لا تزال أسعار اللحوم الحمراء في لبنان مرتفعة مقارنة مع المستويات المشروعة، إذ يبلغ متوسط سعر كيلوغرام لحم البقر الطازج في بيروت 24 ألف ليرة، فيما يصل إلى 20 ألفاً في المناطق، لكنّ مستوردي الأبقار والأغنام الحية مستمرون في الحملة المسعورة التي يسوّقونها ضد القرارات التي أصدرها وزير الزراعة حسين الحاج حسن بهدف تنظيم عملية الاستيراد وفق المعايير التي تنطبق على سلامة الغذاء.
في الواقع، إن احتساب سعر كيلوغرام لحم البقر للمستهلك يجري بناءً على عناصر عدّة أقرّ بها مستوردو المواشي في لقائهم مع وزير الزراعة منذ أيام. وهذه العناصر يجب أن تُبنى على فواتير استيراد المستوردين المصرّح عنها إلى الجهات الرسمية، والتي تشير إلى أن متوسط سعر الاستيراد المسجلّ في 20 تشرين الأول يبلغ 1975 يورو (2765 دولاراً)، يضاف إليها الأكلاف الآتية: هناك كلفة النقل بقيمة 100 يورو عن كل رأس بقر، وخسارة وزن يجب أن تُحتسب ضمن كلفة الاستيراد تتراوح نسبتها بين 5% و7%. أما نسبة اللحم الصافي الصالح للبيع فتبلغ 40% من الوزن الإجمالي لرأس البقر أو الغنم، ويجب احتساب متوسط سعر الأجزاء المختلفة من البقرة (زور، موزات، لعبة اللحام...). أخيراً توضع نسبة ربح وفق مرسوم هوامش أرباح التجار الذي صدر منذ يومين، 5% لتاجر الجملة، و5% لتاجر نصف الجملة و10% لتاجر المفرّق، فيصبح السعر الوسطي 11 ألف ليرة.
على الرغم من قوّة هذه الوقائع، إلا أن كارتيل التجار مستمر بحملته على وزير الزراعة، للإيحاء بأن السوق يتعرّض لهزّة في الأسعار سببها قرارات الوزير، ويضيفون إليها أسباباً غير واقعية مثل ارتفاع الأسعار العالمية بسبب الطلب الزائد في المنطقة، ولا سيما في تركيا. وفي مرّات أخرى يشيرون إلى تأخّر وزارة الزراعة في فتح خط الاستيراد من أوستراليا باعتباره الحلّ لمشاكل السوق المحلية... لكنّ المطّلعين يؤكّدون أن تركيا تستورد من دول أوروبا حيث هناك فائض في إنتاج الأبقار، وهو أمر أسهل عليها من الاستيراد من البرازيل مثلاً، كما أن فتح خط الاستيراد من أوستراليا هو أمر مرهون بموافقة السلطات الأوسترالية، على أن يكون لكل تاجر محجر صحي بدلاً من شرطها المسبق أن يكون هناك محجر للدولة اللبنانية، إذ إن الأخير بنت عليه بلدية طرابلس منشآت عدّة... وبالتالي فإن هذه الحجج لا تمثّل الأسباب الحقيقية التي تؤدّي إلى رفع الأسعار بنسبة 118%.
وبحسب استطلاع للأسعار أجرته «الأخبار»، تبيّن أن هناك تفاوتاً كبيراً في أسعار اللحم بين المناطق المختلفة. فالأسعار في المناطق النائية والبعيدة عن مراكز المحافظات لم ترتفع بالنسبة نفسها التي حصلت في المدن الكبيرة، والسبب أن هذه المناطق فيها نسبة استهلاك متدنية وتعتمد على المواشي المنتجة محلياً، علماً بأن نسبة هذه المواشي من الاستهلاك الإجمالي تصل إلى 5%، فضلاً عن أن الأسعار في «المناطق الراقية» تصل إلى الحدّ الأقصى، فيما يتراجع إلى المستوى المنخفض في المناطق الشعبيّة. ويتّضح بالتالي أنّ أزمة السعر لا تضرب المراكز فقط، بل المراكز الفرعية أيضاً، وخصوصاً في بيروت وصيدا والنبطيّة.
وقد بلغ السعر الوسطي لكيلوغرام اللحم كالآتي: 24 ألف ليرة في وسط مدينة بيروت، و22 ألفاً في ضواحي بيروت، 22 ألف ليرة في زحلة، 20 ألف ليرة في النبطية، 18 ألف ليرة في صيدا، 17 ألف ليرة في قرى الشمال، 17 ألف ليرة في قرى جبيل، 17 ألف ليرة في قرى منطقة زحلة، 16 ألف ليرة في قرى الجنوب، 16 ألف ليرة في قرى بعلبك ـــــ الهرمل، 14 ألف ليرة في طرابلس. أما أسعار لحم الغنم فجاءت كالآتي: 37 ألف ليرة وسطياً في بعلبك ـــــ الهرمل، 28 ألف ليرة في جبيل، 29 ألف ليرة في زحلة، 24 ألف ليرة في محيط زحلة، 30 ألف ليرة في غالبية مدن الجنوب وقراه، 27 ألف ليرة في قرى الشمال، و20 ألف ليرة في طرابلس.
أما أسعار اللحوم البقرية المبرّدة والمجلّدة فجاءت كالآتي: 5 آلاف ليرة في طرابلس، و10 آلاف ليرة في البقاع وقرى زحلة وغالبية المدن الساحلية، و12 ألف ليرة في ضواحي بيروت.
هذا الاستطلاع يشير بنحو جازم إلى حصول ارتفاع غير مبرر في الأسعار، لكنّ مصادر موثوقة تؤكد أنه إزاء هذا الواقع، يحاول عدد من التجار استباق نتائج الدراسات التي ستعتمدها وزارة الاقتصاد بناءً على الفواتير المصرّح عنها للجمارك اللبنانية عن أسعار الاستيراد، فأجروا سلسلة من الاتصالات يشددون فيها على أن الأسعار المصرّح عنها للجمارك هي غير الأسعار الحقيقية، من أجل التهرّب من سداد الضريبة الجمركية، مؤكدين أنهم سيبرزون للوزارة الأسعار التي يزعمون أنها حقيقية حتى تُحتسب نسب الأرباح بناءً عليها.
الثابت هو أن مسؤولية وزارة الاقتصاد تنحصر في الاستحصال رسمياً على الأسعار المصرّح عنها للجمارك وإجراء دراسة على الأكلاف لتحديد أرباح كل تاجر. لكن هل ستسكت الوزارة عن إبلاغ الجمارك هذا التهرّب الضريبي الذي يمارسه المستوردون، وتضيّع أموالاً كانت من حق الخزينة العامة؟ أم من واجبها إبلاغ الجمارك وفتح تحقيقات في هذا التهرّب وإحالته على الجهات المختصة؟
تثبت هذه المعطيات أن حملة المستوردين ليست كما يدّعون، بل إنهم يرفعون الأسعار عمداً فتكون النتيجة كالآتي: تحقيق أرباح طائلة من السوق تكون بمثابة ربح يزعمون أنه من حقهم مقابل قرارات الوزير، أو تمثّل هذه الأرباح مصدر ضغط على الوزير ليتراجع عن قراراته.
وما يعزّز هذا السيناريو هو أن دخول عدد قليل من البواخر، خلال الشهر الجاري إلى لبنان، يعود إلى كون الزرائب أو المزارع التي يملكها المستوردون وتجار نصف الجملة ممتلئة بالأبقار والأغنام، وبالتالي لا مكان لكميات إضافية.
ويشير بعض تجار نصف الجملة في قرى البقاع إلى وجود كميات كبيرة من رؤوس الأبقار والأغنام في مزارع البقاع، ويُعمل على تسمينها حالياً حتى لا يتكبّد التاجر أي خسائر ناجمة عن فقدان الوزن، «فهم يعلمون أن كلفة العلف ستزيد السعر قليلاً، لكنهم يأملون أن تبقى الأسعار بوتيرتها التصاعدية لتحقيق أقصى الأرباح الممكنة بعد عمليات التسمين».
* شارك في الإعداد: عبد الكافي الصمد
من طرابلس، رامح حمية من بعلبك ـــــ الهرمل، نقولا أبو رجيلي من البقاع الأوسط، خالد الغربي من صيدا، آمال خليل من صور،
جوانا عازار من جبيل.