في الأيام القليلة الماضية، أجرى الرئيس ميشال سليمان وعدد من الأقطاب اتصالات مكثّفة لإبعاد ملف تمويل المحكمة الدولية عن نقاشات جلسة مجلس الوزراء المقرَّر عقدها في قصر بعبدا عند الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم. وفيما تستمرّ هذه الاتصالات الاستباقية، علّق بعض المتابعين على قرار تأجيل مناقشة هذا الملف بالقول إنّ ما يجري «هو عكس المطلوب، إذ إنّ التأجيل لا يساعد إلا على تأجيج الاحتقان بين الناس، فيما المطلوب تحويل الصراع عن الشارع، ونقل النقاش إلى طاولات المؤسسات، وعلى رأسها الحكومة». ورغم شبه إقرارهم بتأجيل مناقشة هذا الملف، أكد نواب في كتلة المستقبل أنّ موافقتهم المبدئية على التأجيل «لا تعني التخلي أو عدم التمسك بالمحكمة»، فالبحث في اليومين المقبلين سيتركز على كيفية تجاوز «العقدة الموجودة لدى البعض من المحكمة». وقد أمل وزراء «وسطيون» أن تكون أجواء الجلسة إيجابية بعد سلسلة الاتصالات التي حصلت، مضيفين إنّ «الجميع فهموا خطورة المرحلة ودقّتها».
أما الملف الأبرز في حال إبعاد تمويل المحكمة عن النقاش، فيبقى موضوع شهود الزور. إذ لم يستبعد عدد من الوزراء طرح هذه القضية، وخصوصاً إذا حضر الوزير إبراهيم نجار الجلسة، حاملاً معه التقرير الخاص الذي أعدّه بهذا الخصوص. وقد نقلت بعض المواقع الإلكترونية عن الوزير حسين الحاج حسن تأكيده أن وزراء المعارضة لا يستطيعون الموافقة على قرار تمويل المحكمة الدولية في هذه الظروف، لأنهم يعرفون مسبقاً أن القرار الاتهامي سيكون موجهاً إليهم، مشيراً الى أن موقف حزب الله في هذا الموضوع لن يكون إيجابياً في جلسة مجلس الوزراء.
وعلى وقع كل النقاشات والمواقف المتعلّقة بتمويل المحكمة، أو القرار الاتهامي المنتظر صدوره عنها، تتوجّه معظم الأنظار إلى العلاقات السعودية ـــــ السورية التي بدأ الحديث عن تدهورها، رغم تأكيد الطرفين استمرار مفاعيل القمة الثلاثية التي عُقدت في لبنان. فقبل أربعة أيام، زار دمشق نجل الملك السعودي، عبد العزيز بن عبد الله، وناقش مع المسؤولين السوريين أبرز الملفات العالقة، وأولها ملف الحكومة العراقية والوضع في لبنان. وقال مطلعون على تلك الزيارة إنّ «الأمير عبد العزيز كان مستمعاً إلى الموقف السوري حيال مجمل الملفات، ولم يعبّر عن الكثير في ما يخص الوضع في لبنان سوى تأكيد الحرص على المحافظة على الاستقرار». لكن صدور مذكرات التوقيف السورية بحق عدد من الشخصيات التابعة لقوى 14 آذار، يعكس وجود انزلاق في العلاقة بين البلدين.
إلا أنّ وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، دعا أمس «جميع الأطراف إلى تعزيز وحدتهم وموقفهم من أجل وحدة لبنان واستقراره»، مشدداً على ضرورة المحافظة على نتائج قمة بيروت، التي جمعت الرئيس السوري بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس ميشال سليمان، مؤكداً أنّ «الجهود ما زالت مستمرة في هذا الاتجاه».
وبالعودة إلى المشهد الداخلي، استكمل أمس رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي، النائب وليد جنبلاط، تكريس موقعه السياسي الجديد، فأعاد تأكيدَ رفضه قيام المحكمة الدولية إذا حملت معها الفتنة. وحذّر من توتّر مقبل على لبنان، معلناً خلال جولة له في الجبل «لسنا بحاجة الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إذا كانت ستجعل الدم يسيل»، مجدّداً الدعوة إلى كشف حقيقة شهود الزور، لأنه المدخل لمعرفة حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري. وسأل جنبلاط: «من قال إنه ليس هناك شهود زور في اتهام حزب الله باغتيال الحريري؟»، مشيراً إلى وجود «غيوم كبيرة تطل على لبنان». وأضاف: «مرت علينا ظروف قاسية كثيراً في الماضي، وإن شاء الله نستطيع معاً أن نقطع هذه المرحلة التي قد تكون أصعب بكثير من حرب الجبل ومن حصار بيروت». وأضاف جنبلاط «في السابق، طالبنا بالمحكمة الدولية، ظنّاً منّا أنّ المحكمة تعطي نتيجة. بدأنا المحكمة بقصّة شهود الزور، الذين اتهموا سوريا في التقرير الأول لديتليف ميليس، ليتبيّن لاحقاً أن شهاداتهم كاذبة، والمحكمة لم تعد بيدنا وأصبحت خارجاً، والآن يبدو أنهم يريدون تحريك المحكمة تجاه الفتنة الداخلية».
وأوضح جنبلاط أن كتلته ستدرس قرار تمويل المحكمة الدولية إذا طُرح الموضوع، مشيراً الى أنّ «ثمة في الكتلة نواباً مستقلين، ونواباً ملتزمين بقرار الحزب التقدمي الاشتراكي، ويجب الأخذ في الاعتبار أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد يجد مصادر تمويل أخرى».
وأعاد جنبلاط التذكير بالقرار الصعب الذي اتخذه في 2 آب 2009، مشيراً إلى أنه «كان قراراً صعباً، لكن ضرورياً، صوّبنا الأمور نحو العمق الطبيعي، لأنه بهذا العمق الطبيعي هناك حماية للبنان، لعروبة لبنان، وتأكيد لنضالنا المشترك مع الجيش العربي السوري والمقاومين في كل الأحزاب الوطنية والإسلامية». ودعا جنبلاط «أصحاب الخطابات الهوجاء إلى أن يخرسوا». وتوجّه إلى مناصريه، داعياً إلى احترام العيش المشترك: «علينا ألّا نتحيّز، نحن لسنا مع الشيعة ضد السنّة، ولسنا مع السنّة ضد الشيعة، ولسنا مع أي أحد، نحن مع الوطن، مع السلم الأهلي، مع العيش المشترك، مع الدولة».
كذلك دعا جنبلاط إلى العمل مع «رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ومع كل القادة لوأد الفتنة، لأنه إذا ما استفحلت الفتنة تدبّ الفوضى، وإذا ما دبّت الفوضى فلن يعود هناك لبنان».
وفي موقف يعبّر عن موقع الرئيس نبيه بري، أكد أمس النائب علي حسن خليل «أننا في حركة أمل ما زلنا نؤمن بأن أبواب الحل والتسوية قائمة، وأن إمكانات الخروج من الأزمة السياسية الراهنة متوافرة مع إرادات وطنية صادقة». وشدد خليل على أن «مصلحة الجميع هي في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإعادة تقويم موضوعية لمسار كل المرحلة الماضية، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى اليوم»، مشيراً إلى أنّ حكومة الوحدة الوطنية قادرة على إدارة نقاش جدي ومسؤول. ودعا الحكومة إلى فتح ملف شهود الزور لأن هذه القضية «تفتح أمامنا أبواباً كثيرة تدفع باتجاه كشف من حرّض ومن نفّذ ومن اغتال الرئيس الحريري».
في المقابل، طالب النائب هادي حبيش الحكومة بالتقيّد ببيانها الوزاري «الذي التزمت فيه بالمحكمة الدولية وبتمويلها»، مذكّراً أيضاً بخطاب القسم لرئيس الجمهورية، الذي التزم أيضاً بموضوع المحكمة. وحذر حبيش من أن «أي تراجع عن موضوع المحكمة يعرّض الحكومة بأكملها للانقلاب على رأيها»، مضيفاً: «أفضّل أن يترك الوزراء الذين سيمتنعون عن التصويت الحكومة، بعدما تخلوا عن أمور أساسية التزموا بها في البيان الوزاري».