استقبل الأخير نجاد في السرايا الحكومية وأولم على شرفه، بحضور الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري، بحضور مجموعة من الرؤساء السابقين والوزراء الحاليين والسابقين. في هذه الخلوة، التي دامت ما يقارب نصف ساعة، جرى التطرق إلى مجمل الملفات البارزة في لبنان والمنطقة، فتطرق الرجلان إلى ملف المحكمة الدولية، حيث تحدث نجاد بوضوح عن ضرورة المحافظة على الاستقرار والهدوء في لبنان. وأشار مطّلعون على أجواء اللقاء إلى أنّ الحريري طلب من نجاد مساعدته لحلّ الأزمة الداخلية عبر إقناع حزب الله بتغيير أسلوبه في التعاطي والتعامل الداخلي. فأكد الرئيس الإيراني أنّ هذه المسألة لبنانية داخلية، لا علاقة للدولة الإيرانية فيها.
ورأت مصادر إيرانية أمس أنّ زيارة نجاد «محطة إقليمية وليست محلية»، وأنّ سياقها لا يندرج في إطار معالجة الأزمة اللبنانية والدخول في زواريبها. وشددت هذه المصادر على أنّ فريق 14 آذار حاول، من دون أن ينجح، إقحام نجاد في الملف الداخلي، عبر التسويق لمبادرة إيرانية يحضرها كل من الطرفين السوري والتركي.
وخلال الخلوة، أعاد نجاد تأكيد دعم بلاده الجدّي للدولة اللبنانية في كل المجالات، داعياً إلى توطيد العلاقة بين البلدين، الأمر الذي يرى أنه يصبّ في خانة تطوير القدرات للصمود ومواجهة العدو الإسرائيلي على كل الصعد.
وانضمّ الرئيسان ميشال سليمان ونبيه بري، عند وصولهما إلى السرايا الحكومية، إلى الحريري ونجاد فتحول الاجتماع إلى رباعي، جرى فيه استكمال المحادثات السابقة. ووصفت مصادر متابعة هذا الاجتماع بـ«البروتوكولي» والطبيعي.
ورغم الإشادات المتكررة لنجاد بالحريري خلال اليومين الماضيين، كان واضحاً أمس توتّر الحريري وبرودته في استقبال الرئيس الإيراني. لكن السفير الإيراني، غضنفر ركن أبادي، أكد خلال دردشة مع الصحافيين أنّ «اللقاء سادته أجواء إيجابية وممتازة للغاية من الفرح والسرور والترحيب بهذه الزيارة»، مشدداً على أنّ نجاد «وبلاده إلى جانب لبنان، كل لبنان، في السراء والضراء وفي كل الظروف».
وسئل أبادي في السرايا عن موقف نجاد من المحكمة الدولية، فقال: «هذا موضوع لبناني، وقد قلنا إننا نبذل قصارى جهدنا من أجل الحفاظ على وحدة جميع اللبنانيين. والبحث اليوم تناول موضوع المحكمة وغيره من المواضيع الأخرى». ورداً على سؤال عمّا إذا طلب الحريري رسمياً تسليح إيران للجيش اللبناني، أجاب: «نحن أعلنّا، والرئيس نجاد أكد، أننا مستعدون للمساعدة في كل المجالات». ولفت أبادي إلى أن المحادثات مع الحريري تناولت القضايا الإقليمية والعالمية الهامة، «أما القضايا والمسائل الداخلية فقد أكدنا موقفنا تجاهها، وإن شاء الله نجتاز هذه المرحلة إلى مرحلة جديدة من التعاون والتآزر بين جميع اللبنانيين». وعن التقديمات الإيرانية على الصعيد الأمني، قال: «ليست هناك مشكلة على صعيد الأمن في لبنان».
وكان الرئيس الإيراني قد وصل إلى السرايا الكبيرة عند الواحدة إلا ربعاً من بعد ظهر أمس، حيث كان الرئيس الحريري في استقباله عند الباحة الخارجية، وأدّت لهما ثلّة من سرية حرس رئاسة الحكومة التحية، وعزفت موسيقى قوى الأمن الداخلي النشيد الوطني الإيراني، ثم استعرضا حرس الشرف، والتقطت الصور التذكارية، ثم عقدت المحادثات الرسمية في مكتب الرئيس الحريري. وبعد المحادثات الثنائية، أقام الرئيس الحريري مأدبة غداء تكريمية على شرف الرئيس نجاد والوفد المرافق، حضرها الرئيسان سليمان وبري ومجموعة من الشخصيات اللبنانية.
وكان نجاد قد استهل اليوم الثاني لزيارته بفطور سياسي في مقرّ إقامته، حضره كل من الرؤساء السابقين: حسين الحسيني، سليم الحص، عمر كرامي، وزير الشباب والرياضة علي عبد الله، والنواب: ميشال عون، وليد جنبلاط، علي حسن خليل، محمد رعد، سليمان فرنجية، طلال أرسلان، أسعد حردان، والنواب والوزراء السابقون: فايز شكر، فيصل الداوود، وئام وهاب، أسامة سعد، إيلي سكاف، وجيه البعريني، جهاد الصمد وصالح الخير، الأمين العام للحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة، رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا، رئيس الحزب «العربي الديموقراطي» رفعت عيد، رئيس المكتب السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» إبراهيم المصري.
وتحدث خلال اللقاء النائب وليد جنبلاط، فرحّب بالضيف الإيراني واختصر حديثه بالإشارة إلى «النقطة المركزية التي تهدد وحدة لبنان وتهدد أيضاً كل الإنجازات التي قدمتموها وقدمتها المقاومة، وهي نقطة مفاعيل القرار الظني للمحكمة الدولية إذا ما صدر، وكيفية معالجة هذا الأمر». ولفت إلى اتصال نجاد بالملك السعودي قبل زيارته لبنان، فتمنى «استمرار الاتصال بينكم وبين المملكة وغيرها من الدول العربية لمعالجة الوضع المأزوم في لبنان بين العائلات، مع الأسف، الإسلامية».
وشدد جنبلاط على أن «المحكمة في أيدي الدول الكبرى، إسرائيل وأميركا، التي تريد تفجير لبنان، وإذار صدر القرار الظني فلا بد من معالجة هادئة وبأعصاب جداً هادئة من قبل جميع الفرقاء كي لا نقع جميعاً في فخ منصوب من أجل ضرب كل إنجازات المقاومة والوحدة الوطنية».
ثم تحدث الرئيس كرامي، فأشار إلى أنّ «إيران تمثل مواقف وطنية كبيرة، وخصوصاً في الممانعة والتصدي لإسرائيل التي تحاول أن تبتلع كل شيء من أجل إقامة دولة إسرائيل». ورأى كرامي أن زيارة الرئيس نجاد «تاريخية ونعتزّ بها»، وقال: «ليس لنا مطالب إلا ما ذكرتموه أمس لتوحيد الدول المجاورة لإيران في مواجهة المصالح الإسرائيلية». كذلك أشار النائب السابق أسامة سعد في كلمته إلى كلمة نجاد يوم أول من أمس، مشيراً إلى أنّ هذه المواقف «استعادت بالنسبة إلينا مرحلة مشرقة في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية هي مرحلة الناصرية». أما الوزير طلال أرسلان فقال إنّ «المؤامرة بدأت منذ إصدار القرار 1559 وما زلنا منذ ذلك اليوم حتى الآن، المؤامرة تلو المؤامرة تتكرر للدخول الى الساحة اللبنانية، واليوم يريدون الدخول عبر هذا القرار الظني المشؤوم، قرار أشكينازي». وطلب أرسلان من نجاد مساعدة إيران «من أجل الوحدة الوطنية، ونشكر تنسيقكم الدائم مع الإخوة في سوريا الأسد لأننا نرى أنكم مع سوريا الضمانة الأساسية للمشروع الوطني المقاوم».
وأشار النائب أسعد حردان إلى أنّ «ما تفعله إسرائيل اليوم هو فرض الأحادية على المجتمع الدولي وفرض الأحادية العرقية والسياسية والدينية»، معتبراً أن من مصلحة الجميع التفاعل مع جميع الحضارات واحترام المسار التاريخي للتنوع الثقافي ضمن الوحدات الاجتماعية السياسية.
وتحدث خالد حدادة، لافتاً إلى أنّ «في لبنان كماً من الطوائف المتراكمة، وما دامت أدوات التفجير موجودة فقد حان الوقت للتفكير بلبنان وطناً واحداً يغنيه تفاعل الثقافات المتنوعة فيه». وشدد على «ضرورة وحدة لبنان»، مذكراً بـ«انطلاق المقاومة الوطنية منذ البداية في مقاومة الاحتلال التي استمرت حتى صعود المقاومة الإسلامية».
أما الرئيس الإيراني فأشار خلال مداخلته إلى السعي لتحقيق العدالة، معتبراً أنّ «إقامة العدالة تكون محوراً رئيسياً للتآلف والتضامن والتفاعل، وليس فقط بين القوى والأحزاب اللبنانية، بل كل شعوب المنطقة». وأكد ضرورة إعداد تخطيط بعيد المدى لمواجهة نظام الهيمنة في المنطقة، مشيراً إلى ثلاث ميّزات دفعت «الإمبرياليين إلى احتلال منطقتنا»، وهي ثقافة المنطقة، الثروات واستراتيجية هذه المنطقة التي فيها أهم الممرات المائية والمواقع الجغرافية. وقال إن «الاستعمار والاستكبار يحاولان تكرار هذا الموضوع اليوم ويريدان أن يحققا هذه المؤامرة في منطقتنا. وتأسيس الكيان الصهيوني أصلاً هو للسيطرة على منطقتنا، وهم لا يسمحون أن يتكلم أحد في ما يتعلق بحادث تأسيس الكيان الصهيوني، وكما تعلمون فإن حادث 11 أيلول 2001 جعلوه ذريعة لاحتلال المنطقة. وعندما نطالب بجلاء حقيقة الموضوع يتعصبون ويهددون لأنهم لا يريدون الحقيقة. حادثة 11 أيلول سوف يتضح أنها ذريعة لاحتلال منطقتنا». وأكد أنه «عندما نكون موحدين بعضنا مع بعض سينهزمون، والحل الوحيد لهم لتحقيق أهدافهم هو التفرقة بين الشيعة والسنّة وبين الشعوب والقوى المختلفة».
وقال إن «مجلس الأمن الدولي أعطى للكيان الصهيوني فرصة القرصنة والتدمير والاعتداء على دول المنطقة، وعندما لا يحصلون على نتيجة يصدرون القرارات التي لم تنفذها إسرائيل أيضاً، وهم لا يفكرون لا بلبنان ولا بفلسطين ولا بالعراق، لذلك عندنا مثل يقول: لا يحكّ ظهري إلا ظفري».
(الأخبار)
لا حدود للدين
التقى الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، صباح أمس، المراجع الدينية في لبنان، فأشار إلى أنّ «منزلة الإنسان تفوق الألوان والأديان واللغات. والدين جاء لهداية الإنسان وليس له حدود جغرافية ولا يمكن اختصاره بقبيلة». وقال: «علينا النظر الى مشتركاتنا والاتحاد من خلالها، الوحدة هي للقيام بمهمة ما وهدف ما، وأن نعمل على تحقيقه»، مضيفاً إنّ «حقيقة الدين نختصرها بكلمتين: عبادة الله الواحد الأحد وإقامة المحبة والعدالة». وشدد نجاد على أنّ «الوحدة لا تعني نفي الآخر والقوميات والشعوب، بل تعني احترام جميع القوميات والهويات، والله يقول «تعاونوا على البر والتقوى».
شكر نجاد المرجعيّات على تآلفهم المبني على العدالة، واقترح «أن يقيموا الاجتماعات والزيارات دائماً في ما بينهم، لأن في لبنان ميزة هي تعايشه الطائفي والوحدة الوطنية التي يجب المحافظة عليها».