صدر، أمس، التشكيك في صدقيّة المحكمة الدولية من رأس الجمهوريّة اللبنانية. ففي مقابلة تلفزيونيّة مع الزميل جورج صليبي على قناة «نيو تي في»، رأى الرئيس ميشال سليمان أن سبب احتدام السجال اليوم بشأن المحكمة الدولية، هو ما حصل مع الضباط الأربعة والتسريبات بشأن القرار الظني، الأمران اللذان خفّفا من صدقيّتها. والمطلوب، بحسب رئيس الجمهورية، هو أن «تستعيد هذه المحكمة صدقيّتها عبر إظهار استقلاليّتها بابتعادها عن التسييس، والتحقيق في كل الاحتمالات المطروحة، والتدقيق برويّة وتمهّل في كل الوقائع».
عندها، يمكن القول، وفق الرئيس دائماً، إن المحكمة «تبحث عن الحقيقة، لا عن الاتهام السياسي».
وفي موضوع فرع المعلومات، رفض سليمان تحديد موقفه، شارحاً أن الفرع أنشئ للاستقصاء، لكنّ عديد قوى الأمن الداخلي ازداد كثيراً، ويجب في جميع الحالات «الاستفادة من الأمور الجيدة عند فرع المعلومات». وكان سليمان قد أشاد بالدولة السورية، مؤكّداً وجوب قيام علاقات مميزة جداً مع دمشق، لأن سوريا هي الجارة الوحيدة للبنان.
جنبلاط: ليتها لم تكن
لكنّ التشكيك في صدقيّة المحكمة لم يقتصر على رئيس الجمهورية. ففي حفل غداءٍ، جمع الأطراف المتخاصمين، أعلن رئيس اللقاء الديموقراطي النائب جنبلاط خروجه نهائيّاً من الفريق الداعم للمحكمة الدوليّة، وذلك بعدما استشهد بكلام قديم للسفير الروسي سيرغي بوكين: «تريدون المحكمة ستنالونها... ولكن»، فقال جنبلاط: «نلنا المحكمة، ولكن ليتها لم تكن». «لكن» السفير الروسي كانت عبارةً واضحة لجنبلاط بأن جميع المحاكم الدوليّة دخلت في التسييس. وقد وصف جنبلاط تلك الفترة: «كانت لنا لقاءات طويلة وصريحة، وأحياناً صاخبة مع السفير بوكين، كيف لا وقد كنت في أوج غربة مقيتة في تاريخي، وتاريخ هذا الجبل العربي، عندما أستذكرها اليوم أجدها كالسكين في الجرح، لكن ما نفع الندم. غربة منعتني من الأخذ بما كان ينصح به من أجل مصلحتي ومصلحة لبنان. لعلّ استدراكي قبل فوات الأوان يحمي بعضاً من آثار تلك الغربة ويتغلّب النسيان».
كلام جنبلاط قيل خلال تكريم السفير الروسي لمناسبة انتهاء مهمّاته في لبنان، وكان شاهداً عليه حشد سياسي متنوّع من نائب رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة جورج عدوان، ونائب الكتائب فادي الهبر، اللذيْن أوضح أحد نواب جنبلاط أنهما مدعوّان بصفتهما نائبين عن الشوف وعاليه لا كممثلين عن حزبيْهما، وسفيرة الولايات المتحدة الأميركيّة مورا كونولي، إلى ممثلي الرؤساء الثلاثة، وممثل حزب الله، والنائب عن حزب البعث عاصم قانصو ورئيس حزب التضامن النائب إميل رحمة وغيرهم. وفي ظل غياب لافت للنائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهّاب، قال جنبلاط: «فليتركوا كمال جنبلاط حيث هو، لا نريده أن يوضع في مصافّ الآخرين، وليس هذا الكلام استكباراً، بل تميز، شرف لنا أن قضى كمال جنبلاط في سبيل فلسطين وعروبة لبنان، أما الآخرون، فلكل شأنه». وأكد رئيس اللقاء الديموقراطي أنه «كان لا بد من عدوان تموز لتجريد المقاومة من السلاح وتحييد لبنان. وعند فشل هذا المخطط، رأت الدول في القرار 1559 خير وسيلة لضرب لبنان وإمرار التسوية في فلسطين، واللجوء الى استخدام المحكمة الدوليّة عبر قرار ظني، إذا ما صدر سيضرب السلم الأهلي وإنجازات الطائف ويدخل المقاومة وطلاب العدالة في الأزقّة والزواريب والفوضى». وشدّد على أن «أفضل طريقة للعدل تجاه الرئيس رفيق الحريري تكون باتخاذ موقف موحد مشترك يكشف حقيقة شهود الزور، ويدحض استخدام المحكمة من بعض الدول في لعبة الأمم خدمة لمصالحها». ولفت جنبلاط إلى أن «القرار 1559 أرسى تدخلاً تفصيلياً في الشأن اللبناني، ووضع لبنان في شكل شبه انتداب من جانب بعض الدول الكبرى على سيادته وتضحيات المقاومين. وبحجة التمديد كان لا بد لما يسمّى المجتمع الدولي من ضرب العلاقات اللبنانيّة السوريّة... فكانت الاغتيالات وكان العداء لسوريا، متناسين كفاحاً مشتركاً بطوليّاً تعمّد بالدم من سوق الغرب إلى الضاحية والإقليم في مواجهة التقسيميّين وإسرائيل».
وخلال جولة له في منطقة جزين، رأى رئيس تكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، أن هناك من يريد قتل المقاومة التي تمنع تنفيذ القرار الإسرائيلي بالتوطين. وردّاً على رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، قال عون إنه يود تكرار ما قاله له حين زاره في سجن وزارة الدفاع في اليرزة عام 2005حين أبلغه أنه لا يريد الوقوف عند 1990 «لأننا لا نستطيع بناء المستقبل إذا بقينا هناك». ورأى عون أن مال الدولة يصرف من دون رقابة أو حسيب، لافتاً الى وجود «قلة فاسدة تتحكم في البلد».
الجميّل يزايد على جعجع
ولضرورات التنافس السياسي، أبى رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميل إلا أن يزايد على جعجع، معلناً أن اللبنانيين أمام «أكثر من انقلاب»، ومؤكداً أنه إذا خيّر بين محكمة دولية مترافقة مع إشكالات على الأرض واللامحكمة، فسيختار المحكمة. ورأى أن تداعيات القرار الظني مهما كانت، تبقى أفضل من نسف القرار الظني والمحكمة الدولية، لأن النسف يعطل بناء الدولة مستقبلاًَ. وبحسب الجميل، فإن قضية شهود الزور التي باتت كقصة راجح، تستوجب الذهاب إلى المحكمة الدولية لمعرفة من هم هؤلاء الشهود. وبعد هذه المواقف، أعلن الجميل أنه مستعد للقيام بمبادرة، داعياً حزب الله إلى الجلوس معه إن كان مطمئناً إلى براءته، فيجد الجميل مخرجاً للأزمة ولا يكون الحل على حساب الحقيقة.
في هذه الأثناء، أكدت مصادر مطّلعة على ملف شهود الزور أن التقرير الذي أعدّه وزير العدل إبراهيم نجار بهذا الشأن، يتضمّن تأكيد هيئة التشريع والاستشارات في الوزارة أن القضاء اللبناني هو صاحب الصلاحية في ملاحقة شهود الزور. وبحسب المصادر، فإن نجار تلقى رسالة من المدعي العام الدولي دانيال بلمار يؤكد له فيها أن لا شأن له بهؤلاء الشهود.
حزب الله: المحكمة مقبرة الحقيقة
في المقابل، رأى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، محمد رعد، أن اعتماد منهجية المحكمة الدولية الراهنة هو مقبرة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لأن هذه المحكمة، بحسب رعد، نشأت مسيّسة وتعمل وفق إرادات القوى النافذة والمموّلة، والتي أصدرت قرار المحكمة تحت الفصل السابع في مجلس الأمن بمعزل عن إرادة اللبنانيين وتوافقهم في لبنان. أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب نواف الموسوي، فرأى أن التحقيق الدولي سقط عبر تفاديه ملاحقة شهود الزور في الاختبار الأول للنزاهة والثقة. وقال إن ما حصل في المطار كان «حقاً لنا كنواب، وما حصل سيحصل في كل مرة نشاء له أن يحصل فيها».