المؤشرات المتراكمة تؤكد بما لا يقبل الجدل ان الحريري وفريق عمله دخلوا في مأزق حقيقي بعد ان تخلت المملكة العربية السعودية عنهم في منتصف الطريق واوكلت امر ادارة شؤون السنية السياسية الى سوريا، فباتوا في موقع لا يحسدون عليه، وبالتالي فان الحريري اصبح في موقع من عليه ان يختار بين اهون الشرور، خصوصا انه وقع ضحية تصرفات مستشاريه السياسيين والاعلاميين، فاتجه الى احتضان مهرجان القوات اللبنانية الاخير، وهو ما شكل القشة التي قصمت ظهر البعير، فضلا عن خطأ استراتيجي ارتكبه عن عمد او عن غير قصد وهو انه اعترف بوجود شهود زور دون ان يجرؤ على مقاربة ملف محاكمتهم فوقع في المحظور السوري الذي يصعب العودة عنه الا باثمان باهظة للغاية.
المتصلون بعواصم القرار يجمعون على ان مرحلة ما بعد المذكرات السورية ليست كما كانت قبلها لا في الشكل ولا في المضمون، فدمشق ما كانت لتخطو مثل هذه الخطوة المتقدمة لولا الغطاء السعودي، وما كانت لتقلب الطاولة وتبدل المسار الداخلي بهذا الشكل الكبير من غير موافقة واشنطن، وبالتالي ما كانت لتستهدف الفريق الحريري برمته بمعزل عن الاجندة الاقليمية - الدولية، التي على ما يبدو اعطت الضوء الاخضر للخوض في بعض المسائل الحساسة. فالمذكرات السورية جاءت بالتزامن مع سعي سوري لتذليل بعض العقبات من امام تشكيل حكومة عراقية تراعي تماما مصالح الولايات المتحدة، بدليل استقبال دمشق للعديد من الرموز العراقية المؤثرة في هذا السياق. كما اعقبت لقاء الرئيسين السوري بشار الاسد والايراني محمود احمدي نجاد، كذلك الامر تزامنت مع تصريحات اميركية تلمح الى فشل حلفاء واشنطن في لبنان، ومع فرملة اندفاعة المحكمة الدولية من خلال التشكيك بصدقيتها.
اما وقد وصلت الامور الى ما عليه، فان زوار العاصمة السورية يشيرون الى ان الخيارات باتت معدومة، وتاليا فان المخرج يكمن باسقاط الحكومة وادخال البلاد في فراغ يعقبه اعادة تركيب كامل للنظام السياسي في لبنان اولا، وذلك لمواكبة القرار الظني على الساخن، بحيث تصبح الارض مهيأة بالكامل لشتى انواع السيناريوهات والمخارج، خصوصا ان الخشية من الاعمال الامنية المتنقلة تتعاظم يوما بعد يوم في ظل فراغ سياسي وامني لافت.
وبالنسبة لتدرج المواقف الجنبلاطية، فيعرب هؤلاء عن خشيتهم من ان تكون الامور وصلت الى حافة الهاوية، وبالتالي فانه اي جنبلاط المعروف بحسن استشعاره عن بعد شعر بان كلا من المحكمة الدولية ورئيس الحكومة سعد الحريري باتا في طريقهما الى السقوط، الاولى من خلال حرب استنزاف تعرف سوريا جيدا كيفية ادارتها وماهية استثمار الاخطاء السياسية التي وقع فيها الحريري. اما الثاني فبالضربة القاضية التي اصابت هدفها باحكام هذه المرة، فبات على الحكم ان يبدأ العد العكسي للانطلاق بجولة ثانية اشد وطأة على لبنان واللبنانيين من سابقتها.
واستنادا الى كل هذه التطورات والتداعيات يطرح هؤلاء السؤال الكبير من يسقط اولا المحكمة ام الحريري؟