. كما أن الحرص على مؤسسات الدولة يوجب عدم الزج بجهازها القضائي خدمة للزعامات السياسية».
وفي المقابل، شن «تيار المستقبل» وحلفاؤه في 14 آذار هجوما عنيفا على «حزب الله»، وذلك عبر سلسلة مواقف اعتبرت بيان الحزب اعتداءً على الدولة، وبمثابة تصرّف ميليشياوي على غرار ما حصل في برج أبي حيدر، وطالبت الحكومة اللبنانية والسلطات القضائية بعدم التراجع عن دورها وملاحقة السيد. وفي تصريح لافت للانتباه في مضمونه، اعتبر النائب عمار حوري أن بيان «حزب الله» هو من أسوأ بياناته ويبحث فيه عن فتنة، «فهذا الحزب وبرغم لونه المذهبي لم يتورّع عن دعم من هدّد زعيم السنّة». وقال: «كلما أخمدنا فتنة لا نعلم لماذا يريد «حزب الله» إشعالها مجددا».

Script executed in 0.18551802635193