في تقاطع لافت وعبارات واحدة، أعربت إسرائيل والأمانة العامة لقوى 14 آذار، عن القلق والحذر والريبة من «استفزاز» الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارته الجنوب أثناء وجوده في لبنان بعد أقل من أسبوعين
بدأ قلب البلد يخفق على إيقاع جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين المقبل، في انتظار معرفة مصير تمويل المحكمة الدولية، وكيف ستكون وجهة أصوات وزراء رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وهو الأمر الذي دفع بنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، إلى تذكير سليمان بـ«انتخبناه على أساس تمسّكه بالمحكمة الدولية، وهو ما عبّر عنه في خطاب القسم»، و«تالياً، المسألة يفترض أن تكون مبدئية بالنسبة الى رئيس الجمهورية. وحتى إذا قرر ترك حرية التصويت لوزرائه، فإن معظمهم، في رأيي، سيصوّتون الى جانب تمويل المحكمة». إلا أنه بدا غير واثق من موقف جنبلاط، فمن جهة، ذكر أن الأخير «أعلن التزامه التصويت لمصلحة بند التمويل»، ومن جهة أخرى، قال عنه إنه «يتعاطى على طريقة «ضربة على الحافر وضربة على المسمار»، ضربة يعبّر فيها عن ضميره، وضربة يعبّر فيها عن مخاوفه».
كذلك رأى النائب أحمد فتفت أن موضوع إقرار بند التمويل «يتعلق بالتزامات» جنبلاط وسليمان «حيال موقفهما السياسي وموقعهما وحيال البيان الوزاري».
وفي وقت تراجعت فيه أمس، حدة التراشق السياسي ربما بانتظار مآل جلسة الاثنين وكيفية التعاطي أيضاً مع تقرير وزير العدل عن شهود الزور، تصاعد التصويب الإسرائيلي ـــــ المحلي (!) على زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان، المتوقعة في 13 الجاري، رغم أنها زيارة رسمية يلتقي خلالها الزائر كبار المسؤولين، ويزور الجنوب باعتبار بلده من المساهمين في إعادة إعماره بعد عدوان تموز، أسوة بما فعله أمير قطر نهاية شهر تموز الماضي.
وكان هذا التصويب قد بدأ يوم الاثنين الماضي، حين أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، من نيويورك، عن القلق من «الاستفزاز الواضح» من نجاد «بزيارة الجنوب وإطلاقه تصريحات بحق إسرائيل». ثم أعلنت الأمانة العامة لقوى 14 آذار يوم الأربعاء، أنها تنظر «بكثير من الحذر والريبة إلى زيارة الرئيس الإيراني المزمعة للبنان نظراً الى مواقفه المناهضة للسلام، وإصراره على اعتبار لبنان قاعدة إيرانية على ساحل المتوسط».
وأمس، قال الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور، إن زيارة نجاد للبنان التي ينوي خلالها التوجه إلى الجنوب «يجب أن تثير الى أقصى حد قلق الذين يهتمون حقاً باستقرار لبنان والشرق الأوسط». وذكر أن الرئيس الإيراني قال للرئيس السوري «إن الجنوب اللبناني هو حدود إيران مع إسرائيل». في وقت نقل فيه موقع صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر عسكرية إسرائيلية، نفيها رفع حالة التأهب للقوات الإسرائيلية على الحدود مع لبنان، لكنْ «هناك تيقّظ لمواجهة أي تطور، ومستوى الجهوزية عال».
وأمس أيضاً، رأى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، في حديث إلى وكالة «فرانس برس»، أن زيارة نجاد «رسالة للقول بأن إيران موجودة على الحدود مع إسرائيل»! وأن الرئيس الإيراني يريد من خلال هذه الزيارة «القول إن بيروت منطقة تخضع لنفوذ إيران، وإن لبنان قاعدة إيرانية في المتوسط». ووصف جولته المحتملة للجنوب بأنها «استفزاز». وقال: «في الوقت الذي تنعقد فيه المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يريد الرئيس الإيراني التأكيد أن لبنان أرض مقاومة، وأن مشروع الحرب مستمر ضد إسرائيل»، مضيفاً إن نجاد «يعيد بذلك تذكير المجتمع الدولي بأن أمن إسرائيل في أيدي إيران من خلال حركة حماس وحزب الله، وهو من خلال ذلك يقول للعالم: عليكم التفاوض معنا».
وبعدما كان نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، قد وصف أول من أمس زيارة نجاد بأنها رسمية ولا إحراج فيها «لأن إيران أسهمت في إعمار لبنان بعد الحرب وتقف مع لبنان دائماً»، حدّد مسؤول في الحزب، لوكالة «فرانس برس»، المواقع التي سيزورها الرئيس الإيراني في الجنوب بـ: بلدة قانا التي سبّبت إسرائيل وقوع مجزرتين فيها عامي 1996 و2006، منطقة بنت جبيل، و«معلم مليتا للسياحة الجهادية»، مشيراً إلى أن الحزب يعدّ للزائر «استقبالاً شعبياً حاشداً».
ولفتت في هذا الإطار زيارة قام بها أمس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، مايكل وليامز، للسفير الإيراني، وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن الطرفين أكدا «ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان والوحدة الوطنية».
يشار إلى أن أياً من زيارات الزعماء والمسؤولين العرب والأجانب، لم تحظ بأي مواقف متحفّظة أو انتقادية، مع العلم بأن الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، ووكيلة وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات ميشيل فلورنوي، زارا الجنوب يوم 17 و22 أيلول الماضي على التوالي، وحلّق كل منهما فوق الحدود مع إسرائيل، دون أن يثير الأمر حفيظة أحد، رغم أن الولايات المتحدة لا تشارك في قوات اليونيفيل، ليتفقد مسؤولوها منطقة عمل هذه القوات.
أكثر من ذلك، فإن السفيرة الأميركية مورا كونيلي، يحق لها أن تزور معراب وتلتقي رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، وأن تعلن، بحسب المكتب الإعلامي لجعجع، أن إدارة بلادها «ستقف بالمرصاد ضد أي محاولة للعب بالسلم الأهلي أو النظام الديموقراطي في لبنان، فضلاً عن أنها تدعم المحكمة الدولية».
وبعد لقائه كونيلي، رد جعجع، على قول نعيم قاسم إن تمويل المحكمة لن يمر في الحكومة، بأن المحكمة صادرة بقرار دولي، والحكومات المتعاقبة ملتزمة القرارات الدولية، و«من هنا تدفع الحكومة تلقائيّاً ما يجب عليها». ووصف معلومات قاسم عن تسلح القوات بأنها «مغلوطة كلياً». ولفت رده على سؤال عن وجود اتصالات جديدة سعودية ـــ سورية ـــ إيرانية لتهدئة الوضع، بتساؤله: «هل هي لتهدئته أم العكس؟». كذلك لفت تمايزه مع موقف تيار المستقبل من سوريا، إذ استغرب الحديث عن إمكان تعرض لبنان لعنف طائفي إذا ما اتّهم عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مضيفاً «لم أفهم تصريح الوزير وليد المعلم، فهل يعلن ما سيحصل، أم ما يريد أن يحصل؟». وإذ أقرّ بأن حزب الله مستهدف سياسياً وعسكرياً وأمنياً، رفض وضع عمل المحكمة الدولية في هذا السياق، قائلاً إنه لا دليل على ذلك.
وكانت القوات اللبنانية قد ردّت على اتهام قاسم لها بالتسلح، بالقول إن «آخر من يحق له أن يتكلم على السلاح والتسلح هو حزب الله المدجج بالسلاح، في ظل وجود الدولة ومؤسساتها». ولوّحت باللجوء إلى القضاء «إذا ما تكررت هذه الافتراءات غير المبنية على أي وقائع»، في وقت أكد فيه النائب أنطوان زهرا «رفع دعوى قضائية» على قاسم، قائلاً إن «القضية لم تعد قضية تسلية، بل أصبحت إظهار نيات»، ورأى أن «الكلام واضح عن تهديد بتحرك الحزب على الأرض».