البقاع ــ رامح حمية
في الكروم والبساتين وحقول التبغ تجد الصيّادين، حتى في تلك التي تمّت حراثتها، مطلقين العنان لآلاف الطلقات النارية، حتى يُخيّل للبعض من غير أبناء المنطقة، أنّ «جبهة قتال» قد فتحت. قرار منع الصيد والإجراءات الأمنية عند بعض الحواجز، لم تنجح في لجم «الغزاة» الذين بدأت جحافلهم تجتاح منذ أيام سهل البقاع، وخصوصاً سهول بعلبك ـــــ الهرمل الشاسعة. إنه موسم المطوق والسُمن. الموسم الذي ما إن يبدأ شهر تشرين الثاني، حتى تضج سهول حوش سنيد وبوداي وإيعات وطاريا وحربتا واللبوة، بمئات الصيادين الوافدين من المناطق اللبنانية كلها، الآتين لصيد المطوق والسمن والزرزور، لكون هذه السهول تُعد ممراً لهذه الطيور المنتقلة خلال هذه الفترة من أوروبا وتركيا الباردتين، إلى مصر الدافئة. زحمة الصيادين بدت لافتة، ولعل أكثر ما يلفت أيضاً مسارعة بعض الصيادين، وقبل بزوغ الفجر، إلى حجز بقعة ما، مخافة عدم العثور على موقع يصطادون فيه، فيضطر بعضهم إلى النوم داخل سياراتهم، في محاولة لمنع وافدين آخرين من السيطرة على «ملطش» (موقع) الصيد الذي اعتاده في المواسم الماضية. فادي أحد الصيادين الآتين من صوفر والذي اتخذ من إحدى قنوات المياه موقعاً له. بدا مشغولاً حتى خلال الحديث إليه، بإطلاق النار من بندقيته الأتوماتيكية. هكذا، بين عبارتي «وقعت... أمّها» و«... أخت هالخرطوش»، أتيح له الوقت ليقول لنا إنه وصل إلى سهل بلدة طاريا عند الثانية فجراً، وانتظر مع أصدقائه قرابة الثلاث ساعات داخل سيارته «حتى ما ياخد حدا هالملطش».
أحمد صياد آخر وجد لنفسه موقعاً في سهل بلدة كفردان، بالقرب من فخ آلة النداء الخاصة بصوت المطوق. بدت غلة الصياد لنا كبيرة، لكنها لم تكن بالنسبة له كذلك «بس 36 من ساعة ونص»، عازياً السبب إلى عدد الصيادين الذي «يفوق طيور المطوق»، مستطرداً بالقول: «إذا في قرار منع صيد وهيك عدد الصيادين، فكيف لو سمحوا به!»، مشيراً إلى أنه قصد المكان من منتصف الليل ليمارس فيه هوايته المفضلة. من جهة ثانية، عبّر فيكين عن استيائه، على الرغم من غلة 87 طير مطوق، لكثرة عدد الصيادين ومدى قربهم بعضهم من بعض، ما يمثّل «خطورة» برأيه قد تتسبب بحوادث قتل بالخطأ، ويقول: «بدك تنتبه من القواص من كل الاتجاهات. انطلقت من بيروت متأخراً لاعتقادي أن قرار منع الصيد سيحد من أعداد الصيادين، وأن رحلة صيدي ستكون موفقة، بس هيدا شي ما بيتصدق... الصيادي متل التراب».
وإذا كانت قرارات منع الصيد وبعض الإجراءات الأمنية لم تمثّل رادعاً، فإن الاعتبارات البيئية بدت غائبة كلياً عن الصيادين، وقد أشار عباس إلى أن تركيا تقضي على آلاف طيور الزرازير بطريقة الرش بالمبيدات ولا يرون ذلك كارثة، مشدداً على أن «الغيارى» على البيئة «يعبثون بها أكثر منا وأعمالهم كوارث طبيعية وبيئية... فليقفلوا المرامل والمحافر، أو خلّيهم يسكروا محالّ بيع أسلحة الصيد والخرطوش». أبو علي من جهته، ناشد المسؤولين تنظيم أمور الصيد وتحديد أوقاتها وأمكنتها، بهدف التخلص من قرارات المنع العشوائية، مشدداً على التنظيم الدقيق والقانوني لمسألة منح رخص الصيد، على أن «لا تشبه رخص القيادة التي تمنح للعميان». من جهته، صاحب أحد المحالّ التجارية التي يُباع فيها خرطوش صيد (رفض ذكر اسمه) أكد لـ«الأخبار» أن الأيام الأربعة الماضية شهدت حركة إقبال واسعة من الصيادين على شراء علب الخرطوش، ولم تقتصر على أيام نهاية الأسبوع، وأنه تمكن من بيع أكثر من 10 صناديق في غضون اليومين الماضيين، موضحاً أن نسب البيع كانت ستزيد أكثر لولا شراء معظمهم للخرطوش من شتورة أو زحلة أثناء قدومهم إلى البقاع.
«هيدا مش صيد، هيدا إبادة للطيور على أنواعها». بهذه العبارة يصف حسين قانصوه مدير مركز الجواد للتنمية والإرشاد الزراعي في الهرمل، ما يجري في سهول بعلبك ـــــ الهرمل. فعندما يقتل كل صياد ما يتراوح بين 100 و200 مطوقة أو سمنة، ويتخلل كل ذلك قتل لأنواع من الطيور الأخرى كالنسور والبواشق، «تكون النتيجة جرائم قتل وإبادة، لا صيداً، وأن ذلك بمثابة فتك بتوازن الطبيعة، وخاصة أن بعض الطيور تُسهم في قتل العديد من الحشرات والقوارض المؤذية لبعض المحاصيل الزراعية». ورأى قانصوه في تنظيم أمور الصيد وتحديد أوقاته وطرقه «أمراً ضرورياً لا بد منه»، على أن يكون ذلك بشروط صارمة تمنع الصيد في الأماكن المأهولة والقريبة من القرى، بالإضافة إلى منع بعض الأهل من تسليم قاصريهم أسلحة صيد.
بناءً على ذلك، يبدو أن تنفيذ قرار وقف الصيد دونه «صعوبات كثيرة»، كما يشير مصدر أمني بدا مطّلعاً على شؤون الصيد، حيث أشار إلى أن نظرة تاريخية واحدة إلى تاريخ منع الصيد في لبنان، تظهر أن قرارات مشابهة اتُّخذت على مدى القرن الماضي، بدءاً من فترة الانتداب الفرنسي، وصولاً إلى قرارات عام 1995 و1998 و2001، إلا أن الصيد، على الرغم من ذلك، بقي «شغالاً»، موضحاً أن الأمر يتطلب «جديّة» الدولة في التطبيق، وإلا فالأمور ستبقى على ما هي عليه.