في العام 1944، بدأ البروفسور بول وايد من جامعة «هارفرد»، بتطبيق سياسة الوقاية من أمراض القلب في الولايات المتحدة الأميركية. بنتيجة هذه السياسة، انخفض عدد الوفيّات بأمراض القلب والشرايين بنسبة 48 في المئة، وانخفض عدد الوفيات بالسكتة الدماغية بنسبة 57 في المئة، ما بين العامين 1972 و1990.
وفي السنوات العشرين الماضيّة، بدأت نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين تنخفض في المجتمعات الصناعية الغربية، بسبب إتباع النظم الصحيّة الوقائيّة.
وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هذه الأمراض تشكّل السبب الأوّل للوفيات في العالم، بنسبة 50 في المئة.
في الدول الناميّة، تعتبر الاستراتيجيات الوقائية متأخّرة، فالميزانيات تصرف على العلاجات وليس على سبل الوقاية. فيشهد لبنان، مثلاً، تحسّناً في الوسائل العلاجيّة، يقابله ارتفاع في نسبة عوامل الإصابة. ما يفسر عدم انخفاض نسبة الوفيات بأمراض القلب والشرايين التي تصل إلى 60 في المئة من مجمل الوفيات. إذ تسجّل سنويّاً في لبنان أربعة آلاف ذبحة قلبيّة، وأربعة آلاف حالة موت مفاجئ، وثلاثة آلاف جراحة قلب.
للإضاءة على أهميّة السياسة الوقائية لأمراض القلب والشرايين، نظّمت «الجمعيّة اللبنانيّة لأطباء وجرّاحي القلب» المؤتمر الأوّل في الشرق الأوسط للوقاية من أمراض القلب، بالتعاون مع «الجمعيّة المصريّة لأطباء القلب»، و«الاتحاد العالمي للقلب»، و«الجمعيّة الأوروبيّة لأطباء القلب». واختتم المؤتمر أعماله مساء السبت الماضي.
يذكر أن «اعتنِ بقلبكِ» هو شعار حملة التوعيّة العالميّة التي ينفذها حالياً «الاتحاد العالمي لأمراض القلب» للوقاية من أمراض القلب والشرايين عند النساء. إذ تعتبر هذه الأمراض المسبّب الأول لوفاة النساء حول العالم، فتموت 16 امرأة في الدقيقة الواحدة، ويموت 8,6 مليون امرأة في السنة حول العالم بسبب أمراض القلب والشرايين. إنه رقم يتجاوز العدد الإجمالي للنساء اللواتي يمتن بسبب أمراض السرطان والسلّ والسيدا والملاريا مجتمعة.
للمرض جينات تختلف مناطقياً
يفرّق منظّم المؤتمر د. جورج سعادة بين الطرق الوقائية الأوليّة التي تهدف إلى حماية المريض من التعرضّ لأمراض القلب، والطرق الوقائيّة الثانويّة التي تؤمّن علاجاً أفضل للأشخاص الذين أصيبوا بالمرض.
تركّز الطرق الأوليّة على الحماية من عوامل الخطر الرئيسيّة، كارتفاع نسبة الكوليستيرول في الدم، وارتفاع ضغط الدم - وهو المسبّب الأول للسكتة الدماغيّة والنزيف الدماغي، ويزيد خمسة إلى ثمانية أضعاف من خطر الإصابة بتصلّب الشرايين -، التدخين الذي يسبّب بنسبة 30 في المئة من الوفيات بأمراض القلب والشرايين في العالم ويزيد من خطر الموت المفاجئ بمعدّل خمسة أضعاف، قلّة الحركة، زيادة الوزن ومرض السكّري. وقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في محافظة بيروت أنّ نسبة 25 في المئة من المرضى الذين يدخلون إلى أقسام العناية القلبية أو إلى قسم جراحة القلب، هم مرضى مصابون بالسكّري.
تطرّق المؤتمر إلى الأسباب الجينيّة لأمراض القلب والشرايين التي يساعد تحديدها في تطوير السبل الوقائيّة والعلاجيّة للمريض. في هذا السياق، عرض المختص في الأمراض الوراثية د. بيار زلّوعة دراسة جديدة حول العوامل الوراثية والبيئية لأمراض القلب في لبنان، أجرتها «الجامعة الأميركيّة في بيروت» و«الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة»، بالتعاون مع «جامعة أوكسفورد»، على سبعة آلاف مريض ما بين العامين 2006 و2010.
تشير نتائج الدراسة، التي لم تنشر بعد في المجلات العلميّة، أنّ جينات المرضى في لبنان تظهر طفرات جينيّة (تغيّر في المعلومات الوراثيّة) خاصة، غير موجودة عند المرضى في البلدان الأخرى. ما يبرهن أهميّة القيام بأبحاث علميّة على مجموعات سكانيّة مختلفة، وتطوير الأبحاث المحليّة لأنه لا يمكن تطبيق نتائج الدراسات التي تجري في الخارج على المرضى اللبنانيّين. ولا ينصح د. زلّوعة الأشخاص بالقيام بالفحص الجيني لأمراض القلب اليوم، رغم توفّره في لبنان.
لا تمدّد بعد العملية.. وإنما رياضة
وفي مجال آخر، تظهر الدراسة أنّ اللبنانيين يعانون من تدني في مستوى الكوليستيرول الشديد الكثافة HDL الذي يحمي الشرايين من خلال حمل الكوليستيرول المتجمّع في الخلايا ونقله إلى الكبد لهضمه، وتساعد الرياضة والغذاء السليم على زيادة نسبته.
عن الدور الوقائي الرئيسي للرياضة، شرحت رئيسة قسم إعادة التأهيل والعلاج الفيزيائي في «مستشفى ومركز بلفو الطبّي» د. ريبيكا فرح، أنّ قلّة التمارين الرياضيّة تمثّل رابع أخطر العوامل المسببّة لأمراض القلب، بحسب منظمة الصحّة العالميّة التي أظهرت دراساتها أنّ الرياضة مرتبطة بالمستوى التعليمي وبالدخل الاقتصادي للبلدان، وأنّ العمل على تشجيع ممارسة الرياضة سيشكّل المحور الأساسي لخفض نسبة الإصابات في الدول الناميّة.
في لبنان، تشير دراسة أجريت في العام 2009 على 346 فرداً أنّ نسبة 55,5 في المئة من العينة يمارسون الرياضة بمعدّل ساعة في الأسبوع، معظمهم من الشباب والشابات غير المتزوجين. وفي دراسة صدرت حديثاً في تشرين الأول الجاري، سجّلت نسبة 45,8 في المئة من الشعب اللبناني يمارسون الرياضة، ونسبة 38,5 في المئة يدخّنون، ونسبة 65,4 في المئة يعانون من وزن زائد، ونسبة 20,5 في المئة يتناولون الكحول. تشير د. فرح إلى تغيّر هام طرأ على مفهوم الحركة البدنيّة في علاج أمراض القلب. في العام 1950، كان مريض القلب يبقى، بعد إجراء العمليّة الجراحيّة، لفترة شهر ونصف ممدداً على السرير، فيما يشدّد الأطباء اليوم على ضرورة البدء بالرياضة فوراً بعد إجراء العمليّة التي تخفّف من المضاعفات الصحيّة، وتقلّص بنسبة 31 في المئة من احتمال الوفاة عند المرضى الذين تعرّضوا لذبحة قلبيّة.
حديث القلب مع العقل
ربّما اعتقد الناس طويلاً أن الأمراض الفيزيولوجيّة للقلب لا ترتبط بالمشاعر والانفعالات، وأن القلب يتصارع مع العقل، ولكن، بالنسبة للدكتور أنطوان سعد فالقلب والعقل يتحادثان سويّاً عبر نظام معقّد. والمشاكل التي تصيب القلب تؤثر على عمل الدماغ والعكس صحيح. فيلفت إلى أن المشاعر السلبيّة، من خوف وقلق وضغط نفسي، تزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب الذي تحميه المشاعر الايجابيّة كالثقة بالنفس والشعور بالحبّ والعناية.
وفي السنوات العشرين الماضيّة، بدأت نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين تنخفض في المجتمعات الصناعية الغربية، بسبب إتباع النظم الصحيّة الوقائيّة.
وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هذه الأمراض تشكّل السبب الأوّل للوفيات في العالم، بنسبة 50 في المئة.
في الدول الناميّة، تعتبر الاستراتيجيات الوقائية متأخّرة، فالميزانيات تصرف على العلاجات وليس على سبل الوقاية. فيشهد لبنان، مثلاً، تحسّناً في الوسائل العلاجيّة، يقابله ارتفاع في نسبة عوامل الإصابة. ما يفسر عدم انخفاض نسبة الوفيات بأمراض القلب والشرايين التي تصل إلى 60 في المئة من مجمل الوفيات. إذ تسجّل سنويّاً في لبنان أربعة آلاف ذبحة قلبيّة، وأربعة آلاف حالة موت مفاجئ، وثلاثة آلاف جراحة قلب.
للإضاءة على أهميّة السياسة الوقائية لأمراض القلب والشرايين، نظّمت «الجمعيّة اللبنانيّة لأطباء وجرّاحي القلب» المؤتمر الأوّل في الشرق الأوسط للوقاية من أمراض القلب، بالتعاون مع «الجمعيّة المصريّة لأطباء القلب»، و«الاتحاد العالمي للقلب»، و«الجمعيّة الأوروبيّة لأطباء القلب». واختتم المؤتمر أعماله مساء السبت الماضي.
يذكر أن «اعتنِ بقلبكِ» هو شعار حملة التوعيّة العالميّة التي ينفذها حالياً «الاتحاد العالمي لأمراض القلب» للوقاية من أمراض القلب والشرايين عند النساء. إذ تعتبر هذه الأمراض المسبّب الأول لوفاة النساء حول العالم، فتموت 16 امرأة في الدقيقة الواحدة، ويموت 8,6 مليون امرأة في السنة حول العالم بسبب أمراض القلب والشرايين. إنه رقم يتجاوز العدد الإجمالي للنساء اللواتي يمتن بسبب أمراض السرطان والسلّ والسيدا والملاريا مجتمعة.
للمرض جينات تختلف مناطقياً
يفرّق منظّم المؤتمر د. جورج سعادة بين الطرق الوقائية الأوليّة التي تهدف إلى حماية المريض من التعرضّ لأمراض القلب، والطرق الوقائيّة الثانويّة التي تؤمّن علاجاً أفضل للأشخاص الذين أصيبوا بالمرض.
تركّز الطرق الأوليّة على الحماية من عوامل الخطر الرئيسيّة، كارتفاع نسبة الكوليستيرول في الدم، وارتفاع ضغط الدم - وهو المسبّب الأول للسكتة الدماغيّة والنزيف الدماغي، ويزيد خمسة إلى ثمانية أضعاف من خطر الإصابة بتصلّب الشرايين -، التدخين الذي يسبّب بنسبة 30 في المئة من الوفيات بأمراض القلب والشرايين في العالم ويزيد من خطر الموت المفاجئ بمعدّل خمسة أضعاف، قلّة الحركة، زيادة الوزن ومرض السكّري. وقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في محافظة بيروت أنّ نسبة 25 في المئة من المرضى الذين يدخلون إلى أقسام العناية القلبية أو إلى قسم جراحة القلب، هم مرضى مصابون بالسكّري.
تطرّق المؤتمر إلى الأسباب الجينيّة لأمراض القلب والشرايين التي يساعد تحديدها في تطوير السبل الوقائيّة والعلاجيّة للمريض. في هذا السياق، عرض المختص في الأمراض الوراثية د. بيار زلّوعة دراسة جديدة حول العوامل الوراثية والبيئية لأمراض القلب في لبنان، أجرتها «الجامعة الأميركيّة في بيروت» و«الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة»، بالتعاون مع «جامعة أوكسفورد»، على سبعة آلاف مريض ما بين العامين 2006 و2010.
تشير نتائج الدراسة، التي لم تنشر بعد في المجلات العلميّة، أنّ جينات المرضى في لبنان تظهر طفرات جينيّة (تغيّر في المعلومات الوراثيّة) خاصة، غير موجودة عند المرضى في البلدان الأخرى. ما يبرهن أهميّة القيام بأبحاث علميّة على مجموعات سكانيّة مختلفة، وتطوير الأبحاث المحليّة لأنه لا يمكن تطبيق نتائج الدراسات التي تجري في الخارج على المرضى اللبنانيّين. ولا ينصح د. زلّوعة الأشخاص بالقيام بالفحص الجيني لأمراض القلب اليوم، رغم توفّره في لبنان.
لا تمدّد بعد العملية.. وإنما رياضة
وفي مجال آخر، تظهر الدراسة أنّ اللبنانيين يعانون من تدني في مستوى الكوليستيرول الشديد الكثافة HDL الذي يحمي الشرايين من خلال حمل الكوليستيرول المتجمّع في الخلايا ونقله إلى الكبد لهضمه، وتساعد الرياضة والغذاء السليم على زيادة نسبته.
عن الدور الوقائي الرئيسي للرياضة، شرحت رئيسة قسم إعادة التأهيل والعلاج الفيزيائي في «مستشفى ومركز بلفو الطبّي» د. ريبيكا فرح، أنّ قلّة التمارين الرياضيّة تمثّل رابع أخطر العوامل المسببّة لأمراض القلب، بحسب منظمة الصحّة العالميّة التي أظهرت دراساتها أنّ الرياضة مرتبطة بالمستوى التعليمي وبالدخل الاقتصادي للبلدان، وأنّ العمل على تشجيع ممارسة الرياضة سيشكّل المحور الأساسي لخفض نسبة الإصابات في الدول الناميّة.
في لبنان، تشير دراسة أجريت في العام 2009 على 346 فرداً أنّ نسبة 55,5 في المئة من العينة يمارسون الرياضة بمعدّل ساعة في الأسبوع، معظمهم من الشباب والشابات غير المتزوجين. وفي دراسة صدرت حديثاً في تشرين الأول الجاري، سجّلت نسبة 45,8 في المئة من الشعب اللبناني يمارسون الرياضة، ونسبة 38,5 في المئة يدخّنون، ونسبة 65,4 في المئة يعانون من وزن زائد، ونسبة 20,5 في المئة يتناولون الكحول. تشير د. فرح إلى تغيّر هام طرأ على مفهوم الحركة البدنيّة في علاج أمراض القلب. في العام 1950، كان مريض القلب يبقى، بعد إجراء العمليّة الجراحيّة، لفترة شهر ونصف ممدداً على السرير، فيما يشدّد الأطباء اليوم على ضرورة البدء بالرياضة فوراً بعد إجراء العمليّة التي تخفّف من المضاعفات الصحيّة، وتقلّص بنسبة 31 في المئة من احتمال الوفاة عند المرضى الذين تعرّضوا لذبحة قلبيّة.
حديث القلب مع العقل
ربّما اعتقد الناس طويلاً أن الأمراض الفيزيولوجيّة للقلب لا ترتبط بالمشاعر والانفعالات، وأن القلب يتصارع مع العقل، ولكن، بالنسبة للدكتور أنطوان سعد فالقلب والعقل يتحادثان سويّاً عبر نظام معقّد. والمشاكل التي تصيب القلب تؤثر على عمل الدماغ والعكس صحيح. فيلفت إلى أن المشاعر السلبيّة، من خوف وقلق وضغط نفسي، تزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب الذي تحميه المشاعر الايجابيّة كالثقة بالنفس والشعور بالحبّ والعناية.