وبينما كان يتجهز طلال ليعبر الطريق المحاذي لفندق «موفنبيك» في منطقة الروشة، صدمته سيارة من نوع «بي أم دبليو»، تسير بسرعة كبيرة، ففارق الحياة.
لم تكن شقيقته معه، مثلما شاع أمس. كان وحده، في الشارع.
مات طلال. راح طلال. آخ يا طلال...
تتردد عبارات اللوعة بصوت منخفض، في العزاء الذي أقيم عن روحه أمس في نادي خريجي الجامعة الأميركية، على ألسنة الأهل والأصدقاء. الحسرة تسكن القلوب، وترسم معالم الوجوه. كان أصدقاء الصف ينتظرونه، عندما تأخر عن موعد بدء اليوم الدراسي. استغيبوه، لكن الخبر السيئ لا يتأخر. أبلغوا بفقدانه، شلّتهم الصدمة، وانتهى يومهم الدراسي.
تستعيد شيرين رواية الرحيل، بينما يستذكر الجميع طلال، الطالب والزميل والصديق. يصعب عليهم الكلام. تعترض رومي، وهي حبيبة طلال، على ما أشاعته بعض وسائل الإعلام، مؤكدة أن «طلال لم يكن ثملاً ولم يشغل الموسيقي في أذنيه خلال عبوره للطريق! طلال كان بكامل وعيه وهو يتجه الى مدرسته». تثور مجموعة من الطلاب: «لماذا لا يفرضون تخفيف السرعة بأي وسيلة ممكنة على الطرق؟! هل يعقل أن يُقتل طالب وهو يقطع الطريق إلى مدرسته؟».
تارة، يغضب الطلاب، وطورًا يواسون أنفسهم. يريد الجميع مواساة شيرين، الشقيقة التي فقدت صديقها في المنزل والمدرسة. لم يكن يكفّ عن إغاظتها، تقول شيرين وعيناها تترقرقان بالدموع: «كان يستفزني، وكنت أنا كمان أستفزه». تخبر الحكايا عن شقيقها «المهضوم، الذكي، واللي قلبه طيّب». يسود الصمت، تعيق الدموع شيرين عن متابعة حديثها. صورة طلال تسكن العيون، وهي مطبوعة على أزرار علقها زملاؤه على صدورهم.
تكتظّ صالات النادي بالمعزين.
أمامه، يركن عدد من الباصات ويترجل منها طلاب المرحلة الثانوية من المدرسة التي أعلنت الحداد وأقفلت أبوابها أمس. التزم الطلاب بلباس موحد باللونين الأبيض والأسود. كبيرة على سنين عمرهم ألوان الحداد. يترجلون من الباص، منهم من يقرر دخول القاعة فورًا، ومنهم من ينتظر في الخارج حتى يفسح لهم المجال. بهدوء، وبانتظام، يعيشون المأساة.
الوالدة مفجوعة، يصعب التحدث إليها. وحدهم زملاء طلال في الصف يسارعون إلى الكلام، يريدون تكريم حبيبهم، يريدون أن يعرف الجميع من هو الشاب الذي مات: «طلال محترم، لا يحبّ الدراسة كثيرًا لكنه ذكي، هو من يمسك الصف، خفيف الدمّ، له شعبية كبيرة ولا يحبّ أن يزعل منه أحد».
تكرّ الصفات. يستذكرون المواقف الجميلة التي جمعتهم به. ويصمتون عند تذكر النهاية.
قرروا استئناف الدراسة يوم الاثنين المقبل، أما الأيام الفاصلة فيقضونها في الحداد. لن تكون العودة سهلة، وطلال غائب عن الصف.
تتذكر واحدة من الأصدقاء قصة، ترويها: «يوم الجمعة الماضي، طلب طلال من صديقه نعمه أن يقله بالسيارة في جولة على معظم القرى اللبنانية. نزل نعمة عند رغبة طلال، وجال به في المدن التي طلب الشاب زيارتها. لم يعرف نعمة أن صديقه يودّع الحياة. ولم يعرف طلال أنه سيفارق الحياة بسبب خطأ لا نعلم من يتحمّل مسؤوليته».
توفي طلال أمام المدرسة التي كان من المتوقع أن يخرج من بابها الرئيسي، في نهاية العام، بلباس التخرّج.
باتت طرق لبنان تحصد حياة أجمل الشباب، يومياً. على من تقع المسؤولية؟ من المعني بالموت السريع على الطرق؟ ومن يتحمل مسؤولية معالجة الأزمة؟
أسئلة تبقى معلّقة في دولة لا تحرّك ساكناً لحل أزماتها.. وصور الأحباء تبقى معلّقة على جدران بيوت، تبقي القلوب في حالة انقباض، وأسف، وندم.
قصة طلال ليست خاصة، هي قصة بلد. من يديره؟!
[ دعا محبو طلال إلى التجمّع عند السادسة من مساء اليوم أمام مقر مصرف «فرنسبنك» في منطقة الحمراء، في بيروت، لإضاءة الشموع عن روحه وأرواح ضحايا حوادث السير الآخرين.
لم تكن شقيقته معه، مثلما شاع أمس. كان وحده، في الشارع.
مات طلال. راح طلال. آخ يا طلال...
تتردد عبارات اللوعة بصوت منخفض، في العزاء الذي أقيم عن روحه أمس في نادي خريجي الجامعة الأميركية، على ألسنة الأهل والأصدقاء. الحسرة تسكن القلوب، وترسم معالم الوجوه. كان أصدقاء الصف ينتظرونه، عندما تأخر عن موعد بدء اليوم الدراسي. استغيبوه، لكن الخبر السيئ لا يتأخر. أبلغوا بفقدانه، شلّتهم الصدمة، وانتهى يومهم الدراسي.
تستعيد شيرين رواية الرحيل، بينما يستذكر الجميع طلال، الطالب والزميل والصديق. يصعب عليهم الكلام. تعترض رومي، وهي حبيبة طلال، على ما أشاعته بعض وسائل الإعلام، مؤكدة أن «طلال لم يكن ثملاً ولم يشغل الموسيقي في أذنيه خلال عبوره للطريق! طلال كان بكامل وعيه وهو يتجه الى مدرسته». تثور مجموعة من الطلاب: «لماذا لا يفرضون تخفيف السرعة بأي وسيلة ممكنة على الطرق؟! هل يعقل أن يُقتل طالب وهو يقطع الطريق إلى مدرسته؟».
تارة، يغضب الطلاب، وطورًا يواسون أنفسهم. يريد الجميع مواساة شيرين، الشقيقة التي فقدت صديقها في المنزل والمدرسة. لم يكن يكفّ عن إغاظتها، تقول شيرين وعيناها تترقرقان بالدموع: «كان يستفزني، وكنت أنا كمان أستفزه». تخبر الحكايا عن شقيقها «المهضوم، الذكي، واللي قلبه طيّب». يسود الصمت، تعيق الدموع شيرين عن متابعة حديثها. صورة طلال تسكن العيون، وهي مطبوعة على أزرار علقها زملاؤه على صدورهم.
تكتظّ صالات النادي بالمعزين.
أمامه، يركن عدد من الباصات ويترجل منها طلاب المرحلة الثانوية من المدرسة التي أعلنت الحداد وأقفلت أبوابها أمس. التزم الطلاب بلباس موحد باللونين الأبيض والأسود. كبيرة على سنين عمرهم ألوان الحداد. يترجلون من الباص، منهم من يقرر دخول القاعة فورًا، ومنهم من ينتظر في الخارج حتى يفسح لهم المجال. بهدوء، وبانتظام، يعيشون المأساة.
الوالدة مفجوعة، يصعب التحدث إليها. وحدهم زملاء طلال في الصف يسارعون إلى الكلام، يريدون تكريم حبيبهم، يريدون أن يعرف الجميع من هو الشاب الذي مات: «طلال محترم، لا يحبّ الدراسة كثيرًا لكنه ذكي، هو من يمسك الصف، خفيف الدمّ، له شعبية كبيرة ولا يحبّ أن يزعل منه أحد».
تكرّ الصفات. يستذكرون المواقف الجميلة التي جمعتهم به. ويصمتون عند تذكر النهاية.
قرروا استئناف الدراسة يوم الاثنين المقبل، أما الأيام الفاصلة فيقضونها في الحداد. لن تكون العودة سهلة، وطلال غائب عن الصف.
تتذكر واحدة من الأصدقاء قصة، ترويها: «يوم الجمعة الماضي، طلب طلال من صديقه نعمه أن يقله بالسيارة في جولة على معظم القرى اللبنانية. نزل نعمة عند رغبة طلال، وجال به في المدن التي طلب الشاب زيارتها. لم يعرف نعمة أن صديقه يودّع الحياة. ولم يعرف طلال أنه سيفارق الحياة بسبب خطأ لا نعلم من يتحمّل مسؤوليته».
توفي طلال أمام المدرسة التي كان من المتوقع أن يخرج من بابها الرئيسي، في نهاية العام، بلباس التخرّج.
باتت طرق لبنان تحصد حياة أجمل الشباب، يومياً. على من تقع المسؤولية؟ من المعني بالموت السريع على الطرق؟ ومن يتحمل مسؤولية معالجة الأزمة؟
أسئلة تبقى معلّقة في دولة لا تحرّك ساكناً لحل أزماتها.. وصور الأحباء تبقى معلّقة على جدران بيوت، تبقي القلوب في حالة انقباض، وأسف، وندم.
قصة طلال ليست خاصة، هي قصة بلد. من يديره؟!
[ دعا محبو طلال إلى التجمّع عند السادسة من مساء اليوم أمام مقر مصرف «فرنسبنك» في منطقة الحمراء، في بيروت، لإضاءة الشموع عن روحه وأرواح ضحايا حوادث السير الآخرين.