أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مسيحيّو 14 آذار: رحلة البحث عن موقعً

السبت 06 تشرين الثاني , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,905 زائر

مسيحيّو 14 آذار: رحلة البحث عن موقعً

كان الأكثريون بحاجة إلى خضّة تعيد إيقاظهم من السبات الغارقين فيه منذ أشهر. وإذا بالزيت ينسكب على النار عبر تسارع الأحداث الداخلية، بين ملفات الحكومة وشهود الزور والمحكمة وهيئة الحوار، وجريمة سيدة النجاة في العراق. شعر مسيحيو 14 آذار ـــــ وهم الراغبون بهذه الصفة الطائفية ـــــ بأن ثمة ما يدفعهم من جديد إلى الحلبة، وخصوصاً أنّهم قرأوا في مراصدهم حركة رياح غربية متجدّدة نحو لبنان.
تناقل الفرع المسيحي من 14 آذار هواجسه وناقشها جدّياً قبل أن تطرح "آخر الأفكار" إمكان عقد لقاء موسّع مع البطريرك الماروني نصر الله صفير. فاتح النائب السابق فارس سعيد صفير بهذا الموضوع يوم 29 تشرين الأول الماضي. رحّب البطريرك بالطرح على أن يرتب الأخير الأمور ويدعو المعنيين وينظّم شكل التحرّك. لكن الأحداث الداخلية والعراقية سرّعت عقد هذا اللقاء الذي تهامس الأكثريون حول موعده من دون إرباك لكون المطلوب من الاجتماع في بكركي معروفاً سلفاً: هجوم مرتدّ على الخصوم السياسيين عبر إثارة الملفات الحساسة مثل شرعية السلاح ودور المجتمع الدولي وانتقاد معادلة السلم الأهلي في مواجهة العدالة، وغيرها.
ووراء هذه النقاط التي وردت في بيان اللقاء، صوّب المشاركون في الاجتماع، وعلى رأسهم قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، سهامهم باتّجاه «الفريق المسيحي الموجود في الطرف الآخر»، محاولين تحويل اللقاء إلى ضربة للعماد ميشال عون والتيار الوطني الحرّ، بوصفه «مكلفاً تنفيذ مهمات بخلاف قناعاته وتاريخه». لكنّ هذا الهجوم لم ينجح تماماً، وخصوصاً أنّ الاجتماع لم يتمكّن من جذب شخصيّة مسيحيّة واحدة من الفريق الآخر.
هل هي إذاً عودة إلى قرنة شهوان؟ ليس تماماً. أكثر من نصف الحضور هم شخصيات محسوبة على تيار «المستقبل» لا على القوى المسيحية الفعلية، ما يضع رأس هذا التجمّع تحت رحمة الرئيس سعد الحريري وارتباطه بالسياسة الخارجية السعودية. وما يؤكد عدم جواز المقارنة بين «النداء» و«القرنة»، هو قول سعيد أنّ اللقاء هو عبارة عن "one shot event"، أي حدث لمرّة واحدة، رغم الحديث عن إمكان تأليف لجنة متابعة تضمّ ست شخصيات من الحاضرين لتنسيق العمل المستقبلي لهذا التجمّع.
هل هي استعادة لروح 14 آذار؟ ليس تماماً. فلم يشذّ لقاء أمس عن سائر اجتماعات الأكثرية، الموسعة أو الضيقة، السرية والعلنية، التي تتجنّب ذكر القرار 1559، علماً أنّه القرار الذي أسس لحالة 14 آذار وعبّد لها الطريق، وهو القرار الذي لا يزال حتى اليوم معلّقاً.

وصف النائب السابق فارس سعيد اللقاء بـ «one shot event»، أي حدث لمرّة واحدة

لعلّ لقاء بكركي مثّل اعترافاً بأزمة 14 آذار التي باتت اجتماعاتها هزيلة، وبيانات أمانتها العامّة مجرّد حبر على ورق. وقد انعكست هذه الأزمة على مضمون اللقاء الذي اقتصر على التباحث في رد فعل على قوى المعارضة، في مشهد مغاير لما كان سائداً إبّان ثورة الأرز، يوم كان الأكثريون المحرك الأساسي للحياة السياسية والمتحكمين بمسارها. فقد باتوا اليوم مثل قوى 8 آذار أيام ثورة الأرز، فريقاً أقصى طموحاته ردّ الكرة بدل توجيهها.
أراد الأكثريون أن يكون لقاء بكركي هجوماً عكسياً على الهجومات المتلاحقة التي نفّذها فريق المعارضة الأسبوع الماضي. سعوا إلى الردّ على تعطيل هيئة الحوار وإفشال جلسة الحكومة والإصرار على ملف شهود الزور والسعي إلى تعطيل المحكمة. وحاولوا إثارة حماسة البطريرك صفير لخوض المعركة السياسية. فوصفوه بـ«حامل الراية» و«البوصلة»، «ومُطلق 14 آذار منذ عام 2000».
وكما كان متوقعاً، ظهر سيد معراب أمس في صورة العراب. انتظره الوزراء والنواب في قاعة الاستقبال. وصل متأخراً ما يقارب ربع الساعة بعد أن كانت النائبة ستريدا جعجع قد سبقته إلى الحضور. وما أن دخل جعجع قاعة الاجتماع حتى لحق به صفير، وأقفلت الأبواب ليبدأ المضيف كلامه.
رحّب سيد بكركي بالحاضرين. عبّر عن سروره لرؤية كل تلك الوجوه في مكان واحد وفي التوقيت نفسه، ليقول إنّ ثمة مشكلة يجب التنبه لها، وثمة خطراً «يحدق بنا من كل صوب». لم يحدّد صفير ماذا يعني بـ«نحن»، الموارنة أو المسيحيين أو اللبنانيين. لكنه تابع مؤكداً أنه «يجب ألّا نتحايل على أنفسنا، والخروج عن الشرائع الدولية ومسلّماتها ينعكس قلقاً وخطراً على لبنان». أضاف صفير أنّ المطلوب هو توحّد القوى حول الدولة وتقوية مؤسساتها في كل المجالات. وتناول البطريرك موضوع المحكمة الدولية، فقال: «العدالة حق لا ينبغي النظر إليه بالتشكيك واستباق نتائج التحقيق».
ولم يغب القلق على مسيحيي الشرق عن اللقاء. فنقل أحد الحاضرين عن صفير رأيه أنّ «كل القضايا السياسية مجرّد قطع غيار أمام المسألة الكبرى، وهي الوجود المسيحي في الشرق».
ثم تحدث جعجع فشكر صفير الذي «حمل الراية في كل المراحل»، وشكر الأمانة العامة لقوى 14 آذار «التي أعدّت هذا اللقاء». وقال: «الطرف الآخر قاطع هيئة الحوار والحكومة ويعتمد منطق التهديد، وكل أداء فريق 8 آذار يدفعنا إلى الاقتناع بضرورة حماية البلد، وما يحصل لا يهدد دورنا وحسب، بل وجودنا أيضاً». وأكد جعجع ضرورة الثبات على المواقف والتصدي لكل محاولات القضاء على مشروع 14 آذار وثوابتها، وأشار إلى المحكمة الدولية قائلاً: «إذا رضخنا مرة فسنرضخ كل مرة عند كل استحقاق. لا مبرر للتراجع والفريق الآخر يستخدم منطق القوة لإلغائنا».
ثم تحدث الرئيس أمين الجميّل الذي رأى أنّ «الخطر على المسيحيين جعلنا نلتقي في بكركي، حامية الثوابت، ونضالنا المستمر هو من وحي بيان المطارنة عام 2000، وهذا البيان هو البوصلة التي نتحرّك على أساسها». وأشار الجميل إلى أن المطلوب قيام دولة للجميع ومد اليد للجميع. وتابع: «الخطر يمسّ المسيحيّين، لكنّه يمسّ كلّ اللبنانيين أيضاً، ويجب تأكيد ضرورة احترام الدولة ومؤسساتها واحترام القرارات الدولية». وتحدث الوزير ميشال فرعون الذي رأى أنّ «فريق 8 آذار يستخدم تعابير غير مقبولة». تلاه النائب فريد مكاري الذي قال: «لسنا طلّاب إلصاق التهم، نريد الحقيقة فقط ويجب التنبه إلى أنّ الفريق الآخر لا يريدها ويرفض القرارات الدولية». أما الوزير بطرس حرب، فأشار إلى أنّ «التهديد اليوم هو لكل اللبنانيين، ومن المؤسف أننا بعدما واجهنا الفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين، نواجه اليوم فريقاً لبنانياً ومن ضمنه مسيحيون».

نداء «من أجل لبنان»

هذه الأجواء انعكست في بيان «نداء من أجل لبنان» الذي أكد فيه المجتمعون وجود «قوى محلية وإقليمية أعلنت عزمها على سلخ لبنان عن محيطه العربي وعن المجتمع الدولي، ودفعه بالإكراه نحو خيارات مناقضة لتاريخه وعقده الوطني». ولفت البيان إلى خطورة الوضع «أمام معادلة ظالمة ومستحيلة ـــــ التنكر للعدالة حفاظاً على السلم الأهلي، أو التضحية بالسلم الأهلي من أجل العدالة»، فشدد المجتمعون على أنّ «لبنان، كياناً ونظاماً ديموقراطياً ومجالاً مفتوحاً على العالم، هو اليوم بخطر شديد، وهو خطر يطاول كل اللبنانيين، المسيحيين منهم الذين يخشون عن حق أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في العالم العربي جراء سقوط الدولة في بلدانهم وسيطرة التطرف الديني، والمسلمين منهم الذين يخشون عن حق أن تنتقل الفتنة التي اشتعل فتيلها في بعض العالم العربي إلى الداخل اللبناني».

أكثر من نصف الحضور هم شخصيات محسوبة على تيار المستقبل

وحدد المجتمعون ثوابت لبنان وصفاته على أنه «لبنان الحرية والتنوع في مواجهة الشمولية، السيد المستقل في مواجهة مشاريع الاستتباع، لبنان العدالة في مواجهة القمع والاستبداد، لبنان الصيغة الفريدة للعيش المشترك في مواجهة الفتن الطائفية والمذهبية، لبنان الدولة الواحدة في مواجهة مشاريع الدويلات، لبنان النموذج في محيطه العربي في مواجهة المشاريع الهادفة إلى تحويله رأس حربة ضد العالم العربي، لبنان القوي القادر بوحدة شعبه وجيشه ودعم أشقائه العرب ومساندة الشرعية الدولية على مواجهة أطماع إسرائيل».
وطالب المجتمعون الرئيس ميشال سليمان بالعمل «على وضع حدّ لازدواجية السلاح وحصر مسؤولية الدفاع عن لبنان بالقوى الشرعية مدعومة من الشعب اللبناني»، مشيرين إلى الدور الذي يجب أن يؤديه الرئيس في «مطالبة الدول العربية بتحمل مسؤولياتها في حماية لبنان من الهجمة التي يتعرض لها والتي من شأنها أن تضرب استقرار المنطقة العربية بأسرها، ومطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ تعهداته حيال لبنان، لا سيما القرارين 1701 و1757».
وعُقدت خلال عملية إعادة صياغة البيان الأكثري، مجموعة من اللقاءات الثنائية، منها خلوتان بين صفير وكل من الجميّل وجعجع، وأخرى بين الجميل وجعجع.
وانتقد جعجع بعد الاجتماع المسيحيين الموجودين في المعارضة فقال «ومع احترامي لهم فإنني لا أعرف صراحة مدى حرية قرارهم لكي «ناخد ونعطي» معهم، فبعضهم مكلف بمهمة معينة تذهب بخلاف قناعاته وتاريخه، ففضلنا أن يكون الاجتماع للمسيحيين الذين لديهم حرية اتخاذ القرار». ودعا جعجع « إلى التمسك بالمبادئ الرئيسية في اتفاق الطائف وميثاق العيش المشترك»، مضيفاً «لا يظننّ أحد أنه سيكون هنالك اتفاق دوحة ثان». ورأى في هذا السياق أن «المظلات العربية لا يمكنها أن تفعل أكثر من ذلك، والمسؤولية الكبرى على اللبنانيين».
وكشف جعجع عن «مجموعة خطوات سياسية سنقوم بها باتجاه المرجعيات الرسمية، وفي إطار المؤسسات الشرعية»، نافياً أن تتوجه هذه التحركات نحو الشارع.

فرنجية يردّ اليوم

وفي المقابل، لن يفوّت رئيس تيار المردة، الوزير سليمان فرنجية، زيارته المقررة اليوم إلى الرهبنة المارونية في غزير من دون الردّ على خطوة البطريرك صفير أمس. وقال مقربون إنّه سينتقد اصطفاف صفير إلى جانب 14 آذار بعد أن مرّت أشهر على ابتعاد سيّد بكركي عن الدخول في تفاصيل السياسة والتحالفات.
أمّا التيار الوطني الحرّ، فلم يعلّق على لقاء بكركي، واكتفى العماد ميشال عون، خلال زيارته دير مار يوحنا في جونيه، بالإشارة إلى أن «لا أحد يخيف أبناء المناطق المسيحية، ولا أحد سيدخل إليها وخصوصاً أن الجيش اللبناني موجود للدفاع. والمسيحيون عندما يحملون السلاح يُقتلون».
وكان لافتاً أنّ الوزير محمد فنيش ردّ بنحو غير مباشر على الدعوة التي أطلقها المجتمعون في بكركي لتحرّك الرئيس ميشال سليمان، فقال وزير حزب الله إنّ «من يطالب رئيس الجمهورية بنزع سلاح حزب الله هو الذي يوجه سهامه إلى الرئاسة الأولى، وهو الفريق الذي يتلطى وراء مواقع سياسية، والآن روحيّة، لتوظيف الجريمة في حسابات هدفها النيل من المقاومة».

Script executed in 0.21189498901367