بدأ موسم قطاف الزيتون، مع أول شتوة تساقطت أمطارها في منتصف الشهرالجاري، حيث اعتبرها المزارعون إشارةً ودليلاً قاطعاً على حلول موسم القطاف، خاصة في قرى وبلدات مرجعيون، القليعة برج الملوك، ديرميماس، وكفركلا وفي مناطق جبل عامل. في هذه القرى، يبدأ المزارعون جني محاصيلهم في وقت مبكّر.
والمعروف ان الآباء والأجداد، كانوا يجنون موسم الزيتون قديماً، في هذه المنطقة، للحصول على زيت خضير و(فـقـش) صافٍ extra virgin ذي نوعية جيدة، وخالٍ من المياه وبنسبة أقل من مادة بيروكسيد. ويتطلب ذلك عناية مكثفة بشجرة الزيتون، واتباع الطرق الحديثة لرعايتها بغية انتاج زيت الزيتون بجودة عالية.
المواطن ابوعلي، الذي يملك خبرة واسعة في زراعة الزيتون وانتاج الزيت، يقول لـ»البناء» :»ان العمل على تحسين النوعية، يبدأ من موعد القطاف، والطريقة التي يتم بها، عن طريق تخزينه ونقله الى المعصرة، وحفظه، كما أن القطاف اليدوي هو الأفضل للحصول على زيت ذي نوعية جيدة، وإن تدني نوعية الزيت المنتج محلياً، يحول دون تسويقه في الخارج، ما يدفع مزارعي الزيتون واصحاب المعاصر، الى العمل الجدي، والتركيز على تحسين نوعية الزيت اللبناني ابتداءً من الحقل وصولاً الى المعصرة، حتى يتمكنوا من المنافسة بجودته».
ويضيف أبو علي:» تحتاج شجرة الزيتون الى الاعتناء بها وتقليمها مع انتهاء الموسم، ورشها بالمبيدات ومعالجتها من الامراض والآفات الحشرية التي تفتك بها، كما ان طريقة القطاف البدائية بفرطها عن طريق العصا تؤثر على انتاجها في الموسم المقبل، لافتا الى ان هناك طرقاً وقواعد يجب اتباعها كفصل الورق عن الثمار قبل العصر، غسيل يومي لكل الماكينات وتنظيف كامل للمعصرة، كما ان فصل الزيتون الرديء عن الزيتون الصالح قبل عصره، يساعد على انتاج زيت بكر خال من البيروكسيد الذي يحفظ الزيت لمدة طويلة».
المزارع حسيب الذي يملك بستان زيتون في سهل المرج، أبدى من جهته تفاؤله بانتاج الزيتون هذا الموسم، حيث ان الانتاج في أماكن معينة، يبلغ حوالى 70 %، فيما تقل نسبته في اماكن أخرى لتصل الى 30 %، ويعزو السبب الى العوامل الطبيعية والمناخ الحار الذي ضرب المنطقة فأثّر على نسبة المحصول».
ويضيف حسيب: «ان كلفة القطاف تثقل كاهل المزارع، حيث يطلب عامل قطافه ثلاثين ألف ليرة أجراً في اليوم، فيما المرأة العاملة تتقاضى عشرين الفا، كما أن كل 50 او60 كيلوغراماً من الزيتون تنتج تنكة زيت، ولا احد يساعدنا في تصريف الانتاج من زيت وزيتون،لكننا نتدبر امور التصريف في السوق المحلية في هذه المنطقة، وقد وصل سعر تنكة الزيت الفاخر، «باب اول» الى 150 دولاراً اميركيا، والمعروف ان اسعار زيت الزيتون تختلف في كل موسم حسب جودة الزيتون ونسبة المحصول، وإني أدعو المسؤولين في هذا القطاع، إلى العمل على تقديم كل مساعدة ضرورية للمزارعين حيث ان الغالبية منهم تعتمد في معيشتها على زراعة الزيتون وانتاج الزيت».
زوجة حسيب، سعاد تقول لـ«البناء»: «إن زيت المنطقة من أجود وأطيب انواع الزيوت، اننا نستهلكه كثيرا في صنع الكثير من الاطباق اللبنانية المشهورة، كالتبولة، والكبة النية واللبنة الخضراء الطازجة. كما نكبس بالزيت معظم المونة البلدية، كالباذجان المكدوس واللبنة والزيتون حيث نضع الزيت على سطح المرطبان ممزوجا بحزوز الليمون والبهارات والملح لاعطاء نكهة خاصة بكبيس الزيتون». واضافت:» ان صحن الزيتون يزيّن المائدة اللبنانية، ويعتمد اهالي الجبال، خصوصاً في المنطقة الحدودية، على زيت الزيتون في طبخ كلّ المأكولات، ولا يستعملون الزيت النباتي إلا نادرا، وذلك يعود الى فائدته الصحية في معالجة العديد من الامراض؛ حيث يفيد في تليين شرايين الجسم لدى تناول ملعقة منه باكراً بعد النهوض من النوم، كما انه يفيد في العناية بالقدمين، بدهنها بالزيت لتليينها كما يفيد زيت الزيتون في علاج عدة أمور، كما أن استعمال بضع نقاط منه لفرك الشعر، يزيل القشرة».
المواسم تبدأ هنا في المناطق الحدودية فيما أخرى تنتهي في أماكن ثانية كموسم التفاح في بعلبك، لكن المواسم في غالبيتها لا تعوّض على المزارعين أتعابهم، كون الاهتمام يأتي فردياً من المزارع نفسه، الذي يتكل على تعبه وزنده دون تلقي اي مساعدة من احد، لا مراكز لارشاد المزارعين إلا في المؤتمرات الصحافية التي تعقدها وزارة الزراعة، فالمطلوب من هذه الوزارة اهتماماً أكبر بالمزارعين ورعايته هذا القطاع، آملين أن تؤمن لهم المساعدات، والادوية والمبيدات مع التوعية والارشاد الزراعي. من المعروف ان هناك امراضا تفتك بشجرة الزيتون والأمراض تتنوع من «ذبابة البحر المتوسط» إلى «عين الطاووس» والفطرية والفيروسية والآفات الحشرية أو تسوس الموسم، ويرى بعض المهتمين في الشأن الزراعي، أن الإعتماد على هذه الزراعة، بدأ يتراجع بعض الشيء في ظل الاهمال وغياب الارشاد الزراعي الرسمي، وانعدام مراقبة جودة المبيدات الزراعية المستوردة وتواريخها، وقلة التصريف في سوق محلية ضيقة، ما يؤدي إلى انخفاض في الأسعار. كما ان مزاحمة الزيت المستورد من بلدان أخرى ضاعف معاناة وخسائر المزارعين.