أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أحمد فتفت يضع رداء الطبيب.. ليتمركز في فوهة مدفع

الأحد 21 تشرين الثاني , 2010 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,980 زائر

أحمد فتفت يضع رداء الطبيب.. ليتمركز في فوهة مدفع
محيّر أحمد فتفت. الخمسيني الدمث الجالس في صالون بيته قرب «اوتيل ديو»، يحكي بسرعة ولا يتلعثم أبداً. يبدو كمن تحضر مسبقاً للإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليه الآن.
النائب من سير الضنية منذ العام 1996، وأكثر وزير للداخلية (بالوكالة) إثارة للجدل في تاريخ لبنان، ما زال يحمل صفات مهنته طبيباً، في الصوت الاقرب إلى الخفوت، والتعبير المضبوط لليدين، وربما، في امتحان الكتابة، الذي لو خضع له لتبين أن خطه رديء، كما أي طبيب آخر، ولا مجاز في هذه العبارة بالتحديد، بخاصة إذا كان القارئ هو موضوع النص، معالي وزير الشباب والرياضة السابق، الدقيق جداً في قراءة كل كلمة تناولته أو تتناوله، والمستعد دائماً، للرد والرد على الرد.. إلى ما شاء الله.
أحمد فتفت محيّر لهذا السبب. لأنه، في الشكل، طبيب تام، لن يلاحظ أي من زملائه في المجلس النيابي فرقاً فيه إذا توجه إلى ساحة النجمة مرتدياً «الروب» الأبيض، وقد تدلت السماعتان الطبيتان حول عنقه. أما في المضمون، فأحمد فتفت سياسي بإفراط.
في الأشرفية، في شقة لمبنى عادي قديم ليس عند مدخله أي إجراءات أمنية علنية، يقطن فتفت. كان محظوظاً، يقول، لأنه اشترى بيته هنا قبل الارتفاع الجنوني في الأسعار، بينما باع، بعد السابع من ايار، شقته في رأس النبع، بعد هذا الارتفاع.
النائب الشمالي الذي انضوى تحت الجناحين الواسعين للرئيس رفيق الحريري منذ العام 1998 يحكي في السياسة، إذ يشير إلى أن مدخوله هو من راتبه الشهري إضافة إلى صفة استشارية لشركة تأمين. ليس ثرياً إذاً. وربط الثراء بالعلاقة مع آل الحريري موضوع «ينقصه الكثير من الدقة، فهم معهم مال، وأنا ليس معي». وحين السؤال عن غيره ممن أثروا بعد العمل مع آل الحريري، يرفع كتفيه بلا اكتراث: «ربما هم عملوا وفتحت لهم مجالات. أنا لم أهتم بالموضوع. وهذا يريحني كسياسي لأنني عنيد ومستقل».
عنيد باعترافه، هو الفخور بأنه رفض التمديد للرئيس إميل لحود، وهو المصر بأنه كان مستعداً لترك العمل السياسي لو أن الرئيس رفيق الحريري لم يكن راضياً عن رفض أحمد فتفت للتمديد. غير أنه يرى أن الحريري وجد في امتناعه حينها تعبيراً رمزياً عن رفضه.
مستقل أيضا باعترافه. غير أنها استقلالية ذات مروحة واسعة. فهو، خلال وجوده في بلجيكا كطالب طب، تطوع ليكون الناطق باسم الحركة الوطنية من غير أن ينتسب إلى حزب من أحزابها.
وبعد عودته إلى لبنان، ومزاولته مهنة الطب، رأس «النجدة الشعبية اللبنانية» في الشمال، وهي مؤسسة صحية تابعة بالكامل للحزب الشيوعي اللبناني، لكنه لم يكن شيوعياً يوماً، وعمله في «النجدة» كان عن طريق والد زوجته، الدكتور نزيه مظلوم، الحزبي الشيوعي الطرابلسي المعروف.
ينفي فتفت عن نفسه اليسارية، بل يظنها كانت أحد أسباب عدم اقتراب رفيق الحريري منه، هو الذي فوجئ بأن فتفت خريج بلجيكا وليس خريج الاتحاد السوفياتي. يسارية يصر عارفون بالشأن الشمالي بأن فتفت حمل لونها في بداياته، وان تنكر لها لاحقاً. وهو، إذ يتقدم عن كثر في حبه لمكوّنات 14 آذار اليمينية، فلأنه مؤمن بما يفعل، بغض النظر عما اذا كان ما يفعله صحيحاً، يقول هؤلاء العارفون.
في نشاطه السياسي ايضاً، كان مقرباً من «ندوة العمل الوطني» ومن عميدها الرئيس د. سليم الحص، في النص الاول من التسعينيات وكان الرئيس الحص في حينها جاذباً لجمهور متنوع مناطقيا وطائفيا.. لكن فتفت لم ينضو تماماً في خيارات الحص. ثمة هامش سياسي حافظ عليه، يتسع مبتعداً حتى ينقطع مع الحص، ليقترب حتى درجة الالتصاق الكبير مع الحريري الأب. هنا ايضاً يحاول النائب الاشارة إلى هامش أيضا مع «المستقبل»، يحتاج المرء إلى تدقيق، وبعض سذاجة لكي يراه.
ففي الغالب، وفق الله النائب في مسعاه بعد طول بحث. ورفيق الحريري خيار سياسي كبير يمكن النائب أن يكون معه ويظل يمارس عناده السياسي، ليتمركز في فوهة المدفع حين تندلع «الحرب» بعد 14 شباط 2005.
وفي هذه الفوهة، و«بجنوح» من يحرق كل المراكب خلفه، بنى فتفت نجومية فريدة من نوعها. من حكاية مرجعيون إلى عبارة مذيعة الأخبار التي أفلتت على هواء «ان بي أن» يوم اغتيال النائب وليد عيدو تقول فيها إن الآتي هو فتفت.
نجومية قامت متزامنة مع علاقة مأزومة بناها أحمد فتفت مع الجمهور المعارض، إلى درجة بات يصعب معها ذكر اسم فتفت من دون ربطه، تلقائياً، بالشاي.
للنائب المحسوب على صقور المستقبل أسبابه لهذه العلاقة المأزومة. فهو ممن يردون دائماً، بحدة على الطرف السياسي الآخر الذي خوّن عبر إعلامه وزير الداخلية بالوكالة. بالرغم من ان مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا قال له بالحرف إن احمد فتفت كان أكثر من ساعد حزب الله من بين كل وزراء الداخلية. لماذا الهجوم إذاً؟ «لأنك ترد علينا دائماً» قال صفا لفتفت بعد شهر ونصف تقريباً على انتهاء حرب تموز.. أو، بالتحديد، «يوم ما سمي بخطاب النصر الإلهي».
«ما سمي» تمر عادية ويكاد الواحد يظن أن النائب لا يقصدها، لكن النائب هو أكثر من ينتبه إلى هذه المفردات التي، وان قيلت بأكبر لطف ممكن، تبقى كوخز الابر..
«أنا أشرف الناس»، يتابع، و«من يخونني فهو الخائن».. وجميعنا يعرف أن لفتفت القدرة على برهنة التهمة رداً على التهمة، لأنه ممن يكيدون للآخر. والكثيرون في لبنان لديهم هذه الملكة، وهم، لحسن الحظ أو (لسوئه.. لسنا ندري)، موجودون في الفرق السياسية كافة.. والطبيب الشمالي ليس استثناء. غير أنه على الاقل من مجيدي لعبة الكيد.
أحمد فتفت سيكون معنياً، إذاً، في كل مرة يخاطب السيد حسن نصر الله جمهوره نادهاً، «يا أشرف الناس»، مع أنه خصمهم اللدود. ومع أنه يرى أن الهجوم عليه في إعلام المعارضة، والشائعات ضده، تنقلب في العادة لمصلحته أمام الرأي العام، بدليل ازدياد شعبيته في الشارع الشمالي، مقابل زملاء آخرين لا يكاد أحد يسمع أصواتهم.
محيّر أحمد فتفت؟ ليس تماماً، اللهم إلا في اختلاف الشكل، الطبيب بالرداء الابيض، عن مضمون السياسي الذي يؤكد مراراً أن انخراطه في الشأن العام ليس مرده الرغبة بالسلطة بل حبّاً بالعمل السياسي نفسه. الحب للحب إذاً. وهو مستعد للتخلي عن السياسة بسهولة اذا ما تناقضت مع مبادئه. هذه ليست مثالية، يقول فتفت، بل، «ببساطة لأنني أنا هيك».
«هو هكذا». بذلك، تكون السياسة هواية الطبيب ومتعته الشخصية التي لا مشكلة لديه في خلعها للعودة إلى الرداء الابيض. قد يعوّل على مثل هذا الكلام لو أن النائب لم يباشر العمل السياسي المدروس بعناية مذ كان طالباً جامعياً. ولو أن النائب يجهل نجومية استثنائية تشبه السيف الذي إذا كان أحد حديه ضده، فإن الثاني سيكون معه. فإذا كانت حادثة شاي مرجعيون تلاحقه كلعنة، تصل إلى حد وجود أغنية بمطرب وكورال يغنون ذاك الهتاف المعروف ضده، حول القهوة والشاي، فثمة مقلب آخر سيقدمه بالطبع، على زملائه الذين في صفه، فلا يعود مهماً أن الرجل ليس من النواب الخدماتيين، لأنه ممن يتطرفون في الموقف.
فإذا كان الشاي لاعباً ضده عند هذا الجمهور، فالمشروب الساخن سيكون باباً للتضامن معه عند الجمهور المقابل.
تخطى فتفت حكاية مرجعيون هذه في أي حال. في نهاية الحوار معه، يصاب النائب بالإحراج الشديد، الصادق، لأنه انشغل عن واجب الضيافة. غير أنه يصر على الواجب، فتكون قطعة الشوكولا بديلاً للشاي الذي نسي الطبيب أمره.

Script executed in 0.1956090927124