هذه أيام قطاف الزيتون،ربما شارفت على نهايتها ، أنه موسم الخير والبركة،إنها الشجرة المباركة، الصابرة، الصامدة،المحبة للسلام ، تعود بنا الذاكرة إلى سنوات خلت ،أيام بداية السبعينات من القرن الماضي ، أتذكر كيف كان شمل العائلة يجتمع في موسم الخير هذا ، نعم وكأن شجرة الزيتون ""شجرة لم الشمل"" ،أتذكر كيف كانت الأيدي المعطاءة تداعب الأغصان وتنهل من خيرها ،كنا نتسلق نحن الأطفال حينها إلى حضن الشجرة ونتشبث بها وكأننا في أحضان أمهاتنا ، نتنافس بخطف حبات الزيتون وكأنها لعبة من ألعاب البلاستيشن والكمبيوتر المغرم بها الكبير قبل الصغير بعالمنا اليوم،أتذكر كيف كنا نجلس ونتناول الترويقة والغداء بمشاركة العصافير للزاد ، مسبحة الخالق وشاكرة لعبده على هذه النعمة بلحن زقزقتها الجميل، أتذكر أبى رحمه الله كيف كان على الدوام يمتشق المقص والمنشار ويودع كل شجرة للتو انتهى قطافها بنزع العيدان اليابسة منها ويداوي جراحها ويتركها ويفي بوعده انه لن ينساها حيث كان لا يفارقها أبدا ،إلى أن جاءت سنوات التهجير العجاف وأبعدته عنها مرغما لكن بقي لربع قرن يحلم بالعودة أليها ..... تحقق حلمه بحمد الله وعاد إلى الأرض الطيبة لكنه كان يحزن كثيرا عند مشاهدته لأشجار الزيتون التي استطاعت أن تصمد هذه السنوات الطويلة لعدم قدرته على رعايتها من جديد فالعمر شارف على الانتهاء وكله أمل بأن الأبناء يتابعون المسيرة للحفاظ على هذه الشجرة السخية بعطائها والوفية بالعهد، إنها شجرة مباركة من نعم الخالق التي لا تعد ولا تحصى ، إنها شجرة قسم الله بها ، إنها نور الله - بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون وطور سنين ........ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .صدق الله العلي العظيم.
عذرا يا شجرة الخلد ، كم أ نا حزين اليوم على فراقك ، أخاطبك من البعيد من بلاد الغربة أتذكر الماضي السحيق ، انتظر اللقاء ، وآمل أن أعود لأعفر وجهي بثراك حتى ولو حين الممات ، ما أجمل تناول الزاد بحماك ،والغفوة بظلك بعد عناء , الحلم بيوم ألقاك ، يجتمع شملنا من جديد، علها ترتاح روح من غرسك ، لنسلم الأمانة إلى أهلها علهم يكونون افضل منا وفاء وتستمر شجرة العطاء ....... والحمد لله رب العالمين