لم يعد هناك شكّ في أن كارتيل اللحوم الحيّة يرفع أسعار اللحمة عمداً لتحقيق أرباح غير مشروعة، ويضغط على وزير الزراعة حسين الحاج حسن لإجباره على التراجع عن قرارات تنظيم شروط الاستيراد، فالفواتير التي حصلت عليها «الأخبار»، تؤكّد أن أسعار اللحوم الطازجة لا ينبغي أن تتجاوز 11000 ليرة للمستهلك، أي أقل من السعر المباع حالياً بنسبة 118%!
تؤكّد الفواتير التي حصلت عليها «الأخبار» أن سعر كيلوغرام اللحمة في سوق المفرّق يجب ألّا يتجاوز 12100 ليرة، إذ إن متوسط سعر استيراد طن البقر يبلغ 1975 دولاراً، وإذا احتسبت الأكلاف التي يتكبّدها التجّار، بحسب ما صرّحوا خلال لقائهم مع وزير الزراعة حسين الحاج حسن، أول من أمس، أي خسائر الوزن التي تتراوح بين 5% و7%، وكمية اللحم الصافية للبيع، أي ما يوازي 40% من رأس البقر، ومتوسط أسعار مختلف أجزاء البقرة، ونسبة ربح تبلغ 20%، فإن السعر الذي يجب أن يصل الى تاجر المفرّق هو 11 ألف ليرة. أما إذا احتسبنا هذه العناصر على أساس هوامش الأرباح القصوى لتجار الجملة (5%) ونصف الجملة (5%) والمفرّق (10%)، والذي صدر أمس، فإن سعر 11 ألف ليرة يجب أن يكون للمستهلك، أي أعلى مما هو عليه حالياً (24 ألف ليرة) بقيمة 11900 ليرة وما نسبته 98.4%!
فما هي خلفيات هذه الظاهرة واستهدافاتها؟
حملة مسعورة
تُظهر الوقائع أن كارتيل مستوردي المواشي الذين يحتكرون هذه التجارة، يرفعون الأسعار عمداً، فهم يسوقون حملة مسعورة ومنظّمة تستهدف تخريب قرارات تنظيم القطاع واستيراد اللحوم التي أصدرها وزير الزراعة حسين الحاج حسن، في إطار الأمن الغذائي للبنانيين، فهذه الحملة المسعورة أدّت إلى ارتفاع فجائي في أسعار اللحمة المبيعة في أسواق المفرّق في بداية الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول الجاري، إذ كان السعر الوسطي لكل كيلوغرام يبلغ 12 ألف ليرة، ثم تطوّر إلى 15 ألفاً، و18 في نهاية الأسبوع الماضي، ليصبح 24 ألفاً في اليومين الماضيين.
ماذا جرى في هذه الفترة؟ وما الذي استدعى قيام حملة كهذه على الوزير حسين الحاج حسن؟ فالقرارات التنظيمية التي أصدرها الوزير لم تتضمن ما يعوق التجارة أو يقيّدها، بل كانت منسجمة مع المعايير العالمية لاستيراد اللحوم الحية والمذبوحة، كما أنها تلبّي جميع المستوردين وتساوي فيما بينهم، وبالتالي لم يعد لديهم دافع للجوء إلى «واسطة ما» توفّر لهم خدمات «السلطة العليا» أو «الباب العالي» في وزارة الزراعة، خلافاً للنظام الذي كان معمولاً به في السابق حين كان بإمكان كل تاجر الضغط على الوزارة، بأدوات مختلفة، لمنع «أذونات الاستيراد» عن هذا التاجر أو منحها لآخر.
ما قام به الحاج حسن، هو أنه ألغى أذونات الاستيراد، واستبدلها بـ«علم وخبر» من أجل تبليغ الوزارة بالمعلومات المتعلقة بمصدر الكميات المستوردة ومسار الباخرة وقت وصولها إلى لبنان، وكل هذه الإجراءات هي لمصلحة التاجر والمستهلك، فلا يعقل أن يستورد التاجر المواشي من بلد موبوء وتصل الشحنة إلى لبنان ثم يتبين عدم صحّة دخولها إلى لبنان، وهذا سيكبده خسارة كبيرة في ثمن المواشي: أكلاف النقل... ويزاد عليها كلفة التلف إذا اضطر الأمر.
ومن أجل التأكّد من مصدر الاستيراد ومطابقة الكميات المستوردة لمواصفات الغذاء السليم، تقرر أن ترسل بعثات إلى المصدر للتأكد من هذا الأمر «عند الضرورة»، وفرض أن يكون لدى كل مستورد محجر صحي يمكّنه من استقبال الحيونات الحيّة في انتظار بيعها، من أجل وقف ظاهرة البيع على الباخرة.
قرار بالتصفية
لكن هذا الأمر لم يعجب كبار المستوردين الذين كانوا يتحكمون بالسوق ويتآمرون لشطب بعضهم من السوق، فيما كانوا على صراع مع مستوردي اللحوم المبرّدة والمجلّدة التي بدأت تستحوذ على حصص من السوق الاستهلاكية، فاتخذوا قراراً بـ«تصفية» ما أنجزه الحاج حسن، على أساس أن رفع الأسعار وإلقاء اللوم على قرارات الوزير لن يكونا مفهومين بالمعنى التقني لدى اللبنانيين لكونهم غير مطلعين على تفاصيل الاستيراد والمصالح المتضاربة بين التجار وهوية كبار المحتكرين ومدى سيطرتهم على السوق.
ما فات هؤلاء، وهم 6 مستوردين للمواشي الحية «راسم ترايدنغ، نابلسي إخوان، خليفة ترايدنغ، مصري للمواشي، سيدرز ترايدنغ وتوفيق سليمان»، هو أن فواتير الاستيراد المصرّح عنها للجمارك اللبنانية في 20 تشرين الأول 2010، أي في الفترة التي تلت ارتفاع أسعار اللحوم في السوق المحلية، تفضح مخططاتهم وأهدافها، فهي تشير إلى أن متوسط سعر طن البقر الحيّ يبلغ 1975 دولاراً على الباخرة في محطة الوصول، وإذا احتسبت خسائر الوزن، وكمية اللحم الصافية للبيع بالمفرّق والتي توازي 40% من رأس البقر، ومتوسط سعر مبيع مختلف أجزاء البقرة، ونسب الربح المشروعة وفقاً لقرار هوامش الربح الأقصى بنسبة 5% لتاجر الجملة و5% لتاجر نصف الجملة وتاجر المفرّق (اللحام) 10% يصبح السعر للمستهلك 11000 ليرة، أي أعلى مما هو عليه حالياً (24 ألف ليرة) بقيمة 13000 ليرة وما نسبته 118%!
عودة هوامش الأرباح
إذاً، فإن السعر في السوق يمكن أن يعود إلى مستواه الطبيعي إذا قرّرت وزارة الاقتصاد القيام بوظفيتها وتطبيق هوامش الأسعار القصوى، والتي تحدّدت أمس في القرار الرقم 196 الذي أصدره وزير الاقتصاد والتجارة، محمد الصفدي، ليعيد العمل بالقرار 277/1 الذي يحدّد نسب الأرباح التجارية القصوى على السلع والمنتجات الحيوانية والحبوب والزيوت والسكّر والملح والخضر والفاكهة.
لكن لهذا القرار قصّة تعود إلى الوزير سامي حداد ومكتب الـUNDP في وزارة الاقتصاد، فالاثنان قررا إلغاء هوامش الأرباح ووقف العمل بالقرار 277/1 بذريعة أنه يقيد التجارة ويعوّق انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي، فالانضمام يجب أن يترافق مع فتح السوق اللبنانية أمام التجارة الخارجية من دون أي قيود أو رسوم... لكن عندما انتهى عهد الحدادين، وجاء الوزير الصفدي، أصدر قراراً يلغي قرار حداد، ويعيد العمل بقرار تحديد هوامش الأرباح القصوى للسلع الأساسية، لكن التجّار تكتّلوا في مواجهة القرار واعترضوا عليه في مجلس شورى الدولة حيث تصدر قرارات «غبّ الطلب»، فمنحهم القاضي شكري صادر هديّة بتعليق تنفيذ القرار لأن «التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضرراً بليغاً والمراجعة ترتكز على أسباب جدية.
غير أن مجلس شورى الدولة نفسه وافق أمس على القرار الذي كان قد علّق صدوره سابقاً، فهل يملك التجار القدرة على تعطيل القرار مجدداً؟
2050 يورو
هو الحد الأعلى لسعر طن البقر الحي المستورد بتاريخ 20 تشرين الأول 2010 من بلدان أوروبا التي تعاني من فائض في الإنتاج، فيما تبيّن من فواتير الاستيراد أن الحدّ الأدنى لطن البقر الأوروبي يبلغ 1900 يورو
ذرائع للهروب
من أبرز الذرائع التي يقدّمها مستوردو المواشي لتبرير ارتفاع أسعار اللحوم الطازجة، هو التصوير أن هناك قراراً بمنعهم من استيراد الأبقار من أوستراليا، وقد اهتم رئيس الحكومة سعد الحريري (الصورة) بهذا الأمر باعتبار أنه سيحلّ مشكلة الأسعار، لكن تبيّن أن أوستراليا تشترط على لبنان أن يكون لديه محجر صحي بيطري، تلافياً لمشكلة جرت مع السعودية سابقاً. وتبيّن أن المحجر الخاص بوزارة الزراعة «استولت» عليه بلدية طرابلس وأقامت عليه منشآت ومحطة صرف صحي، وأنه يمكن حلّ شروط أوستراليا بأن يكون لدى كل تاجر محجر صحي.