مرّة جديدة، فشل مجلس الوزراء في حسم ملف شهود الزور ووضع اليد عليه، رغم مرور 85 يوماً على البحث والنقاش من دون جدوى، وذلك بسبب إصــرار رئيـس الحكومـة وفريـق 14 آذار على تجاهل هذا الملف الحساس والمهم، رغم اعتراف الرئيس سعد الحريري، في حديثه الشهير، بقضية شهود الزور وما سببوه من إساءة ونتائج سيئة على العدالة والعلاقة مع سورية.
موقف مسبق
هكذا ذهب فريق 14 آذار امس إلى الجلسة بموقف مسبق وهو تعطيل كل محاولة لوضع اليد جدياً على هذا الملف وبالتالي انتظار القرار الظني
الموعود بعد أن تأكد من خلال التطورات الأخيرة الضغط الأميركي من أجل التسريع في إصداره.
... موقف موحد
أما المعارضة، فقد ذهبت إلى الجلسة بموقف موحد وصريح وهو الاحتكام إلى التصويت لبت هذه القضية. لكن رئيس الجمهورية، وكما كان متوقعاً، وما كانت قد أشارت إليه «البناء» سابقاً، ظل على موقفه الرافض للجوء إلى التصويت والمشدد على وجوب التفاهم على الموضوع، مع علمه أن مثل هذا التفاهم صعب وغير متوافر في ظل إصرار 14 آذار على موقفها.
نقاش.. وإطالة
وفي ضوء هذه المواقف، بدت الجلسة من البداية أنها لن تنتج أي قرار حاسم في هذا الشأن، أما إطالة الوقت، فكانت بسبب النقاش الذي شارك فيه معظم الوزراء، والذي كان قانونياً وسياسياً في الوقت ذاته.
وفي المعلومات التي توافرت لـ«البناء» فإن رئيس الحكومة سعد الحريري كان يسعى للانتقال إلى مناقشة جدول الأعمال العادي من دون بت ملف شهود الزور، مع العلم أن رئيس الجمهورية كان يرغب من جهته برفع الجلسة بعد الانتهاء من مناقشة ملف شهود الزور، وهذا الأمر، جعل النقاش يطول في البند الأول. مع الإشارة أيضاً إلى أن هناك بنوداً في جدول الأعمال العادي هي عبارة عن مشاريع اتفاقات بالتراضي تصل قيمتها إلى ما يقارب المليار دولار.
ووفق المعلومات، فإنه بعد مداخلة رئيس الجمهورية التي شدد فيها على التفاهم، مستعرضاً الوضع العام والموقف في شأن هذا الملف، شارك معظم الوزراء موالاة ومعارضة في المداخلات.
موقف المعارضة
وتلخص موقف المعارضة بما يلي:
أولاً: ان القضاء العادي كان من المفترض أن يتصرف منذ زمن طويل، ويضع يده على هذا الملف (شهود الزور)، ولا يحتاج لا إلى ادعاء ولا إلى أي شيء آخر، وهذا أمر، كان سيوفر الكثير من الوقت والنقاش، لكن ذلك لم يحصل.
ثانياً: كذلك فإن المحكمة الدولية أعلنت أن الموضوع ليس من اختصاصها.
ثالثاً: من هنا، كان على مجلس الوزراء أن يتناول هذا الملف، وبالتالي يحيله إلى المجلس العدلي.
وبغض النظر عما قيل عن المجلس العدلي، فإن هذا المجلس هو الذي يعطي جواباً على هذا الموضوع.
رابعاً: إن ما جرى من نقاش طويل واستهلاك للوقت، يفرض علينا الاحتكام إلى الأصول، وبالتالي إلى خيار التصويت بدلاً من الاستمرار في المماطلة.
موقف ملتبس
أما الموالاة فكان خطابها ملتبساً وعكسته تصريحاتها في الخارج وهو محاولة التهرب من البت في الموضوع كلياً والانتظار إلى ما بعد القرار الظني، مع العلم أن هناك وزراء لا يعترفون بوجود ملف اسمه ملف شهود الزور، وهو أمر يتناقض مع تصريح الرئيس الحريري للشرق الأوسط الذي كان يفترض أن يترجم في مثل هذه الجلسة.
اقتراح سليمان
وقد بقي النقاش يدور في حلقة مفرغة مع الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية قدم اقتراحاً مكتوباً لإحالة الملف إلى لجنة نيابية وهو الأمر الذي واجه تحفظاً مباشراً من المعارضة حيث قال مصدر وزاري لـ«البناء» بعد الجلسة، لم يطرح الرئيس سليمان هذا الموضوع للنقاش ولم نناقشه في الجلسة، لكن مثل هذا الاقتراح ينقل المشكلة من مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي ويستهلك وقتاً إضافياً دون حلها، وهو اقتراح غير عملي والأفضل أن يبت بهذا الموضوع في مجلس الوزراء بعد أن أشبع درساً ونقاشاً خصوصاً أن هذا المجلس هو صورة طبق الأصل للجنة النيابية التي يمكن أن يحال إليها الملف.
مشادة الحريري ـ نحاس
وعلم أن مشادة كلامية جرت خلال الجلسة بين الرئيس الحريري والوزير شربل نحاس الذي تحدث عن ضغوط أميركية و«إسرائيلية» ما استدعى رئيس الحكومة إلى السؤال عن الفئة التي تتعرض لمثل هذه الضغوط وماذا يقصد بذلك.
وبعد نقاش أوضح نحاس أن مثل هذه الضغوط يتعرض لها كل لبنان وهي موجودة ولا يستطيع أحد إنكارها.
وهنا قال الرئيس الحريري إنه مستعد للتصويت على كل شيء.
فيلتمان يتصل بالحريري
وانسحاباً على ما تقدم به نحاس في مداخلته، وما تطرق إليه من ضغوط أميركية تمارس على بعض الأفرقاء في لبنان، كشف مصدر موثوق فيه لـ«البناء» أمس أن رئيس الحكومة سعد الحريري أُبلِغ من أحد الموجودين في قصر بعبدا خلال جلسة مجلس الوزراء أن شخصية دبلوماسية غربية تطلب الكلام معه عبر الهاتف، فتردد بداية في الاستجابة، عندها تقدم الشخص المعني من الحريري وأبلغه همساً اسم الشخصية المذكورة، فغادر الحريري على الأثر قاعة مجلس الوزراء بحجة الذهاب إلى المرحاض، لكنه شوهد يتكلم عبر الهاتف الخلوي في أحد أروقة القصر الرئاسي، وقال المصدر إن الحريري كان يخاطب محدثه على الهاتف باسم Mr minister ليتبين لاحقاً أن هذا الدبلوماسي هو مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان.
مداخلة سليمان
وبالعودة إلى مجريات الجلسة علم أيضاً أن الرئيس سليمان كان قد أكد في مداخلة له خلال الجلسة على خطورة وأهمية الملف المطروح (شهود الزور) وأنه لا يمكن التعاطي مع هذا الأمر بطريقة سياسية. فرد الوزير حسين الحاج حسن بالقول: إنه لا يجوز بعد 52 يوماً من البحث والمناقشات أن يصار إلى أي تأجيل أو مماطلة حول هذا الملف ولا بد من الحسم وإحالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، ونحن نطالب بذلك ولو تصويتاً، ولن نقبل أن يكون هناك أي نقاش آخر.
وبعد مداخلات لكل من الوزيرين فرعون وحرب طلبا خلالها التأجيل، كانت مداخلة للرئيس الحريري، فأكد أيضاً أن الموضوع سياسي، وإذا كنتم تريدون اتفاقاً فلنتفق، وأطلب منك يا فخامة الرئيس أن تطرح المخرج.
وقال: لا نريد أن نخرج من الجلسة ويقال إننا هددنا بالخروج من الجلسة، فإذا كنتم تريدون التصويت، فهناك الكثير من الملفات بحاجة إلى تصويت ونحن جاهزون.
وأكدت مصادر وزارية لـ»البناء» أن الجلسة سادتها أجواء متشنجة رغم أن المداخلات أخذت منحى سياسياً وقانونياً وأن كل الوزراء قد أعطوا رأيهم في ما خص ملف شهود الزور.
وقالت إن الحريري خاطب الوزراء قائلاً: نحن لا ننكر وجود ملف شهود الزور، ونحن جئنا بهذا الملف إلى مجلس الوزراء لكي نناقشه ونعالجه وليس لكي نحيله إلى المجلس العدلي.
وأيده في ذلك الوزير إبراهيم نجار الذي رأى أن ليس هناك من الناحية القانونية ملف اسمه شهود الزور.
ورد وزراء المعارضة على الحريري ونجار بالتأكيد أن طلب إحالة الملف إلى المجلس العدلي بفعل عدم تحرك القضاء العادي، ولو أن القضاء العادي كان قد تحرك سابقاً لما وصلنا إلى ما نحن فيه، ولا سيما أن مجلس الوزراء لا يحق له أن يخاطب القضاء العادي بل المجلس العدلي الذي يعود إليه أن يقول ما إذا كان ملف شهود الزور من صلاحياته أم لا.
اقتراح التأجيل
وفي نهاية الجلسة وقبل أن يأخذ الكلام رئيس الجمهورية، تحدث الوزير غازي العريضي فقدم مداخلة عما يواجه البلاد من مشكلات اجتماعية واقتصادية مشدداً على ديمومة حكومة الوحدة الوطنية وعدم فرطها وعلى ضرورة التفاهم، ثم اقترح نظراً لضيق الوقت وكانت الساعة تقارب التاسعة، تأجيل الملف إلى جلسة مقبلة.
خلوة
وكانت سبقت الجلسة خلوة مطولة بين الرئيسين سليمان والحريري علم أن الأخير أكد خلالها رفض التصويت في المطلق والتأكيد على ضرورة الاستمرار في مناقشة المواضيع الأخرى المطروحة على جدول الأعمال.
نصرالله
في هذا الجو، وفي خضم الصورة الرمادية، تترقب الأوساط الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال يوم الشهيد عصراً، والتي ستتضمن وفق ما بات معلوماً المزيد من التطورات حول قضية ملف شهود الزور والمحكمة الدولية.
ترقب جنبلاط
وفي المساعي والاتصالات التي سبقت انعقاد الجلسة علمت «البناء» أن جنبلاط بقي بعد عودته من دمشق في مناخ انتظار الاتصالات السعودية ـ السورية وبالتحديد بين الرئيس بشار الأسد والملك عبدالله بن عبد العزيز قبل أن يحسم أمر ملف شهود الزور والتصويت عليه في مجلس الوزراء إذا كان ذلك ممكناً، أما إذا تعذر ذلك فكتلة اللقاء الوزارية حاسمة في خيارها التصويتي إلى جانب المعارضة.
مبارك إلى بيروت
وفي سياق سياسي آخر، علمت «البناء» من مصادر موثوق بها أن مصدراً دبلوماسياً لبنانياً في مؤسسة عربية كشف لطرف اساسي في المعارضة أن رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة بذل جهوداً حثيثة لدى الرئاسة المصرية لقيام الرئيس حسني مبارك بزيارة «دعم وتوازن» إلى لبنان حيث يعلن موقف مصر الداعم للمحكمة الدولية ولفريق الأكثرية، لكن هذه الجهود كانت تصطدم بتردد مصري مراعاة لمعادلة التوافق السورية ـ السعودية. لكن بعد التطورات الأخيرة المتعلقة بالقرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبملف شهود الزور وتراجع تأثير معادلة الـ«س.س» تلقى السنيورة بحسب المصدر نفسه جواباً مصرياً على مساعيه ينطوي على التجاوب معها، ودخل وزير الأمن المصري عمر سليمان على الخط مبلوراً في الشكل إطار زيارة مبارك إلى بيروت بحيث تتم هذه الزيارة من دون تحضير معلن مسبق وإنما بشكل مفاجئ وعلى جناح السرعة وفي وقت ليس ببعيد تفادياً لحملة سياسية من المعارضة تستهدف الزيارة وأهدافها، بحيث يصل مبارك إلى بيروت فجأة ويزور القصر الجمهوري ثم يعقد خلوة في القصر الحكومي مع الرئيس سعد الحريري يغادر بعدها عائداً إلى القاهرة على أن يستتبع ذلك ببيان رسمي يصدر عن الرئاسة المصرية حول الزيارة وموقف مصر من الملفات المطروحة.
المقداد: نفضل لبنان
وفي المواقف أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد انه «إذا كان لنا أن نفاضل بين لبنان كبلد وبين محكمة مسيسة وتحقيقات ساقطة فإننا نفضل لبنان»، مشيراً إلى أن «على القيادات اللبنانية تحمل المسؤولية الحقيقية».
وفي محاضرة ألقاها في المركز الثقافي في مدينة الكسوة في ريف دمشق، أوضح «اننا نحن في سورية نشارك البعض في لبنان قلقهم من المحكمة لأننا نتأثر بالوضع في لبنان»، محذراً من «فوضى يمكن أن تدفع إلى موجة جديدة من المهاجرين اللبنانيين»، ومشيراً إلى أن سورية «غير قادرة على استيعاب المزيد من اللاجئين كما أنها لا يمكن أن تغلق أبوابها بوجههم، كما كان الحال سواء في الحرب الأهلية أم في عدوان تموز 2006».
وتطرق في المحاضرة إلى العلاقات السورية ـ المصرية فوصفها المقداد بـ«المؤسفة». ورداً على سؤال لـ«الوطن» السورية، أشار إلى أن «العلاقات مؤسفة ولكننا لا نؤمن بأفق مسدود مع أي دولة عربية، ومصلحة مصر هي بالتزامها بالمصالح العربية».
وعن الوضع العراقي أوضح أن «سورية تعتمد في استراتيجيتها مع العراق خمس نقاط أساسية هي ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من العراق، وإقامة علاقات إيجابية بين العراق وكل جيرانه بلا استثناء، وتشكيل حكومة عراقية تضم جميع أطياف الشعب العراقي، وأن يكون هناك مؤتمر وطني للمصالحة بين جميع العراقيين بغض النظر عن ولاءاتهم. أما النقطة الخامسة فهي التأكيد على الوجه العربي للعراق»، مشدداً على أن سورية «لا يمكن أن تتهاون في هذا الجانب».
رفض استئناف بلمار
على صعيد قضائي أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس حكماً بالإجماع رفضت بموجبه الاستئناف الذي قدمه المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار ضد القرار الصادر أخيراً عن قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرنسين، والمتعلق بطلب اللواء جميل السيد الاطلاع على المستندات التي استند إليها في احتجازه من قبل السلطات اللبنانية.
واعتبرت غرفة الاستئناف أن المحكمة مختصة بالنظر في طلب السيد وخلصت إلى أن لدى هذا الأخير أسباباً قانونية تجيز له تقديم طلبه إلى المحكمة.