أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الفارق بين لبنان ويوغوسلافيا: هنا يُحاكم المنتصر

الثلاثاء 09 تشرين الثاني , 2010 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,543 زائر

الفارق بين لبنان ويوغوسلافيا: هنا يُحاكم المنتصر

لا شيء أبطأ من الحياة في مدينة لاهاي الهولندية سوى سير «العدالة». تقول طرفة إن حشيشة الكيف التي تُخرج متعاطيها من الشعور بالزمن، هي السبب الذي يقف خلف هذا البطء. ففي هولندا، لا يُعدّ شراء الحشيشة وتدخينها جرماً جزائياً. وفي كثير من المقاهي، يُمنَع تدخين التبغ، وتُخصّص لمدخّنيه غرفة زجاجية لا تزيد مساحتها على متر مربع واحد، فيما يعبق دخان الحشيشة في المقهى بلا خوف من شرطة تلاحق المحشّشين. المحاكم الدولية بموظفيها الآتين من أربع جهات الأرض حوّلت لاهاي إلى مكان يصعب فيه تعلّم لغة البلاد. وهذه المحاكم باتت أجهزة بيروقراطية تنام فيها الملفات سنين طويلة قبل بتّها. محكمة يوغوسلافيا بدأت عملها عام 1993، وحتى اليوم لم تتمكن من إنجاز كامل مهمّتها، ما دفعها إلى إحالة نحو خمسين متهماً على المحاكم المحلية في دول يوغوسلافيا السابقة، بعدما قرر مجلس الأمن الدولي وقف تمويل المحكمة التي يتباهى بها أنصار العدالة الدولية، ابتداءً من عام 2013. أما المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، فيحتاج إلى نحو ثلاث سنوات قبل بتّ ما إذا كان صاحب اختصاص في ملف معروض عليه. بعد ذلك، يصبح بإمكانه مباشرة التحقيقات.

بلمار ورئيس القلم يتمتعان بشخصيتين تطغيان على شخصية كاسيزي

حتى اليوم، تبدو وتيرة العمل في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ناجية من الحشيشة وتأثيرها، أو هذا على الأقل ما يتراءى لزائر المحكمة التي يسعى العاملون فيها إلى ثَقب الذاكرة الجماعية، عبر الإيحاء بأن التحقيقات في الجريمة بدأت في آذار 2009، أي عندما باشرت المحكمة عملها، لا قبل هذا التاريخ بأربع سنوات.
وفي المحكمة الخاصة بلبنان يتلمّس الزائر أمرين رئيسيين: الأول هو الستار المضروب حولها، الذي يمنع الأجوبة عن السائل بذريعة سرية التحقيقات، حتى لو كانت الأسئلة تتعلق بالأعمال الإدارية والإجرائية لا غير. أما الثاني فمتصل بتجربة المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، التي يحلو للعاملين في «محكمة لبنان» إيجاد قواسم مشتركة معها.
في الأولى، لا تعطي القنوات الرسمية في «محكمة لبنان» إجابات واضحة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية إدارة الهيئة الدولية التي ربما ستحدد مصير البلاد. يردّدون ما يمكن أي قارئ أن يجده على الموقع الإلكتروني للمحكمة، حتى ليظن السامع أن هؤلاء مبرمجون لتكرار الكلام ذاته. لكنّ توجيه أسئلة إلى مصادر ترفض كشف هوياتها يأتي بنتيجة أفضل. تقول أوساط على صلة بمحكمة الحريري إن ثمة اجتماعات تُعقد دورياً تضم رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي والمدّعي العام دانيال بلمار ورئيس القلم بالوكالة هيرمان فون هابيل. وبحسب المصادر ذاتها، فإن الاثنين الأخيرين يتمتعان بشخصيتين تطغيان بسهولة على شخصية كاسيزي. ورئيس القلم بالإنابة، الموظف المنتدب من وزارة الخارجية الهولندية، «يتصرف كإمبراطور». وفي أروقة المحكمة، توجّه انتقادات كثيرة إلى أدائه، «لكنّ الرئيس كاسيزي يقف دوماً في صفه». وحتى اليوم، تضيف المصادر، خرج عدد من الموظفين من المحكمة بسبب خلافاتهم مع فون هابيل. وبعض العاملين في المحكمة يُعدّ نفسه للخروج منها بصمت، فيما تمكّن البعض الآخر من عقد تسوية مع المحكمة أدت إلى إطالة أمد عمله، مع ضمان أن يؤدي أعمالاً أقل مما كان يؤديه سابقاً. وفي بداية الصيف الماضي، قضى فون هابيل شهراً من العمل الاستشاري مع الاتحاد الأوروبي، بعيداً عن المحكمة.
ترى مصادر قانونية متابعة لعمل المحاكم الدولية في لاهاي أن لبنان تنازل عن حقوقه كلها في ما يخصّ المحكمة الدولية. ورغم أن ابتعاد الجانب اللبناني عن التدخل في أعمال المحققين الدوليين هو «أمر مفهوم، إلا أن ما لا تفسير منطقياً له هو تنازل الحكومة اللبنانية عن حقها في إجراء أي تدقيق مالي في ميزانية المحكمة، وخاصة أن لبنان يدفع 49 في المئة من نفقات المحكمة». وتقول المصادر إن حكومة لبنان لا تسأل عن ذلك، رغم أن المحاكم الدولية تشتهر بالقدر الكبير من البيروقراطية الذي يؤدي عملياً إلى إهدار الأموال تحت مسمّيات إدارية.
هذا في الجانب الإداري. أما في الجانب السياسي، فيظهر من كلام رئيس المحكمة والعاملين فيها أنهم بعيدون كل البعد عن النقاش الدائر في لبنان. فهم يتلقون استشارات سياسية من جهات ثمة شك كبير في قدراتها. فعلى سبيل المثال، استعان مكتب المدعي العام دانيال بلمار بسيدة فرنسية لتقديم الاستشارات السياسية له. وهذه السيدة لا تجيد اللغة العربية. وفي أول أيام عملها، طلبت من زملائها الناطقين بالعربية أن يزوّدوها بملخص عن الأوضاع السياسية في لبنان!

توجيه أسئلة إلى مصادر في المحكمة ترفض كشف هوياتها يأتي بنتيجة أفضل

أما كاسيزي، فلا يجد أمامه سوى التذكير بتجربة محكمة يوغوسلافيا التي كان يرأسها سابقاً. يقارن القاضي الإيطالي بين الأوضاع السياسية في لبنان وتلك التي كانت قائمة في يوغوسلافيا قبل إنشاء المحكمة. ويرى كاسيزي أن الاتهامات التي توجه اليوم إلى المحكمة التي يرأسها، متطابقة إلى حدّ بعيد مع ما كانت تواجهه محكمة يوغوسلافيا، وخاصة عند الحديث عن كونها تمثّل تهديداً للاستقرار السياسي والأمني. ويرى بعض أنصار «العدالة الدولية» أن المحاكم الدولية، في كل العالم، أدت إلى تحسين أوضاع الدول التي كانت مسرحاً لعملها، حتى إنها أوصلت الدول التي خُلقت من رحم يوغوسلافيا السابقة إلى «أبواب عضوية الاتحاد الأوروبي».
وبحسب مصادر على تماس مع المحكمة، فإن كاسيزي يردد كلامه على محكمة يوغوسلافيا من دون عميق معرفة بالتوازنات والتاريخ اللبنانيين. ويقول أحد الخبثاء إنه كان على الصحافيين اللبنانيين الذين التقوا كاسيزي أخيراً أن يسألوه عن مساحة لبنان، ليلمسوا مدى معرفته بواقع هذه البلاد. وترى الأوساط ذاتها أن الجهات السياسية الداعمة لمحكمة الحريري، ومعها بعض العاملين في المحكمة، يرون أن على القضاة أن يستمروا في عملهم، بغض النظر عن النتائج المباشرة له. فما عليهم سوى إصدار القرارات الظنيّة، قبل الانتقال إلى المحاكمات التي لا مانع من أن تكون غيابية. وليس على القضاة أن يُشغلوا بالتفكير في القدرة على جلب جميع المتهمين أو لا، أو في الجهة التي ستنفذ مذكرات التوقيف في حال صدورها. ويراهن داعمو المحكمة على إصدار قرارات وأحكام تدين أفراداً وقياديين من حزب الله، لتمثّل الأرضية الصالحة لتكرار السيناريو الذي اتّبع مع الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي أسقطته الحرب، قبل صناديق الاقتراع، ثم مثل أمام المحكمة بعد توقيفه.
ويغيب عن بال بعض العاملين في المحكمة الدولية، وبعض الجهات الداعمة لها، فارقان أساسيان بين محكمتي يوغوسلافيا ولبنان؛ يتمثل الفارق الأول في أن الجرائم التي وقعت في يوغوسلافيا السابقة ذهب ضحيتها عشرات آلاف الأشخاص، وكان ثمة نظام سياسي كامل مسؤول بوضوح عن ارتكاب هذه الجرائم الموصوفة، وما كان على المحكمة فعله هو تحديد المسؤولين التابعين لهذا النظام المتورطين في هذه الجرائم، وأولئك الذين حرّضوا وأمروا بتنفيذها. أما في لبنان، فقد وقعت جريمة ذات طابع أمني واستخباري، وثمة احتمالات كبيرة أن يكون طرف ما قد دخل على خط الخلافات السياسية لارتكابها. وبالتالي، فإن أصول التحقيق بين المحكمتين مختلفة جذرياً. أما الفارق الثاني، فيميّز «المحكمة الخاصة بلبنان» عن كل سابقاتها من المحاكم الدولية، لكونها الأولى التي يجري الإعداد لها لتحاكم فريقاً منتصراً، لا فريقاً مهزوماً كما جرت العادة منذ محاكم نورنبرغ بعد الحرب العالمية الثانية.



الدعم الأميركي ورفض نصر الله

 

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أمس، عن «أشخاص مطّلعين على عمل المحكمة الدولية» التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، أن المحكمة تتجه نحو اتهام اثنين إلى ستة عناصر من حزب الله قبل نهاية العام الحالي. وكشفت مصادر الصحيفة أن من بين المتهمين المدعو مصطفى بدر الدين. أضافت أن المحققين الدوليين يؤمنون بأن المسؤول العسكري السابق في حزب الله عماد مغنية قد «أدى دوراً مع صهره بدر الدين في عملية اغتيال الحريري و22 آخرين في العاصمة بيروت». وأشارت مصادر الصحيفة إلى أن المحكمة تعتمد في جزء كبير من قضيتها على رصد اتصالات هاتفية قام بها المتهمون في شهر شباط من عام 2005. وتؤكد المعلومات المنشورة أن المتهمين كانوا يستخدمون شبكة هاتفية مقفلة في ما بينهم، وقد اختُرقت حمايتها عندما اتصل أحد عناصر المجموعة بصديقته.
وفيما قالت الصحيفة إن أعضاءً من اللجنة المركزية لحزب الله رفضوا التعليق على أسئلتها بشأن الموضوع، نقلت عن مصدر أميركي رسمي رفيع المستوى يعمل على قضايا الشرق الأوسط قوله إن اتصالات أميركية عديدة جرت مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان لتأكيد «دعم الولايات المتحدة الأميركية للبنان ولعمل المحكمة الدولية»، و«لتذكيره بأننا نتوقع أداءً معيّناً من القوى العسكرية اللبنانية ومن الدولة». ونقلت «وول ستريت جورنال» عن مصادر أميركية مطّلعة تقديرها أن «حزب الله سيسعى إلى إطاحة الحكومة اللبنانية بالطرق الدستورية بدل تصويب سلاحه إلى الداخل»، وهو «سيتحدّى الاتهامات الموجهة إليه، وسيجرّد المحكمة من أي معنى لها في الداخل اللبناني».
الصحيفة ذكّرت باللقاء الأخير بين رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ناقلة عن لسان بعض المقرّبين من الحريري أن الأخير عرض على نصر الله «التعاون في استراتيجية معيّنة لإدارة الأزمة ومواجهة الاتهامات، لكنّ نصر الله رفض ذلك».


Script executed in 0.16967010498047