يبذل الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط جهداً خاصاً لمنع المواجهة في مجلس الوزراء. نظرية الثنائي تقوم على أن الذهاب في جلسة الغد إلى التصويت، يعني أن هناك نيّة لإعادة الفرز السياسي إلى الواجهة السياسية وعلى موضوع شديد الحساسية، هو ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
في مكان ما، صحيح أن هناك حاجة إلى الحوار، بمعنى أن انقطاع الحوار يعني الذهاب حكماً نحو انفجار ما، داخلي أو إقليمي أو دولي، لكنه انفجار. وانقطاع الحوار سيفسح في المجال أمام مستوى أعلى من التعبئة والتوتر. وانقطاع الحوار سيكون له أثره على مؤسسات إدارة الدولة. وفي مكان آخر، الحوار يمكن أن تكون له نتائجه الإيجابية.
لكن في حالة سليمان وجنبلاط لا يمكن التوقف عند هذه الأسباب فقط، بل يجب الأخذ في الاعتبار أن الرجلين لا يريدان أن يكونا في هذا الموقع، ولا أن يتعرّضا لهذا الاختبار، لأنه، بكل بساطة، سينتج من أي موقف يصدر عنهما تبعات تترك آثارها المباشرة على المرحلة اللاحقة، وهو بيت القصيد، علماً بأنه قد يكون هناك شريك ثالث لهما، وهو ما يتهامس الجميع في دوره. لكنّ العارفين بأموره ينفون أي تردد في موقفه، وأقصد الرئيس نبيه بري.
حزب الله والتيار الوطني الحر ومعهما سوريا مع التصويت في جلسة الحكومة غداً. وبمعزل عن أي رهانات أو تعهدات أو تقديرات، فإن التصويت يعني عملياً أن القوى الرئيسية ملزمة بالتعبير عن موقفها من هذه المسألة الحساسة. والكل يعرف أن في سوريا، كما في قيادتي حزب الله والتيار، ثمة من يقول علناً: لنرَ كيف سيكون موقف سليمان وموقف جنبلاط؟
فكرة جنبلاط أن سعد الحريري يريد حلاً للمسألة، وهو قال للرئيس السوري بشار الأسد إن الحريري متهيّب الموقف، وهو يدرك حساسية الأمر، ولا يريد أن يأخذ البلاد إلى الفوضى، لكنه لا يريد أن يقوم بأي خطوة والمسدّس مصوّب إلى رأسه. وطلب جنبلاط من الأسد ومن معاونيه العمل على فتح الباب للحريري، فسارع الرئيس السوري إلى إطلاق تصريحاته في جريدة «الحياة» السعودية مرحّباً بالحريري في أي وقت، ومعلناً أنه رجل المرحلة في لبنان، أي إنه مرّر له الكرة حتى يسدّد الأخير في مرمى الخصوم، لكنّ الحريري أعاد، في اليوم نفسه، ردّ الكرة إلى حضن سوريا من خلال تصريحات لمقرّبين منه إلى جريدة «الشرق الأوسط» السعودية.
في بيروت كان رئيس الجمهورية يشرح لزواره سبب مساعدة رئيس الحكومة في تطيير الجلسة الأخيرة للحكومة. قال إنه فعل ذلك بناءً على طلب الحريري نفسه، لأن الأخير أبلغه أنه لا يريد مواجهة باسم شهود الزور، ويريد بعض الوقت لأنه يريد حسم الملف برمّته.
ولم ينس سليمان ومقرّبون منه الإشارة إلى أن الحريري لمّح إلى أنه في حال الإصرار على وضع بند شهود الزور من دون موافقته، فسيستخدم حقّه الدستوري في منع انعقاد الحكومة، أو الخروج من جلسة مجلس الوزراء، ما يعني رفعها بحسب الدستور.
لكنّ النتائج السياسية لما حصل يمكن مراقبتها من خلال تطورات لاحقة، منها الجولة المستمرة، ولو هاتفياً أو عبر البريد الإلكتروني، لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير جيفري فيلتمان، أو ما حمله وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت، الذي تبيّن أنه موفد فيلتمان وليس موفداً من رئيسه. وفكرة الرجلين هي التأكيد أمام جميع القوى اللبنانية أن ملف المحكمة الدولية لم يعد في بيروت، وأنه لا يمكن أحداً في بيروت التأثير عليه، وأن لبنان لا يمكنه أن يصدر أي قرار أو يقوم بأي عمل من شأنه التأثير على عمل المحكمة. وفي ذلك إشارة إلى احتمال لجوء مجلس النواب إلى إلغاء الاتفاقية التي عقدتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أو إلى وقف مساهمة لبنان في تمويل المحكمة.
خطوات فيلتمان وكوشنير، معطوفة على عملية شراء الوقت المستمرة من جانب الحريري وفريق 14 آذار، واستعادة الخطاب التعبوي من داخل بكركي نفسها، وإطلاق الحملات الإعلامية من كل حدب وصوب، كلها تصبّ في سياق واحد، وهو أن هناك من ينتظر خطوة ما، وفي هذه الأثناء ممنوع القيام بشيء. ولذلك، سيكون لموقف سليمان وجنبلاط الأثر الكبير على مسار الأمور، باعتبار أن من سوف «يحاسبهما» إنما سيفعل ذلك استناداً إلى أن عدم انعقاد الحكومة لا يُستخدم لإنتاج حل لبناني، بل لشراء الوقت، وذلك تمهيداً لمرحلة جديدة من المواجهة تحت عنوان إصدار القرار الظني.
وبهذا المعنى يمكن فهم سبب إصرار فريق المعارضة على بتّ مجلس الوزراء أمر شهود الزور، والمعارضة تعرف أنه لا يمكن تجميد عمل المحكمة الدولية إلى حين انتهاء التحقيق في ملف شهود الزور، كذلك فإن المدّعي العام الدولي دانيال بلمار قال صراحة، في مراسلته لوزير العدل إبراهيم نجار كما في ردّه على طلب اللواء جميل السيد، إنه لن يكشف عن ملفات يعتقد أنها قد تؤثر على عمل لجنة التحقيق. وهذا بحد ذاته سبب كافٍ للارتياب.
وسط هذه الفوضى، ألا يمكن سؤال 14 آذار، قادة وقواعد، السؤال الآتي: إذا كنتم لا تخشون شهود الزور، وإذا كانوا لا يؤثرون على مسار التحقيق، فلماذا هذه المعارضة لإخضاعهم للتحقيق، ولماذا هذا التستّر على ملفاتهم؟