واكد سماحة الامام الخامنئي ان العدو الصهيوني لم يعد اليوم عملاقا لا يقهر، خلافا لما كان عليه الحال قبل ثلاثين عاما. واضاف "ولم يعد الأمريكيون والغربيون هم أصحاب القرار في الشرق الأوسط دون منازع، خلافا لما كان عليه الحال قبل عقدين من الزمن". واعتبر السيد الخامنئي ان "الشعب الفلسطيني هو اليوم بطل المقاومة، والشعب اللبناني هو لوحده محطِّم الهيبة الزائفة للكيان الصهيوني وفاتح حرب ال 33 يوما (حرب تموز), والشعب الإيراني هو حامل الراية ومقتحم العقبات صاعدا نحو القمم" .
وفي ما يلي نص نداء الامام السيد علي الخامنئي الى حجاج بيت الله الحرام:
بسم لله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد المصطفى و آله الطيبين و صحبه المنتجبين
إن الكعبة الشريفة التي هي رمز الوحدة والعزة ومظهر التوحيد والقيم الروحية، تستضيف في موسم الحج قلوبا مفعمة بالشوق والأمل، توجهت من كل أرجاء المعمورة إلى مهد الإسلام مجيبة دعوة الرب الجليل مرددة نداء التلبية. إن الأمة الإسلامية تستطيع الآن أن تشاهد بعيون موفديها المجتمعين هنا من أصقاع العالم، صورة مضغوطة من رحابة ساحتها وتنوعها، وعمق الإيمان الذي يحكم قلوب أتباع هذا الدين الحنيف، وأن تقدر هذا الرصيد الهائل الذي لامثيل له تقديرا صحيحا .
إن معرفتنا بذاتنا من جديد، تساعدنا نحن المسلمين على أن نعرف المكانة اللائقة بنا في عالم اليوم والغد، وأن نسير باتجاهها . إن تنامي موجة الصحوة الإسلامية في عالمنا المعاصر، حقيقة تبشر الأمة الإسلامية بغد سعيد. فمنذ أن بدأت هذه الانطلاقة القوية قبل ثلاثة عقود، بانتصار الثورة الإسلامية وقيام النظام الجمهوري الإسلامي، راحت أمتنا العظيمة تتقدم بلا توقف، وأزالت عقبات من طريقها واستولت على خنادق. وإذا كان الاستكبارقد زاد من التعقيد في أساليب عدائه وبذل جهودا باهظة التكلفة لمواجهة الإسلام، فذلك بسبب هذا التقدم نفسه.
إن ما يقوم به العدو من عمل إعلامي واسع النطاق لإشاعة الخوف من الإسلام، والجهود المتهورة التي يقوم بها لزرع الخلاف بين مختلف الطوائف الإسلامية وإثارة العصبيات الطائفية، وما يدأب عليه من اختلاق عدو وهمي للسنة من الشيعة وللشيعة من السنة، وبث الفرقة و الشقاق بين الدول الإسلامية، و السعي لتصعيد الخلافات وتحويلها إلى عداوات ونزاعات غير قابلة للحل، واستخدام الأجهزة الاستخباراتية والجاسوسية لحقن سموم الفساد والفحشاء في صفوف الشباب، ...فإن كل ذلك لايخرج عن كونه ردود فعل مرتبكة وعشوائية أمام حركة الإمة الإسلامية المتينة وخُطاها السديدة في طريق الصحوة والعزة والحرية .
اليوم، لم يعد العدو الصهيوني عملاقا لا يقهر، خلافا لما كان عليه الحال قبل ثلاثين عاما؛ ولم يعد الأمريكيون والغربيون هم أصحاب القرار في الشرق الأوسط دون منازع، خلافا لما كان عليه الحال قبل عقدين من الزمن؛ ولم تعد التقنية النووية وغيرها من التقنيات المعقدة بعيدة عن متناول الشعوب المسلمة في المنطقة ولم تعد بالنسبة لها أحلاما بعيدة المنال، خلافا لما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن. إن الشعب الفلسطيني هو اليوم بطل المقاومة، والشعب اللبناني هو لوحده محطِّم الهيبة الزائفة للكيان الصهيوني وفاتح حرب ال 33 يوما (حرب تموز)؛ والشعب الإيراني هو حامل الراية ومقتحم العقبات صاعدا نحو القمم .
إن أمريكا المستكبرة التي تزعم لنفسها قيادة المنطقة الإسلامية، والتي تشكل الحامية الرئيسية للكيان الصهيوني، قد وقعت في الورطة التي أوجدتها بنفسها في أفغانستان، كما أنها بدأت تنعزل في الساحة العراقية بعد كل تلك الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العراقي، وأنها في باكستان المنكوبة أصبحت مبغوضة أكثر من أي وقت مضى. إن الجبهة المعادية للإسلام التي ظلت لمدة قرنين من الزمن تتحكم في مصير الشعوب الإسلامية ودولها بظلم وتعسف، وتنهب ثرواتها نهبا، تشهد اليوم زوال نفوذها وتصدي الشعوب المسلمة لها بشجاعة وبسالة .
وفي المقابل، أصبحت حركة الصحوة الإسلامية تتقدم وتتعمق أكثر فأكثر على مر الأيام . إن هذه الأوضاع التي تبعث على الأمل وتحمل معها البشارة، لابد لها - من جهة - أن تدفع بنا نحن الشعوب المسلمة إلى مستقبل منشود بثقة أكبر من أي وقت مضى، كما ينبغي – لها من جهة أخرى - أن تُبقينا بدروسها و عبرها أكثر وعيا و يقظة من أي وقت مضى. ولاشك أن هذا الخطاب العام يجعل علماء الدين والقادة السياسيين والمثقفين والشباب، ملتزمين أكثر من غيرهم، ويطالب هؤلاء بالمجاهدة والريادة .
يخاطبنا القرآن الكريم بنبرة بليغة و حية فيقول: "كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". فإن الأمة الإسلامية حسب خطاب العزة القرآني هذا قد أخرجت للبشرية، وإن الهدف من وجود هذه الأمة هو إنقاذ البشرية وتحقيق الخير لها . كما أن الواجب الكبير الملقي علي عاتق هذه الأمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان الراسخ بالله تعالى. ولامعروف أسمى من إنقاذ الشعوب من براثن هيمنة الاستكبار الشيطانية، كما أنه لا منكر أبشع من التبعية للمستكبرين وخدمتهم. إن مساعدة الشعب الفلسطيني والمحاصرين في غزة، والتعاطف والتعاضد مع شعوب أفغانستان وباكستان والعراق وكشمير، والمجاهدة والمقاومة أمام العدوان الأمريكي والصهيوني، والسهر على وحدة المسلمين، ومكافحة الأيدي الوسخة والألسن العميلة التي تحاول المساس بهذه الوحدة، ونشر الصحوة والشعور بالمسؤولية والالتزام بين الشباب المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية،... كل ذلك يعد مسؤوليات جسيمة تلقي على عواتق الخواص من أبناء الأمة .
إن المشهد الرائع الذي يبلوره الحج، يرشدنا إلي المجالات الملائمة للقيام بهذه المسؤوليات، ويدعونا إلى مضاعفة العمل والهمم .
والسلام عليکم ورحمة لله
السيد علي الحسيني الخامنئي