لماذا انتظر الكورسيكي الشجّاع، أعواماً قبل أن يفضي بمشاهداته إلى كتاب؟ في مقابلة هاتفية مع «السفير» قال الجنرال بلّيغريني «كتب الكثير عما جرى في تموز 2006، وأردت أن تهدأ حمى الكتابة، قبل أن أكتب من الداخل ما حفظته مفكرتي اليومية، من لقاءات وأحداث».
لم يِشأ ألان بلّيغريني أن يباغت القارئ الاختصاصي المشبع بتفاصيل لا تنتهي، عن الحرب كما عاينها من كمين «خلة وردة» صبيحة الثاني عشر من تموز 2006، ورافقها طيلة 33 يوماً في عيتا الشعب، مارون الراس، بنت جبيل، مروحين، مرجعيون، الخيام، الطيبة، وادي السلوقي، صور، والناقورة، إلى أن وضعت أوزارها في 14 آب 2006.
وللعثور على «الدرة اليتيمة» ينبغي مرافقة الجنرال في سطور يومياته، التي التزم بعرضها متسلسلة. العسكري، مؤرخ متقشف، اعتنى بالتفاصيل والانطباعات وترتيبها الزمني، وليس محققاً صحافياً يحفل بتصدير السبق الإعلامي في روايته. وعلى رغم ذلك، سيجد المنقبون في تراب تموز 2006، كما قلبته ذاكرة العسكري الفرنسي ما يشفي غليلهم في رواية الجنرال عن محاولة الولايات المتحدة اختراق قيادة أركان اليونيفيل، أو تحويلها إلى رأس جسر لتدخل قوات دولية من الناتو أو الاتحاد الأوروبي، من دون انتظار وقف إطلاق النار .
المحاولة في «صيف من نار» بدأت بمكالمة هاتفية للملحق العسكري الأميركي في بيروت، وفي ساعة مبكرة من صبيحة السابع والعشرين من تموز للجنرال بلّيغريني: «عرض عليّ أن ألحق بأركاني ضابطين أميركيين، وأربعة آخرين، يعملون كضباط ارتباط، في حال القيام بعملية مشتركة، لقد نشرت الولايات المتحدة (قبالة السواحل اللبنانية) وحدة التدخل البحرية الرابعة والعشرين، وهي وحدة قادرة على التدخل في منطقة عملياتي، ومستعدّة لتزويدي بالتعزيزات الضرورية في حال القيام بأي عملية». والعرض الأميركي «لمساعدة قوات اليونيفيل» على القيام بعمليات، خلال حرب تموز، صادف اجتماعات في روما، درست إمكانية إرسال قوات دولية، تحت أعلام الأمم المتحدة.
«إن الأميركيين، باستثناء زاوية النظر الإسرائيلية المشوّهة، لا يملكون معلومات كافية عن الأوضاع على الأرض. إن مشاركة فرنسا والصين، في قيادة اليونيفيل، تسمح لهما، مضافاً إلى ما يجمعه بعض الفرنسيين على الأرض، باستكمال الصورة، وهذا ما يشكّل ميزة جوهرية عندما تحين ساعة التفاوض على حل النزاع. هل يبحث الأميركيون، ببثهم الأعين والآذان في قيادة أركاني، عن الحصول على تلك المعلومات، تحت غطاء عمليات مفترضة؟ هذا ممكن، لأنني لا أعتقد أنهم جادون في رغبتهم بالتدخل في العمليات»، يكتب بليغريني.
ويستكمل بلّيغريني روايته عن الولايات
المتحدة التي كان من المحتمل أن يستوي لها التدخل عسكرياً في حرب تموز، عبر الناتو، بعد تعثر الهجوم الإسرائيلي ضد «حزب الله». وبالتوازي في نيويورك كانت تجري مفاوضات، لدراسة احتمالات التدخل عبر قوات الأطلسي. ويروي بلّيغريني: «كانت البلدان الغربية، باستثناء فرنسا، في مشاوراتها في نيويورك، متفقة على لوم «اليونيفيل» لعدم فاعليتها، وتحاول، بشكل خاص، إحلال قوات أخرى، من دون قبعات زرقاء، يرسلها الناتو أو الاتحاد الأوروبي، قوة متعددة الجنسيات، كان الرئيس (الأميركي السابق) جورج بوش يتمنى رسمياً، جمعها بأقصى سرعة، من دون انتظار وقف إطلاق النار».
هل كان من المحتمل أن يتحوّل جنوب الليطاني إلى منطقة عمليات لقوات من الناتو «نعم»، قال بلّيغريني لـ«السفير»: «لو اضطررنا لأسباب لوجستية إلى الانسحاب، أو بسبب الجرحى، لما كنا سنعود إلى جنوب لبنان».
لماذا رفض بلّيغريني العرض الأميركي في اللحظة نفسها؟ الخوف من التجسس على أركانه! «من المعروف أن إسرائيل لا تستفيد من الذخائر الأميركية المتقدّمة فحسب، بل مما تجمعه أقمارها الصناعية من معلومات. بوسع الضباط الأميركيين لو انضمّوا إلى أركان اليونيفيل، أن ينقلوا إلى قيادتهم، ومنها إلى الجيش الإسرائيلي، معلومات عن الأوضاع على الأرض، مما يعرّض مبدأ حيادها للخطر. من الممكن أيضاً أن يكونوا على استعداد لتسهيل تهريب عملاء لبنانيين لإسرائيل عبر توجيه المروحيات المحمولة على متن سفن وحدة التدخل الأميركية».
هل نجا لبنان من محاولة أميركية للاستعانة بقوة فرض سلام وتحويله إلى عراق ثانٍ؟
«إن قوة فرض سلام غير ممكنة في لبنان» يقول بليغريني لـ«السفير»، مضيفاً «ليس بوسع أي قوة دولية أن تفعل ما تشاء، وستلاقي صعوبة كبيرة، في أن تفرض نفسها ويجب أن نتذكّر الأيام الصعبة التي كان يعيشها العراق. وكانت محاولة فرض السلام في حنوب لبنان ستؤدي إلى وضع مشابه لما كان يجري في العراق، لذلك أعتقد أن دولاً قليلة كانت ستقبل بذلك. وقد فضّل (الأمين العام السابق للامم المتحدة) كوفي أنان، ان تبقى الأمم المتحدة في جنوب لبنان».
وتدور جنوب الليطاني حرب تجسس إسرائيلية على اليونيفيل للاستيلاء على ما تجمعه هذه القوات من معلومات عن «حزب الله». فهل تحصل إسرائيل على تقارير اليونيفيل عن مواقع «حزب الله» في منطقة عملياتها؟ نظرياً لا. ونظرياً فقط وبطريقة ساذجة، خصوصاً أن كتّابها هم من خيرة الضباط الذين تنتدبهم بلادهم لمهمة شائكة. وهكذا فإن ما يحميها من الوقوع في الأيدي الإسرائيلية، هو اكتفاء الضباط الدوليين في التقارير الدولية، بعدم تحديدها بدقة على الخريطة لتضليل الإسرائيلي، وليس مناعة «المبنى الزجاجي» في نيويورك، من الاختراق.
«نعرف العديد من مواقع حزب الله، في منطقة عملياتنا. قيادتنا في نيويورك على علم بتطور انتشارها، لكن من دون الكثير من التحديد، في البيت الزجاجي الذي يستحق فعلاً اسمه، حيث كل شيء شفاف، بوسع المندوبية الإسرائيلية أن تحصل على التقارير الواردة من الناقورة.... نعلم أنه يجري التنصت علينا، للبرهان على ذلك، في كل مرة أرسل تقريري نصف السنوي للتجديد لـ«اليونيفيل»، أرفقه بتفاصيل إلى قيادة قوات الأمم المتحدة وحدها، وعلى رغم أن التقرير مشفّر، كنت أتلقى مباشرة بعد كل تقرير إلى نيويورك، رسالة من الجيش الإسرائيلي، تحتوي اقتراحات لكتابة التقرير، أملاً بتعديله!!»، هذا ما يؤكده بلّيغريني.
وهل حصلت إسرائيل على معلومات جمعها ضباط «اليونيفيل»؟ «نعم»، يجيب «السفير»: «المعلومات تصل إلى الإسرائيليين إما عن طريق التنصت، وإما عند بلوغها الأمم المتحدة في نيويورك».
السياق الذي فرضه بلّيغريني على صيفه اللبناني الناري لا يفسح المجال لتخصيص فصول بعينها عن الطبيعة الإجرامية للحرب الإسرائيلية ذلك الصيف. الجنرال الكورسيكي نفسه لا يبدي رغبة علنية بتحويل كتابه إلى مطالعة اتهامية بحق القادة الإسرائيليين الذين عرفهم عن قرب. فلماذا لا يسهب في توثيق ما ارتكبته إسرائيل من جرائم صيف 2006 الناري؟ يجيب بليغريني قائلا «وددت أن أنقلها كما عايشتها، أردت أن أحافظ راوياً على موقفي المحايد جنرالاً، لم أرغب في أن أسهب في رواية أحداث لم أكن على يقين منها».
ومع ذلك ينبغي لمقاربة لبنانية أو عربية أقل تقشفاً أن تجعل من بعض فقرات الكتاب السريعة، وثائق فرنسية على جرائم حرب إسرائيلية، يمكن يوماً أن يطلب من كاتبها الشهادة أمام محكمة دولية تنعقد لمحاسبة إسرائيل على ما ارتكبه جنودها من جرائم.
«تضاعف استخدام القنابل العنقودية، في مناطق العمليات كافة، تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي مبرر تكتيكي لاستخدامها، وهي لا تبحث عن بلوغ أي أهداف عسكرية، بل تخوم القرى، وحقول الزيتون، التي يبدأ جنيها في ايلول. من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى معاقبة لبنان بأسره، لتركه حزب الله طليق اليدين».
وغني عن القول، إن الجنرال بلّيغريني لا يقدّم رواية مختلفة عما قدّمه اللبنانيون عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في قانا، ومروحين، والخيام. ويناقش الدوافع الإسرائيلية، التي تتلخص، بقربها من مواقع إطلاق «حزب الله» صواريخه. ولكن روايته عن قتل إسرائيل لأربعة من ضباط مراقبي الهدنة في سهل الخيام وقبل الهجوم عليها يستحق توثيقه كجريمة حرب.
«كان الموقع يحتله أربعة من الضباط: المايجور هانس بيتر لانغ، نمساوي. الرائد بايتا ديريك هس فان كروودر، كندي. العقيد دووز هاو، صيني. والمقدم جارمو ماكينان، فنلندي. في صبيحة الخامس والعشرين من تموز تعرّض الموقع لأكثر من عشر قذائف. كنت اتصل بعدها بالإسرائيليين لأطلب منهم وقف النار، لكنهم كانوا يتبعون خطة معدة مسبقاً، لإطلاق النار. طلبت من الكتيبة الهندية إجلاءهم. وفي هذه اللحظة أقفل الإسرائيليون هواتفهم. مساء، تلقيت مكالمة من الضباط، عن طائرة إسرائيلية تحلق فوق الموقع. في منتصف الليل، وجدت الكتيبة الهندية، تحت أضواء مدرعاتها، ثلاث جثث محترقة في الموقع/ ولم نعثر على الضابط الصيني، كل الدلائل في الموقع تشير إلى تدميره بصاروخ جي بي يو 28 الأميركي المخترق للتحصينات، ورغم إصرار كوفي أنان، رفض الإسرائيليون الاشتراك في أي تحقيق لجلاء ما جرى».
هل جرى استخدام اليورانيوم المنضب في جنوب لبنان؟
«إن اليورانيوم المنضب يستخدم لتقوية رؤوس القذائف لخرق التحصينات»، يشرح بليغريني لـ«السفير» مضيفاً «لقد استخدم الإسرائيليون انواعاً متعددة من القذائف، وقد جرى تحقيق بعد أشهر، ولم يعثر الخبراء على أثر لإشعاعات».
ما هي قناعتك جنرال، هل استخدم الإسرئيليون اليورانيوم المنضب في جنوب لبنان؟
فيعود ويقول: «لم نعثر على دلائل، لكن الشك لا يزال يراودني في ذلك، ولست وحدي».
ما هي حدود المهمة التي تقوم بها «اليونيفيل»، وهل بوسعها أن تطبق القرار 1701؟
ينبغي أن نصدق ما يقوله بليغريني لـ«السفير»: «لا ينبغي أن نصدق أن الدول المشاركة في «اليونيفيل»، تفعل ذلك لحلاوة أعين اللبنانيين أو الإسرائيليين. لديها أغراضها الخاصة، ومصالحها التي قد تتعارض في ما بينها، وبينها من هو مؤيد للعرب، وآخر لإسرائيل، ويحاول كل منها أن يطبق القرار 1701 كما يفهمه، وبما يخدم مصالحه».
هل بوسع «اليونيفيل» أن توقف وحدة دبابات إسرائيلية تخترق الخط الأزرق، وتطبيق مهمتها بمنع الأسلحة غير الشرعية في منطقة عملياتها؟
يجيب بليغريني «بعض المسؤولين الإسرائيليين يجيبون أنهم على اقتناع في أن بلداناُ كفرنسا وأيطاليا (نصف القوات الدولية وأفضلها تسليحاً) لن تخاطر بالتصعيد».
ولـ«السفير» يصف بليغريني ما بقي في ذاكرة الجنرال الكورسيكي من الصيف الناري: «هناك صورة لا تزال محفورة في نفسي، أتذكر تلك الصبيحة من الرابع عشر من آب، عندما حلقت مروحيتي فوق ركام مدينة بنت جبيل، وقفزت إلى خاطري صورة كنت شاهدتها صغيراً، في أحد كتب التاريخ المدرسية: مدينة درسدن الألمانية (التي شهدت أفظع تدمير خلال الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء). بدت بنت جبيل ذلك النهار أشبه بدرسدن الألمانية، لا شيء واقفاً فيها».
لم يِشأ ألان بلّيغريني أن يباغت القارئ الاختصاصي المشبع بتفاصيل لا تنتهي، عن الحرب كما عاينها من كمين «خلة وردة» صبيحة الثاني عشر من تموز 2006، ورافقها طيلة 33 يوماً في عيتا الشعب، مارون الراس، بنت جبيل، مروحين، مرجعيون، الخيام، الطيبة، وادي السلوقي، صور، والناقورة، إلى أن وضعت أوزارها في 14 آب 2006.
وللعثور على «الدرة اليتيمة» ينبغي مرافقة الجنرال في سطور يومياته، التي التزم بعرضها متسلسلة. العسكري، مؤرخ متقشف، اعتنى بالتفاصيل والانطباعات وترتيبها الزمني، وليس محققاً صحافياً يحفل بتصدير السبق الإعلامي في روايته. وعلى رغم ذلك، سيجد المنقبون في تراب تموز 2006، كما قلبته ذاكرة العسكري الفرنسي ما يشفي غليلهم في رواية الجنرال عن محاولة الولايات المتحدة اختراق قيادة أركان اليونيفيل، أو تحويلها إلى رأس جسر لتدخل قوات دولية من الناتو أو الاتحاد الأوروبي، من دون انتظار وقف إطلاق النار .
المحاولة في «صيف من نار» بدأت بمكالمة هاتفية للملحق العسكري الأميركي في بيروت، وفي ساعة مبكرة من صبيحة السابع والعشرين من تموز للجنرال بلّيغريني: «عرض عليّ أن ألحق بأركاني ضابطين أميركيين، وأربعة آخرين، يعملون كضباط ارتباط، في حال القيام بعملية مشتركة، لقد نشرت الولايات المتحدة (قبالة السواحل اللبنانية) وحدة التدخل البحرية الرابعة والعشرين، وهي وحدة قادرة على التدخل في منطقة عملياتي، ومستعدّة لتزويدي بالتعزيزات الضرورية في حال القيام بأي عملية». والعرض الأميركي «لمساعدة قوات اليونيفيل» على القيام بعمليات، خلال حرب تموز، صادف اجتماعات في روما، درست إمكانية إرسال قوات دولية، تحت أعلام الأمم المتحدة.
«إن الأميركيين، باستثناء زاوية النظر الإسرائيلية المشوّهة، لا يملكون معلومات كافية عن الأوضاع على الأرض. إن مشاركة فرنسا والصين، في قيادة اليونيفيل، تسمح لهما، مضافاً إلى ما يجمعه بعض الفرنسيين على الأرض، باستكمال الصورة، وهذا ما يشكّل ميزة جوهرية عندما تحين ساعة التفاوض على حل النزاع. هل يبحث الأميركيون، ببثهم الأعين والآذان في قيادة أركاني، عن الحصول على تلك المعلومات، تحت غطاء عمليات مفترضة؟ هذا ممكن، لأنني لا أعتقد أنهم جادون في رغبتهم بالتدخل في العمليات»، يكتب بليغريني.
ويستكمل بلّيغريني روايته عن الولايات
المتحدة التي كان من المحتمل أن يستوي لها التدخل عسكرياً في حرب تموز، عبر الناتو، بعد تعثر الهجوم الإسرائيلي ضد «حزب الله». وبالتوازي في نيويورك كانت تجري مفاوضات، لدراسة احتمالات التدخل عبر قوات الأطلسي. ويروي بلّيغريني: «كانت البلدان الغربية، باستثناء فرنسا، في مشاوراتها في نيويورك، متفقة على لوم «اليونيفيل» لعدم فاعليتها، وتحاول، بشكل خاص، إحلال قوات أخرى، من دون قبعات زرقاء، يرسلها الناتو أو الاتحاد الأوروبي، قوة متعددة الجنسيات، كان الرئيس (الأميركي السابق) جورج بوش يتمنى رسمياً، جمعها بأقصى سرعة، من دون انتظار وقف إطلاق النار».
هل كان من المحتمل أن يتحوّل جنوب الليطاني إلى منطقة عمليات لقوات من الناتو «نعم»، قال بلّيغريني لـ«السفير»: «لو اضطررنا لأسباب لوجستية إلى الانسحاب، أو بسبب الجرحى، لما كنا سنعود إلى جنوب لبنان».
لماذا رفض بلّيغريني العرض الأميركي في اللحظة نفسها؟ الخوف من التجسس على أركانه! «من المعروف أن إسرائيل لا تستفيد من الذخائر الأميركية المتقدّمة فحسب، بل مما تجمعه أقمارها الصناعية من معلومات. بوسع الضباط الأميركيين لو انضمّوا إلى أركان اليونيفيل، أن ينقلوا إلى قيادتهم، ومنها إلى الجيش الإسرائيلي، معلومات عن الأوضاع على الأرض، مما يعرّض مبدأ حيادها للخطر. من الممكن أيضاً أن يكونوا على استعداد لتسهيل تهريب عملاء لبنانيين لإسرائيل عبر توجيه المروحيات المحمولة على متن سفن وحدة التدخل الأميركية».
هل نجا لبنان من محاولة أميركية للاستعانة بقوة فرض سلام وتحويله إلى عراق ثانٍ؟
«إن قوة فرض سلام غير ممكنة في لبنان» يقول بليغريني لـ«السفير»، مضيفاً «ليس بوسع أي قوة دولية أن تفعل ما تشاء، وستلاقي صعوبة كبيرة، في أن تفرض نفسها ويجب أن نتذكّر الأيام الصعبة التي كان يعيشها العراق. وكانت محاولة فرض السلام في حنوب لبنان ستؤدي إلى وضع مشابه لما كان يجري في العراق، لذلك أعتقد أن دولاً قليلة كانت ستقبل بذلك. وقد فضّل (الأمين العام السابق للامم المتحدة) كوفي أنان، ان تبقى الأمم المتحدة في جنوب لبنان».
وتدور جنوب الليطاني حرب تجسس إسرائيلية على اليونيفيل للاستيلاء على ما تجمعه هذه القوات من معلومات عن «حزب الله». فهل تحصل إسرائيل على تقارير اليونيفيل عن مواقع «حزب الله» في منطقة عملياتها؟ نظرياً لا. ونظرياً فقط وبطريقة ساذجة، خصوصاً أن كتّابها هم من خيرة الضباط الذين تنتدبهم بلادهم لمهمة شائكة. وهكذا فإن ما يحميها من الوقوع في الأيدي الإسرائيلية، هو اكتفاء الضباط الدوليين في التقارير الدولية، بعدم تحديدها بدقة على الخريطة لتضليل الإسرائيلي، وليس مناعة «المبنى الزجاجي» في نيويورك، من الاختراق.
«نعرف العديد من مواقع حزب الله، في منطقة عملياتنا. قيادتنا في نيويورك على علم بتطور انتشارها، لكن من دون الكثير من التحديد، في البيت الزجاجي الذي يستحق فعلاً اسمه، حيث كل شيء شفاف، بوسع المندوبية الإسرائيلية أن تحصل على التقارير الواردة من الناقورة.... نعلم أنه يجري التنصت علينا، للبرهان على ذلك، في كل مرة أرسل تقريري نصف السنوي للتجديد لـ«اليونيفيل»، أرفقه بتفاصيل إلى قيادة قوات الأمم المتحدة وحدها، وعلى رغم أن التقرير مشفّر، كنت أتلقى مباشرة بعد كل تقرير إلى نيويورك، رسالة من الجيش الإسرائيلي، تحتوي اقتراحات لكتابة التقرير، أملاً بتعديله!!»، هذا ما يؤكده بلّيغريني.
وهل حصلت إسرائيل على معلومات جمعها ضباط «اليونيفيل»؟ «نعم»، يجيب «السفير»: «المعلومات تصل إلى الإسرائيليين إما عن طريق التنصت، وإما عند بلوغها الأمم المتحدة في نيويورك».
السياق الذي فرضه بلّيغريني على صيفه اللبناني الناري لا يفسح المجال لتخصيص فصول بعينها عن الطبيعة الإجرامية للحرب الإسرائيلية ذلك الصيف. الجنرال الكورسيكي نفسه لا يبدي رغبة علنية بتحويل كتابه إلى مطالعة اتهامية بحق القادة الإسرائيليين الذين عرفهم عن قرب. فلماذا لا يسهب في توثيق ما ارتكبته إسرائيل من جرائم صيف 2006 الناري؟ يجيب بليغريني قائلا «وددت أن أنقلها كما عايشتها، أردت أن أحافظ راوياً على موقفي المحايد جنرالاً، لم أرغب في أن أسهب في رواية أحداث لم أكن على يقين منها».
ومع ذلك ينبغي لمقاربة لبنانية أو عربية أقل تقشفاً أن تجعل من بعض فقرات الكتاب السريعة، وثائق فرنسية على جرائم حرب إسرائيلية، يمكن يوماً أن يطلب من كاتبها الشهادة أمام محكمة دولية تنعقد لمحاسبة إسرائيل على ما ارتكبه جنودها من جرائم.
«تضاعف استخدام القنابل العنقودية، في مناطق العمليات كافة، تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي مبرر تكتيكي لاستخدامها، وهي لا تبحث عن بلوغ أي أهداف عسكرية، بل تخوم القرى، وحقول الزيتون، التي يبدأ جنيها في ايلول. من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى معاقبة لبنان بأسره، لتركه حزب الله طليق اليدين».
وغني عن القول، إن الجنرال بلّيغريني لا يقدّم رواية مختلفة عما قدّمه اللبنانيون عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في قانا، ومروحين، والخيام. ويناقش الدوافع الإسرائيلية، التي تتلخص، بقربها من مواقع إطلاق «حزب الله» صواريخه. ولكن روايته عن قتل إسرائيل لأربعة من ضباط مراقبي الهدنة في سهل الخيام وقبل الهجوم عليها يستحق توثيقه كجريمة حرب.
«كان الموقع يحتله أربعة من الضباط: المايجور هانس بيتر لانغ، نمساوي. الرائد بايتا ديريك هس فان كروودر، كندي. العقيد دووز هاو، صيني. والمقدم جارمو ماكينان، فنلندي. في صبيحة الخامس والعشرين من تموز تعرّض الموقع لأكثر من عشر قذائف. كنت اتصل بعدها بالإسرائيليين لأطلب منهم وقف النار، لكنهم كانوا يتبعون خطة معدة مسبقاً، لإطلاق النار. طلبت من الكتيبة الهندية إجلاءهم. وفي هذه اللحظة أقفل الإسرائيليون هواتفهم. مساء، تلقيت مكالمة من الضباط، عن طائرة إسرائيلية تحلق فوق الموقع. في منتصف الليل، وجدت الكتيبة الهندية، تحت أضواء مدرعاتها، ثلاث جثث محترقة في الموقع/ ولم نعثر على الضابط الصيني، كل الدلائل في الموقع تشير إلى تدميره بصاروخ جي بي يو 28 الأميركي المخترق للتحصينات، ورغم إصرار كوفي أنان، رفض الإسرائيليون الاشتراك في أي تحقيق لجلاء ما جرى».
هل جرى استخدام اليورانيوم المنضب في جنوب لبنان؟
«إن اليورانيوم المنضب يستخدم لتقوية رؤوس القذائف لخرق التحصينات»، يشرح بليغريني لـ«السفير» مضيفاً «لقد استخدم الإسرائيليون انواعاً متعددة من القذائف، وقد جرى تحقيق بعد أشهر، ولم يعثر الخبراء على أثر لإشعاعات».
ما هي قناعتك جنرال، هل استخدم الإسرئيليون اليورانيوم المنضب في جنوب لبنان؟
فيعود ويقول: «لم نعثر على دلائل، لكن الشك لا يزال يراودني في ذلك، ولست وحدي».
ما هي حدود المهمة التي تقوم بها «اليونيفيل»، وهل بوسعها أن تطبق القرار 1701؟
ينبغي أن نصدق ما يقوله بليغريني لـ«السفير»: «لا ينبغي أن نصدق أن الدول المشاركة في «اليونيفيل»، تفعل ذلك لحلاوة أعين اللبنانيين أو الإسرائيليين. لديها أغراضها الخاصة، ومصالحها التي قد تتعارض في ما بينها، وبينها من هو مؤيد للعرب، وآخر لإسرائيل، ويحاول كل منها أن يطبق القرار 1701 كما يفهمه، وبما يخدم مصالحه».
هل بوسع «اليونيفيل» أن توقف وحدة دبابات إسرائيلية تخترق الخط الأزرق، وتطبيق مهمتها بمنع الأسلحة غير الشرعية في منطقة عملياتها؟
يجيب بليغريني «بعض المسؤولين الإسرائيليين يجيبون أنهم على اقتناع في أن بلداناُ كفرنسا وأيطاليا (نصف القوات الدولية وأفضلها تسليحاً) لن تخاطر بالتصعيد».
ولـ«السفير» يصف بليغريني ما بقي في ذاكرة الجنرال الكورسيكي من الصيف الناري: «هناك صورة لا تزال محفورة في نفسي، أتذكر تلك الصبيحة من الرابع عشر من آب، عندما حلقت مروحيتي فوق ركام مدينة بنت جبيل، وقفزت إلى خاطري صورة كنت شاهدتها صغيراً، في أحد كتب التاريخ المدرسية: مدينة درسدن الألمانية (التي شهدت أفظع تدمير خلال الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء). بدت بنت جبيل ذلك النهار أشبه بدرسدن الألمانية، لا شيء واقفاً فيها».