أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الفتنة تستيقـظ مجـدداً ... والإنقـاذ بمعجـزة سوريـة ـ سعودية

الإثنين 20 أيلول , 2010 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,874 زائر

الفتنة تستيقـظ مجـدداً ... والإنقـاذ بمعجـزة سوريـة ـ سعودية
يتقدم اللبنانيون، أو أنهم يدفعون دفعاً، نحو الفتنة، بعيون مفتوحة وكأنهم ذاهبون إلى عرس الدم... بإرادتهم الحرة والمستقلة!
نتيجة لعوامل بعضها دفينة ومتمكنة من نفوسهم، وبعضها الآخر طارئة وبفعل ضغوط وإغراءات بعضها أجنبي خالص، ضمنه الإسرائيلي طبعاً، وبعضها الآخر عربي مموّه، يندفع هذا الشعب العبقري والمفتون بنفسه نحو إحراق ذاته على مذبح الصراع على السلطة الذي لم يتورع «أبطاله» عن استخدام الشهداء وقوداً لأغراضهم.
وهكذا يجد اللبنانيون عموماً، والمسلمون منهم بالذات، أنفسهم في مواجهة عبثية حول حكم مشلول في دولة فاشلة.
ألغيت السياسة، وتفجرت الاتهامات مباشرة إلى حد الفجاجة: الشيعة يريدون الاستيلاء على الحكم، وإخراج السنة من جنته... بقوة السلاح!
دخل أهل السلطة بفروعها المختلفة، سياسية وحزبية، قضائية وأمنية، حلبة الصراع، متسببين في تعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة التي لم تكن في أي يوم قادرة على الفعل.
صار الكلام عن شهود الزور الذين احتلوا مساحة هائلة في توجيه الاتهامات للخصوم، والإدانة المسبقة للعديد من الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية في لبنان، فضلاً عن سوريا، شعباً وقيادة، استهانة بدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري... كأنما من استخدم هؤلاء المزورين والنصابين إنما كان يكرّم الكبير الذي يفتقده لبنان اليوم، أكثر من أي يوم مضى، ويحفظ رصيده لأهله كما للبنانيين جميعاً، الذين تناسوا خلافاتهم واجتمعوا في الحزن عليه في حالة إجماع نادرة في تاريخ هذا الوطن الصغير.
... وحتى حين اعترف «ولي الدم»، متأخراً، بالدور التخريبي الذي استخدم لأدائه شهود الزور هؤلاء لتضليل التحقيق واستخدامه كأداة هدم للروابط الأسرية من قرابات ومصاهرات فضلاً عن المصالح المشتركة، قبل التوافقات السياسية، فقد وجد من «يزايد» على «ولي الدم» ويتجاوزه إلى تأجيج الصراع حرصاً على المنافع والعطايا والدور.
ارتفعت أصوات دعاة الفتنة تسفّه الاعتراف الشجاع لولي الدم بخطأ الاعتماد على شهود الزور، وبالمقابل لم تتخذ أية خطوة جدية لإعلان براءة الأبرياء الذين اتهموا بقصد مقصود، ولوقف خطة تدمير الوطن الصغير ـ من قلب السلطة ـ والتي أسهمت في الفصل بين العين والعين وبين العقل والقلب في الجسد الواحد.
يكفي أن تلك الخطة قد أطلقت سراح بعض من أدينوا بالقتل العمد وبقصد الاستيلاء على السلطة، ولو بتقسيم الوطن الصغير إلى كانتونات، ومن ضمنها مسؤوليتهم المباشرة عن تهجير مسيحيي الجبل وشرقي صيدا... وبين جرائمهم اغتيال بعض الرموز الوطنية المضيئة كالرئيس رشيد كرامي والعديد من الشخصيات السياسية كداني شمعون وكبار الضباط، ناهيك بالمسؤولية عن مجازر جماعية في أكثر من جهة بقصد «التطهير» الطائفي والحزبي والسياسي!
ويكفي أن تلك الخطة قد أعادت الاعتبار لمن «استأجر» المدمرة الأميركية نيو جيرسي لدك الجبل وبعض العاصمة والضاحية، واشترى أسلحة للجيش ليس لتعزيز قدراته وإنما لقبض عمولته شخصياً عليها، وكاد يدفع لبنان إلى أحضان إسرائيل، عبر اتفاق 17 أيار... ومن المفارقات أن يكون بعض من خطبوا وهتفوا ضده وأدانوه وخوّنوه من فوق المنابر قد اكتشفوا أمس أن اسمه يتصل أو يذكّر بالنبي العربي الأكرم.
[ [ [
لقد وقع، بالفعل، انقلاب خطير، في موقع السلطة ومنطقها.. فنصف الحقيقة هو نقيضها، وها هم بعض من صيّرهم الاتجار بدم الشهيد رفيق الحريري زعماء وقادة ووزراء ونواباً يواصلون استرهان اللبنانيين بشائعاتهم المغرضة واستنتاجاتهم المدروسة لتخدم أغراضهم السياسية، يوجهون التهمة بإعداد انقلاب إلى «ضحايا» إرهابهم السياسي على امتداد السنوات الخمس، وهو الإرهاب الذي استخدموا فيه كل الأسلحة، فدمروا العلاقات بين الإخوة، إذ صيّروا بعضهم «قتلة» أو «متسترين على القتل»، وبعضهم الآخر عملاء لسوريا ورهائن عند إيران.
هدف الانقلاب المزعوم: إخراج السنة من موقعهم السامي في السلطة.
ولكن، أي مجنون هو هذا الذي يفكر بتعديل أو تغيير في مواقع السلطة، من دون أن يلغي ذلك حق المعارضة والمساءلة، شعبياً لأطراف هذه السلطة جميعاً، وبينهم المتهمون بإعداد الانقلاب المزعوم؟!
أي مجنون يفترض أن بوسعه، مهما امتلك من السلاح، وبغض النظر عن أن الهدف الفعلي للسلاح هو العدو الإسرائيلي، أن يبدّل أو يعدّل في صيغة السلطة القائمة باللجوء إلى القوة؟!
وما العلاقة بين المطالبة بمحاسبة شهود الزور والمتسترين عليهم ممّن أساءوا أبلغ الإساءة إلى الرئيس الشهيد، وبين الإعداد لانقلاب يمس بموقع السنة في السلطة؟
بل من هو الذي استخدم وما يزال يستخدم التحقيق الدولي أداة إرهاب لإحداث انقلاب في موازين السلطة، مستعيناً بقوى خارجية، بعضها عربي، مما ليس له علاقة بمواقع الطوائف في الحكم، بل بتوجهات الحكم سياسياً، لا سيما في ما يتصل بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، خصوصاً أن آثار الحرب الإسرائيلية على لبنان، قبل أربع سنوات، ما تزال واضحة في بنيانه كما في طريقة السلطة ـ آنذاك ـ في معالجة هذه الآثار؟!
ليس لمن خطّط ونفذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دين أو طائفة.. إنه مجرم محترف، يحظى بتغطية هائلة، بحيث أنه نفذ جريمة مهولة وانصرف تاركاً لأصحاب الأغراض والطموحات والمصالح أن يوجهوا الاتهام بما يخدم «الانقلاب» الذي تم تنفيذه فعلاً بعد الجريمة المروعة، والذي ما زلنا نعيش في تداعياته حتى اليوم، ويمنع علينا الخروج من إساره الخانق.
وتوجيه تهمة الإعداد لانقلاب بالسلاح، إلى «حزب الله»، بعد تهمة مشاركة بعض العناصر غير المنضبطة في الجريمة، هي محاولة لتثبيت ركائز ذلك الانقلاب الذي حدث فعلاً قبل خمس سنوات.
.. والفتنة هي السلاح الأمضى لتثبيت أركان ذلك الانقلاب المحصن بالتحقيق الدولي وما لفق خلاله من اتهامات سياسية لأطراف سياسيين هم في طليعة المتضررين من الجريمة.
[ [ [
يبقى أن المشروع الجديد لإثارة الفتنة لا يخدم السنة ولا الشيعة ولا المسيحيين، بل هو يفيد في تدمير الوطن الصغير على رؤوس الجميع... فالنظام الفريد يستعصي على الإسقاط كما على التغيير الجذري.
ومن نافل القول إن أية طائفة لا تستطيع حكم البلاد بمفردها، ولو دعمتها كل دول الأرض... وتاريخ لبنان حافل بالشواهد، لقد جرت محاولات معدودة، ولكنها انتهت جميعاً بكوارث دفع الوطن ضريبتها الدموية من استقراره وهناءة عيش أبنائه فيه.
ومن يروّج للانقلاب إنما يدعو من تبقى من اللبنانيين في وطنهم إلى تدميره على رؤوسهم، أو الخروج منه إلى أي مهجر يقبلهم، حيث «لا عين تشوف ولا قلب يصيبه الوجع».
والكارثة مقبلة على لبنان، إذا لم يتداركها الطرفان اللذان تعهدا برعاية التسوية في السلطة التي لا تكون إلا بالتسوية: أي سوريا والسعودية.
ويتمنى اللبنانيون أن «يتدخل» عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد لمنع الكارثة التي تظلل البلاد بالأسود، قبل فوات الأوان.

Script executed in 0.18651008605957