استنفر القصر الجمهوري أمس كل عناصره وجهوده لتنظيم مراسم استقبال «مبكّلة» للرئيس الإيراني. جاء التنظيم حديدياً في ما يخص الإحاطة بالضيف والوفد المرافق، لكن ظهر الإخفاق التنظيمي في كواليس صالونات القصر وغرفه الجانبية حيث كان الصحافيون. ورغم أنّ الاحتفاء الشعبي، الذي فرضه الرئيس نجاد على المنظمين في محيط مطار رفيق الحريري، قد أخّر مواعيد اليوم الأول للزيارة و«خربط» جدولها، إلا أنه يمكن القول إنه أنقذ المنظمين في بعبدا؛ إذ منح تأخر وصول نجاد إلى القصر الرئاسي المنظمين المزيد من الوقت لحلّ مشكلة «لوائح أسماء الصحافيين» التي لم توضع على مدخل القصر، ما أخّر دخول جميع الصحافيين.
في القاعة المخصصة للإعلاميين، كان الجميع يتابع شاشة المنار والنقل المباشر الذي أحيط به وصول نجاد إلى بيروت. بين نكتة في هذه الزاوية وامتعاض في أخرى بسبب تأخر موكب الضيف، مرّ الوقت ببطء أمام الاستعراض الشعبي. ولم يمنع ذاك المشهد الاستثنائي في طريق المطار من أن يطرح عدد من الزملاء أسئلة «عبثية»، مثل: «هل الطريق إلى المطار مقفلة بالكامل؟ وإن كان على أحدهم التوجّه إلى المطار، فهل يمكنه الوصول على الموعد المحدد لإقلاع الطائرة؟». وأخرى «وجودية» مثل: «شو صاير علينا وعليه يطلع يبيّن للناس؟ إذا راح الزلمة لا سمح الله، وين مِنصَفّي؟ تخيّل».
هذه المشاهد والأسئلة كانت تترافق مع الصورة التلفزيونية لنجاد، فيما كان المصوّرون يتمترسون في مواقعهم قبل ساعات من وصول الموكب الرئاسي.
تصل أخبار اقتراب موعد الاستقبال الرسمي في القصر، يسرع الزملاء لملاصقة الحبل الفاصل عن السجادة الحمراء الممتدة على طول المدخل. يخرج الرئيس ميشال سليمان وإلى جانبه الرئيس سعد الحريري إلى باحة القصر، بعدما اجتمعا لمدة قصيرة. صافرات السيارات تتوقف، لتنطلق أولى طلقات المدفعية الإحدى عشرة. يصافح الرئيس ميشال سليمان الرئيس أحمدي نجاد، ويبدأ «العرض الموسيقي» و«حفلة التبويس والسلامات». يدخل الرئيسان ويتبعهما الوفدان، وتقفل أبواب صالون السفراء معلنة بدء القمة اللبنانية ـــــ الإيرانية والخلوة بين نجاد وسليمان التي شارك في ختامها الرئيس الحريري. ثم يليها اجتماع موسّع للرئيسين مع أعضاء الوفدين في قاعة مجلس الوزراء، فتوقيع لمذكرات تفاهم بين البلدين، ثم غرس أرزة الصداقة اللبنانية ـــــ الإيرانية وتوقيع على السجل الذهبي. تلتها خلوة قصيرة بين نجاد والرئيس نبيه بري، وأخرى طويلة بين الضيف والرئيس الحريري، خرج منها الأخير غير مرتاح.
خلال تلك الأحداث والأحاديث الثنائية التي كانت تجري في قاعات القصر الجمهوري، كان المنظمون قد دعوا الصحافيين إلى دخول صالون 22 تشرين الثاني، حيث طال الانتظار وعاد الملل مرة جديدة. بين الحين والآخر، كان أحد المسؤولين الإعلاميين في القصر يحضر ليؤكد أنّ الرئيسين سيتلقيان أربعة أسئلة فقط، سؤالان من الصحافيين اللبنانيين ومثلهما من الصحافيين الإيرانيين والأجانب. لكن، قبل وصول سليمان ونجاد تدنى العدد إلى سؤالين فقط، ما أثار حفيظة الجميع. خرج نجاد من القمة المغلقة وصادف الرئيس الحريري، فأمسك بيده من جديد وتحادث قليلاً معه، فيما كانت تجمّعات الوزراء والنواب اللبنانيين على حالها، أكثرية بمواجهة موالاة. النائب مروان حمادة كان موجوداً، وقد «لفّ» يده وحافظ على نظارتيه الشمسيتين داخل القاعة. النائب وليد جنبلاط نأى بنفسه لدى دخول رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، وابتعد عن الحشد تفادياً للقاء، فيما لوحظ تسارعه إلى السلام على النائب عاصم قانصوه.
دخل سليمان ونجاد جنباً إلى جنب إلى قاعة المؤتمر الصحافي. صفّق الجميع وجلسوا. وباشر الرئيس اللبناني الترحيب بالضيف. وكانت الترجمة قائمة في الاتجاهين، فيما كان لافتاً دور السفير الإيراني في بيروت، غضنفر ركن أبادي، الذي أجرى الترجمة الفورية للأحاديث الشخصية بين سليمان ونجاد.
انتهى المؤتمر بإعلان نجاد تقديمه جهاز «نانوسكوب» إلى الرئيس سليمان، وهو «من أجل البرامج العلمية والبحثية. ونقدمه من صميم قلبنا وفي إطار التضامن الإيراني اللبناني».
وتوجّه الجميع إلى مأدبة غداء رئاسية على شرف الضيف الإيراني، شارك فيها الوفد الإيراني وأقطاب الحوار الوطني ورؤساء سابقون. ومرة جديدة عُزل الصحافيون عن المشاركين وتركوا «على حلّ شعرهم» لإتمام المهمات التي جاؤوا لتنفيذها. وأولى هذه المهمات نقل ما جاء على لسان سليمان ونجاد، فأكد الأول «حرص لبنان على العمل لإلزام إسرائيل بالقرار 1701، ولا سيما الانسحاب الكامل من جميع الأراضي». كذلك أشار سليمان خلال المؤتمر الصحافي المشترك إلى أنّ اللقاء بنجاد «تخلله عرض لواقع العلاقات الثنائية وسبل تطويرها وتعزيزها بما يخدم المصلحة المشتركة ومقتضيات المرحلة الراهنة»، وكان تأكيد «لأهمية صيانة الوحدة الوطنية اللبنانية وميثاق العيش المشترك ودعم الدولة وتعزيز دعائم الاستقرار، وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة».
وشدّد سليمان على «حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مع تأكيد حق إيران في هذا المجال».
أما الرئيس نجاد، فأعرب عن «معارضته الاعتداءات والخروق التي تقوم بها إسرائيل»، داعياً إلى أن «تحلّ القضية الفلسطينيّة على أساس العدالة، وأن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بلدهم، لأن هذه الروحيّة المجرمة للكيان الصهيوني موجودة في الهيمنة والاعتداءات»، ومشدداً على «دعمه الكفاح المرير للشعب اللبناني في مواجهته للاعتداءات الصهيونية ونصر بكل جد وإصرار على تحرير الأراضي المحتلة في لبنان وسوريا وفلسطين».
أضاف نجاد: «نريد لبنان موحداً متطوراً قادراً، ونقف بجانب الحكومة والشعب حتى تحقيق كامل أهداف الشعب اللبناني»، معلناً أن «الشعب الإيراني في كل الساحات حتى تحقيق الأهداف العليا اللبنانيّة سيقف إلى جانب الحكومة اللبنانية».
وأكّد نجاد: «أتينا إلى لبنان لتعاون شعبينا، وليس هناك أي مانع في ذلك، ما دمنا شعبين مستقلين وصديقين ونرغب بزيادة تعاوننا في المجالات كلها ونعمق جذور التعاون»، مضيفاً: «أنا جئت بدعوة من سليمان، وأنا ضيفه وضيف الحكومة والشعب اللبناني، ورسالتنا إلى الشعب اللبناني هي الوحدة والتعاون والسعي المشترك إلى بناء لبنان وعزته ورسالة الشعب الإيراني إلى الشعب اللبناني هي الصمود والمثابرة بجانبه».