يختصر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط زيارته ووزراء حزبه لرئيس الجمهوريّة ميشال سليمان بالآتي: «لتأييد كلّ مساعي الرئيس في التشديد على ضرورة طاولة الحوار، ورفض التهجّمات التي لا معنى لها، والتي طالته أخيراً». بهذا الوضوح، يُعلن جنبلاط تضامنه مع سليمان. وهو تضامن يُعبّر عنه وزراء الحزب الثلاثة: أكرم شهيّب، غازي العريضي ووائل أبو فاعور. يتضامن هؤلاء أيضاً مع وزراء رئيس الجمهوريّة في استبعاد التصويت، أو كما قال جنبلاط من قصر بعبدا أمس: «فليكن التصويت آخر الأدوية. لكن علينا أن نتحاور للوصول إلى الصيغة المثاليّة لمواجهة القرار الظني حفاظاً على الأمن الداخلي».
اللافت، أنّه بعد الزيارة، صدرت من قصر بعبدا الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء يوم غد، يكون ملف شهود الزور أول بند على جدول أعمالها. و«خرجت» من قصر بعبدا أيضاً معلومات عن أن وزراء اللقاء الديموقراطي الثلاثة، إضافةً إلى وزراء رئيس الجمهوريّة ما عدا الوزير عدنان السيّد حسين (الذي سيصوّت مع إحالة الملف على القضاء العدلي) سيمتنعون عن التصويت، بحيث يكون عدد الممتنعين 7، في مقابل 11 مؤيّداً و12 رافضاً للإحالة. وقد سبق هذه المعلومات وزيارة جنبلاط لبعبدا «كلام» مفاده أن الوزير زياد بارود قد يلتزم بخيار المعارضة ويصوّت مع إحالة الملف على القضاء العدلي، فيما أجواء تيّار المستقبل تقول إن رئيس الجمهوريّة سيعمل على أن يكون التصويت تعادلاً بين الطرفين، إذ سيصوّت جنبلاط إلى جانب المعارضة السابقة. على هذا الأساس، التعادل يؤجّل الملف إلى جلسة أخرى. وهكذا يكون رئيس الجمهوريّة قد حافظ على موقعه «الرمادي».
يتحدّث جنبلاط بوضوح في هذه الأيّام. هو يُسمّي الأمور كما هي: «لا أفهم الموقف المتسرّع للبعض. فهناك تواصل سوري ـــــ سعودي، علينا أن ننتظر نتيجته وألّا نُخرّب عليه في الداخل». يُضيف أن الطرفيْن الأساسيين، أي حزب الله والمستقبل، سلّما الأمر إلى مرجعيّتيهما، المستقبل إلى السعوديّة وحزب الله إلى الرئيس بشّار الأسد. فيسأل جنبلاط عن سبب هذا التعطيل، «وما معناه؟ وما هدفه؟».
أمّا عن الدفاع عن رئيس الجمهوريّة، وخصوصاً أن زعيم المختارة لطالما تصارع هو ووالده من قبل مع رؤساء الجمهوريّة، وهو خاض حروباً مع بعضهم، فيُجيب الرجل: «هو من رؤساء الجمهوريّة القلائل الذين لم يجرّوا البلد إلى الخراب». هو يعتقد أن سليمان يعمل بهدوء للوصول إلى تسوية تحفظ البلد وسلمه الأهلي، ويسعى إلى الاستفادة من التواصل السوري ـــــ السعودي.
يعتقد جنبلاط أن هدف التواصل السوري ـــــ السعودي هو الوصول إلى صيغة معيّنة تحفظ التوافق الداخلي لاستيعاب تداعيات القرار الظني. ينفي زعيم المختارة في حديث مع «الأخبار» أن يكون مطّلعاً على النتائج التي توصّل إليها هذا التواصل. لكن بعد التأكيد مراراً أن هذا التواصل قائم بين الدولتيْن، فإنه يُضيف: «لا نستطيع ضرب هذا التواصل بمغامرات البعض أو عبثيّتهم. هناك طامحون إلى رئاسة الجمهوريّة في المعارضة وفي الموالاة».
وقال جنبلاط في قصر بعبدا إن «علينا أن نفصل بين القرار الظني والمحكمة. فالمحكمة قرار دولي، وهي لا تُلغى إلا من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن». وأوضح أن هذا القرار يحتاج إلى إجماع في مجلس الأمن، وهو غير متوافر حالياً.
هنا، يُشير جنبلاط إلى أن هذه المحكمة مسيّسة بالكامل، «وهذا لا يحتاج إلى إثبات. يقول البعض إن هذه المحكمة غير مسيّسة. شو هالكذبة. عندما تستطيع الدول الكبرى تأجيل القرار الظني أو عدم تأجيله، وعندما يكون هناك تباين بين المدّعي العام في المحكمة الدوليّة دانيال بلمار ورئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي، فإن هذا يعني أن هذه المحكمة مسيّسة بالكامل. لذلك، فإن ما علينا القيام به هو إلغاء مفاعيل القرار الظني في الداخل».
بالعودة إلى الداخل، لدى سؤال جنبلاط عمّا قاله رئيس تكتّل التغيير والإصلاح عن أن وزراءه سيُطالبون بالتصويت في أول جلسة وزاريّة لمناقشة ملف شهود الزور، فإنه ينفي معرفته بحصول صلات سياسيّة من أجل تفادي هذا الأمر، لكنّه يستغرب الإصرار على طرح ملف فرعي حين يكون النقاش والتشاور في الملف الأساسي وهو القرار الظني. وهو لفت في قصر بعبدا إلى أنه «لا بد من التذكير ببعض الوقائع، كي لا نضيع بين تصريح متشنّج من هنا وتصريح أهوج من هناك. قال الرئيس (سعد) الحريري إن هناك مشكلة شهود الزور، وشهود الزور ورّطوا العلاقات اللبنانيّة ــــــ السوريّة وسبّبوا تشنجاً هائلاً بين لبنان وسوريا. إذاً اعترف الحريري بشهود الزور، وقال في لندن إن سوريا لا تتحمل مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو على استعداد برأيي أن يناقش، بنحو توافقي، قضيّة القرار الظني».
يرفض جنبلاط التسمية التي أُطلقت على اللقاء المسيحي الذي عُقد في بكركي، ويُفضّل تسمية قرنة شهوان الثانية، «لأنه يُذكّر بقرنة شهوان»، ويربط نشأته بطريقة غير مباشرة بفوز الجمهوريين في الانتخابات النصفيّة الأميركيّة التي هُزم فيها الرئيس باراك أوباما. لذلك يرى أن الموجة الجديدة ستكون المزيد من الضغط على لبنان وسوريا وإيران. ويرى أن الثنائيّات الطائفيّة لا تفيد البلد بل تضرّه، مشيراً إلى الثنائيّة السنيّة ـــــ المارونيّة. يُحدّد جنبلاط الأولويّة في هذه المرحلة، وهي كيفيّة حماية لبنان من الفتنة والتشنّج السياسي والمذهبي، وحمايته من أي مغامرة إسرائيليّة.