أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

في الطريق الجديدة طـريق جديدة

الأربعاء 06 تشرين الأول , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,612 زائر

في الطريق الجديدة طـريق جديدة

ليس جديداً الحديث عن أنّ بين أنصار تيار المستقبل ومسؤوليه حالة بلبلة. ولم تنجح القيادة في السيطرة على تساؤلات جمهورها وانزعاجه وغضبه منذ انطلاق العلاقة المباشرة بين الرئيس سعد الحريري والقيادة السورية. لكن التطوّرات الأخيرة في العلاقة بين سوريا والمستقبل، حوّلت الانزعاج والغضب في الشارع المستقبلي إلى حالة من القلق. فكان للمذكرات القضائية السورية وقعها على جمهور التيار الذي يطالب بعضه قيادته بالبحث عن الحلول ويسألها عمّا إذا كانت قادرة على حماية الجمهور الذي خاض المعارك من أجلها. أما ردّ المسؤولين الوسطيين في المستقبل على هذه التساؤلات، فهو أنّ الرئيس سعد الحريري رجل دولة، ولن يسمح بالمساس بأي من المسؤولين في تياره، من دون أن يشفي هذا الجواب عقول المستقبليين وقلوبهم، الأنصار منهم أو المسؤولين الميدانيين.
ويلاحظ أنّ الحركة التي باشر بها عدد من مسؤولي التيار، في بيروت والمناطق، في إعادة وصل ما انقطع مع زملائهم في قوى المعارضة، قد تصاعدت في الفترة الأخيرة. حتى إنّ النشاط على هذا الصعيد وصل إلى حدّ محاولة بعض المستقبليين التواصل مع ضباط سوريين كانوا على علاقة بهم في المرحلة العسلية بين الرئيس رفيق الحريري ودمشق.
ومع تقدّم المعارضة على الأكثرية بنقطة المذكرات القضائية، تحوّل التململ المستقبلي إلى انكفاء في الشارع وبين الناس. وهي حالة تراجع موجودة اليوم في المناطق المستقبلية كلها، في بيروت والبقاع والشمال. ففي الطريق الجديدة، الخزّان البشري الأساسي للتيار في العاصمة، تبدو آثار القلق المستقبلي واضحة. انحصرت وانحسرت التجمّعات الشبابية فيها تماماً، وجرى التخلي عن الكثير من اللافتات الداعمة للصقور المستقبليين المتشددين في مجلس النواب وفي المؤسسات الأمنية، وباتت المنطقة في ساعات الليل مقفرة لا يكاد يدوسها سوى درّاجي خدمة التوصيل المجاني.
وفي موازاة اللافتة الوحيدة المؤيدة للمدير العام لقوى الأمن الداخلي، أشرف ريفي، في كورنيش المزرعة، ترتفع في الطريق الجديدة أيضاً لافتة سياسية يدعم فيها رافعوها الرئيس ميشال سليمان وقائد الجيش، العماد جان قهوجي، والمؤسسة العسكرية. يحصل هذا الآن في الطريق الجديدة التي كانت في السنوات الماضية، مسرح الشعارات السياسية الحادة ومصنعها.
ينعكس الحديث المستمرّ عن توتّرات مقبلة على لبنان، على تراجع الزخم المستقبلي. وعلى إيقاع التطوّرات وتراجع الأداء المستقبلي في الحكم، يُلاحظ انكفاء عدد من مسؤولي التيار. ويجري الحديث عن أنّ أربعة مسؤولين مستقبليين في الطريق الجديدة باشروا اتصالات مباشرة مع مسؤولين في حزب الله وحركة أمل. أما القسم الآخر، فيفضّل حتى الساعة البقاء في منزله وعدم القيام بأي خطوة ناقصة قد تدوّن في سجلّه في مرحلة لاحقة.
معظم المسؤولين الميدانيين في التيار يتحدّثون عن أنّ الوضع خطر ومقلق، وأن العاصمة ليست بحاجة إلى المزيد من المآسي والتوترات، فينشطون في المنازل والصالونات لتكريس خطاب التهدئة هذا. وقد جرى تجاوز لغة نقد القيادة ومعاتبتها الذي ارتفع داخل المستقبل بعد زيارة الحريري الأولى لسوريا. مع العلم بأنّ مسؤولاً مستقبلياً وحيداً في الطريق الجديدة، وهو من آل العيتاني، لا يزال يحمل اللهجة المتشددة بين الناس والأنصار، فيستمر بالخطاب التحريضي والتذكير بأحداث 7 أيار، ويؤكد للمجموعة الشبابية التي يقودها بوجوب عدم التخلي عن الثأر من قاتلي الرئيس الشهيد. ويجري الحديث عن أنّ هذا الرجل يدير حركة تسلّح في الطريق الجديدة بعنوان «الأمن الذاتي»، وهو يقوم بجولات شبه يومية على الشقق التي يسكنها شباب ملتزمون في التيار، وعلى شقق يجري فيها الكثير من الأمور، منها توزيع مهمات الحراسة والأدوار. انحسرت، إذاً، حالة التأجج الطائفي في بيروت، وبدأ القلق يساور أهلها وسكانها. ورغم ارتفاع أسهم الفتنة في الأسابيع الماضية، يلاحظ الهدوء المسيطر على الشوارع وعدم تكرار ظاهرة الإشكالات الليلية التي برزت قبل أيار 2008، وهو ما يسمح بالقول إنّ الناس قد ملّوا من حالة الشحن، وباتت اليوم أكثر قدرة على التخلي عن أي خطاب أو تيار يُسهم في تعبئة الحقد وملء النفوس. حتى إنّ بعض الأهالي في الطريق الجديدة أعادوا طلي بعض الشعارات الثأرية المطبوعة على الجدران القريبة من منازلهم أو محالهم التجارية.

أربعة مسؤولين مستقبليين في الطريق الجديدة باشروا اتصالات مع حزب الله وأمل

 

بعض الأهالي عمدوا إلى طَلي الشعارات الثأرية المطبوعة على جدران منازلهم ومحالّهم

وأبرز دليل على أنّ أهالي بيروت ما عادوا مسيّرين وراء عدد من هواة الفتنة، هو أن الناس في الطريق الجديدة لم ينجرّوا لما كان يعدّه أحد التيارات لتحريض جمهوره على التيارات المعارضة له. ففي تفاصيل تلك المحاولة اليائسة لجر الشارع البيروتي إلى الاقتتال، ادّعى المواطن إ. أ. يوم 30 أيلول الماضي أمام فصيلة البسطة أنّ أربعة مسلحين يستقلّون سيّارة مجهولة خطفوه من شارع بربور بعدما وضعوا رأسه في كيس نايلون، واقتادوه إلى مكان مجهول.
وفي إفادته، أكد المدعي أنّ الخاطفين نقلوه إلى منطقة قريبة من «الخندق الغميق»، وأنه لاحظ وجود علم لحركة أمل في المكتب حيث استُجوب. وأشار إلى أنّ الخاطفين سألوه عن تحرّكات إحدى الشخصيات في الطريق الجديدة (وهو مسؤول سابق في تيار المستقبل أشاع أخيراً أنّ أحد الأطراف يسعى إلى تصفيته) وعن مسؤولين مستقبليين وعن أماكن وجود جمعية المشاريع الإسلامية في المحلة وحركتها. وقال إن سبب خطفه هو انتماؤه السياسي وعمله في إحدى الجمعيات المقرّبة من التيار الذي ينتمي إليه، مدعياً أنّ المجهولين ضربوه وتركوه بحال سبيله بعد نحو ساعتين ونصف ساعة من اختطافه.
تسارعت متابعة الأجهزة الأمنية لهذه الحادثة، وتبيّن لأحد الأجهزة غير المسيّسة أنّ المعلومات التي أدلى بها كاذبة، فأوقف المدعي وجرى التوسّع في التحقيقات. فاعترف الموقوف بأنه كذب في إفادته وادّعائه أنه اختُطف «بهدف نيل الاهتمام اللازم من جانب التيار ومسؤوليه». لكن في تفاصيل الرواية يكمن الشيطان، إذ يؤكد أكثر من مصدر مطلع على ملف الموقوف وتحقيقات الجهاز الأمني المعني بتوقيفه، أنّ مسؤول التيار الذي ينتمي إليه، وهو س. ت. أقنع سائق التاكسي إ. أ. بتقديم هذه الرواية والإفادة، مع العلم بأنّ المسؤول المذكور مكلّف في تياره الارتباط مع الأجهزة الأمنية.
وخلال فضح ادّعاء إ. أ.، زار مسؤول رفيع في التيار نفسه رئيس الجهاز الأمني، من دون تمكنه من وضع الضغوط اللازمة لتغطية الموقوف، فحُوِّل الأخير من النيابة العامة العسكرية إلى النيابة العامة في جبل لبنان.
حاول إذاً بعض مسؤولي تيار سياسي استغلال مخاوف إحدى الشخصيات لافتعال حادثة تعمّق الخلاف بين أهالي بيروت، لكن مفاعيل هذه الحادثة أُفشلت، والأهم هو أنّ «الشارع» لم يستجب ولم يغضب ولم يثر. هل هذه إشارة إلى طريق جديدة، أم أن الطريق الجديدة ما زالت قديمة؟

Script executed in 0.20677995681763