«إن لبنان لا يقوم ولا يبنى، ولا يستقيم أمره إلا بمشاركة أبنائه، كل أبنائه، في مسيرة الوفاق الوطني، وكل من يعمل على خلق الشقاق بين اللبنانيين مدان في شرف انتسابه إلى هذا الوطن»
رفيق الحريري
مع وصول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس إلى مطار بيروت، بعد مضي أيام قليلة على مغادرة الرئيس ميشال سليمان له إلى قطر وعودته منها أمس الأول الثلاثاء، واستعداد الرئيس سعد الحريري لمغادرة المطار عينه إلى طهران بعد أيام، يكاد لبنان يتحول مطاراً، بعدما كان ساحة.
وهو أصبح على هذه الحال، ليس لأنه أرض صالحة لبناء المطارات، ولا هو مدى كاف للساحات، بل لأنه أهمل حقيقة تاريخية في خضم النزاعات الطائفية والصراع على النفوذ.
فقد سبق لأبي الدستور ميشال شيحا أن لفت النظر منذ عام 1931، في مقال شهير له نشر في عدد شباط من مجلة «المشرق» في تلك السنة، إلى «أن شعباً، يعتبر نفسه أمة، لا يستطيع أن يثبت على مفترق الطرق التي تخترقه ـ وهو على أبواب أفريقيا وآسيا وأوروبا ـ أكثر من 20 دولة تشتهيه وتطمع فيه على نحو طبيعي، إلا إذا كان قوياً في ذاته...»، مشيراً إلى أن بعض هذه
الشعوب لم تعرف في تاريخها «الاستقلال الكامل».
وأوضح في مكان آخر من المقال «أن بلاداً تُعتبر مفترق طرق تتحول مع الوقت ساحة عامة...». داعياً اللبنانيين إلى السعي من أجل «الحلول المعتدلة والحكيمة»، التي تعكس «إدراكاً صبوراً من اللبنانيين للمصلحة العامة»، مستبعداً، تحت خطر الوقوع في الاستئثار والديكتاتورية، «سيطرة فريق واحد على الآخرين». ومستبعداً كذلك «التشنّج، أياً يكن نوعه».
إن من ينظر اليوم إلى حال الشلل التي وصلنا إليها، وتبصّر في الطريقة التي يُدار بها البلد بعد الطائف، يدرك كم ابتعد لبنان عن طريق الحكمة والتعقّل اللذين نصح شيحا اللبنانيين بسلوكها. غير مستغرب تحوّل لبنان ـ بفعل التطور والحداثة ـ من ساحة إلى مطار، لأنه أهمل بكل بساطة أن يكون «قوياً في ذاته»، وتحول الحكم فيه طائرة دائمة التحليق خارج الوطن ـ المطار، لا تكاد تحط حتى تقلع من جديد، بحثاً عن القوة والحل لمشكلات الوطن الصغير الذي يشكّل سكانه خمس سكان اسطنبول التي حكمتنا قرابة خمسة قرون، ولم تخلُ سراياتها يوماً من الصراعات، لكنها لم تفقد يوماً قوتها الذاتية وثقتها بقدرة شعبها على احتلال مكانه بين الشعوب، وها هو اليوم يطرق باب أوروبا للانضمام إلى اتحادها شريكاً كامل الأوصاف.
والمرحلة التي يعبرها لبنان حالياً، والتي تتسم بانقسام حاد في صفوف شعبه، سبق له أن واجه مثلها عام 1936 يوم انقسم اللبنانيون بين مطالب بالاستقلال الناجز، وداعية لاستمرار الارتباط بفرنسا عبر توقيع معاهدة معها. واجتاحت البلاد آنذاك فوضى طائفية واجتماعية. وصدرت أصوات محذّرة من تغليب مصالح الطوائف على مصلحة الوطن، لأنه سيكون هو الخاسر في نهاية المطاف.
فكان أن انتصرت مصلحة الوطن على مصالح الطوائف وحظي لبنان باستقلال ناجز في 22 تشرين الثاني 1943، أعقبه جلاء القوات الفرنسية عن أراضيه.
وقد ظُنّ آنذاك أن الاستقلال سينقل لبنان من نظام طائفي يتقاسم «باروناته» السلطة والنفوذ، وتتحكم الطوائف بمستقبله، إلى نظام عصري، غير طائفي، ديموقراطي برلماني، يؤمّن تمثيلاً عادلاً لكل «الجماعات المتآلفة» فيه، مبقياً الطوائف خارج المؤسسات، من دون أن يتعرض لها كجماعات دينية، وحائلاً دون تحولها شعوباً تقف في طريق الوحدة الجامعة للشعب الواحد، والدولة الواحدة، في إطار هوية عربية واحدة، بديلاً من الوجه العربي فحسب!
وقد تجلّى هذا الفشل في المشروع الاستقلالي في مفهومه الحضاري في الاحتفالات التي جرت في الذكرى السابعة والستين للاستقلال، حيث حاول الحكم المتنازل عن أجزاء من السيادة، وخصوصاً القضائية والعسكرية، الاختباء وراء عرض عسكري رمزي.. وبدا لبنان كأنه يخجل بعناصر قوته، ظالماً الجيش الذي كان يفترض أن يشكل العنوان الرئيسي لهذه القوة، لو قدّر لأركان الحكم أن يزوّدوه الأسلحة الضرورية للدفاع عن الأرض والحدود في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، إلا أن ما حصل هو تحويل الجيش رديفاً لقوى الأمن الداخلي، قوة ردع داخلية، بينما المهمة الرئيسية للدفاع عن الوطن تُركت للمقاومة، وبمشاركة الجيش حيث يجب وخصوصاً بعدما نجحت المقاومة في امتلاك وسائل الحرب وأكثرها ردعاً للعدو الإسرائيلي الذي امتحنها بين 1982 و2000 ثم في حرب تموز التي باتت تدرّس إنجازاتها في المعاهد العسكرية في العالم، وكيف أن حفنة من المقاومين والعسكريين المؤمنين بحق وطنهم في الحياة، استطاعوا أن يهزموا واحداً من أقوى الجيوش وأكثرها تسلحاً في المنطقة، بل في العالم.
وتساءل مواطنون كثيرون، بعدما أصغوا إلى رسالة الاستقلال التي وجهها الرئيس ميشال سليمان إلى اللبنانيين عشية الذكرى السابعة والستين للاستقلال، عن أسباب خلو الرسالة من أي إشارة إلى مقاومة الشعب كجزء من المنظومة الدفاعية، وإن يكن مشرّفاً لكل لبناني أن يكون «الدور الأساسي للجيش» في أي استراتيجية دفاعية.
كما تساءلوا عن مبررات تغييب المقاومة عن العرض العسكري، وكأن في الدولة من يستحي بقوته، علماً بأن المقاومة تشكّل حالياً توأماً مع الجيش في القوة العسكرية، ولا سيما القوة الصاروخية التي تمتلكها المقاومة في ظل منع السلاح الدفاعي والهجومي عن الجيش. ثم أليست المقاومة جزءاً من المجتمع المدني الذي شارك في العرض؟ مع الإشارة إلى عدم جواز وضع الجيش في موضع غير ملائم، وعدم الاعتماد كثيراً على حادثة عديسة كنموذج لما هو مطلوب من الجيش الوطني الذي يفترض أن يكون غير ما هو اليوم، أي بعديد كبير وعتاد مناسب، ومسؤولاً وحده عن سلامة الحدود الجنوبية، بدل ترك قوات أجنبية تنتمي إلى أكثر من 30 دولة «تحرس» الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية مقدسة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وقد منعت هذه الدول، وعرّابها الأميركي، الجيش اللبناني من تحرير هذه الأرض. وهذا يعني في القاموس الدستوري تخلياً عن السيادة والاستقلال. وتساءل آخرون عن أسباب تجاهل رئيس الجمهورية، في الرسالة الاستقلالية، موضوع «شهود الزور» والمحكمة الدولية التي تشكّل، بالطريقة التي أُنشئت بها، تنازلاً آخر عن السيادة والاستقلال. لقد كان أولى بالحكم الذي خجل بالاستقلال وانزوى أركانه بشارع في محلة المرفأ لاستعراض جنود الوطن البواسل، أن يعيد الاستعراض إلى قلب بيروت، ويدعو اللبنانيين، جميع اللبنانيين، إلى حيث تفاخروا بوطنيتهم في 8 و14 آذار 2005، إلى المشاركة في احتفالات الاستقلال، وهم الشعب الذي يستعرض الجيش والمقاومة، في احتفال يكون بمثابة وعد بتجسيد شعار «الجيش والشعب والمقاومة»، لتحرير الأرض، واستعادة السيادة، والاستقلال في الوحدة. وذلك بعيداً عن الاستئثار بالسلطة، والتكاذب المتبادل، ومقاومة الفساد، وخصوصاً المالي، والهروب إلى الأمام من درب الحلول السياسية الذاتية، وإعلان العجز عن الحكم والتنازل للخارج عن القرارات المصيرية.
فهل «ساوم» الرئيس على المقاومة بإسقاط المحكمة من الرسالة؟
وماذا لو سأل الرئيس سعد الحريري والده في عليائه: «يا والدي. أنا في ضياع. لم أعد أميّز الصح من الخطأ. فأرشدني بالله عليك».
فلكان أجابه بالآتي: «اسمع يا ابني يا سعد. لقد تناهى إليّ الخلاف مع التيار الوطني الحر حول الاتصالات والمالية. وانزعجت كثيراً من طريقة تعاملك مع الوزير شربل نحاس، الذي هو أستاذ لكثيرين، ومرجعية يجب أن تتعلم منه لا أن تتعلم به. فلا تدع يا ابني أصحاب النيات السيئة يدفعونك في طريق الخطأ. فما هكذا يُدافع عن رفيق الحريري. لا بالرد على المحاسبة، وخصوصاً خلال حكم الوصاية حيث كثرت الأخطاء والتجاوزات المالية وغير المالية، بإثارة موضوع نبش القبور. ولا بالرد بالابتزاز والتشهير بنظافة شربل نحاس وكفاءته عبر تكليف من «يحرتق» عليه من أصحاب النيات المبيتة. وكلنا نعرف، من هنا، أن لبنان يتعرض لضغوط كبيرة من أميركا وإسرائيل، خصوصاً في موضوع الاتصالات. ويكفيك ما شاهدته من عرض للشريط الكندي حول اغتيالي ودور الاتصالات في فبركة التهم. ثم ما عرضه نحاس في مؤتمره الصحافي أمس الأول حول سيطرة إسرائيل على قطاع الاتصالات. فأين كنتم أنت وفؤاد السنيورة ومروان حمادة كل هذه المدة؟ ذلك أن الاتصالات شأن خطير ولا يقتصر دورها على إنتاج الواردات. فدع ديوان المحاسبة يلاحق موضوع الحسابات، وانصح ريا بالتعاون معه. لأن أكبر دفاع عن رفيق الحريري هو إظهار الحقيقة في الحسابات كما في الاغتيال، وتبرئة الذمم، أياً يكن أصحابها. أما في مسألة الخلاف مع شربل نحاس، فلا توسّع الخرق كما يقولون. واعتذر منه وصادقه. فالاختلاف في وجهات النظر بين فريقنا من جهة، وتوجهات نحاس من جهة أخرى، ليس جديداً. ورغم ذلك لم ندع ذلك يفسد للود قضية في ما بيننا.
يا ابني، لقد تربيت في بيت رفيق الحريري على المحبة واحترام الآخرين، والتسامح، والرحمة، والبساطة والتواضع والوفاء، والابتعاد عن التكبّر والعجرفة. فاثبت على ما تعتقده حقاً وصحاً، وقاوم الاستدراج إلى الخطأ، واستغلال طيبة القلب. ولتكن الكلمة السواء وحدها طريقك إلى قلوب الآخرين...
ولكن هل سيصغي سعد إلى نصائح والده؟
حبذا لو يفعل.
[email protected]
رفيق الحريري
مع وصول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس إلى مطار بيروت، بعد مضي أيام قليلة على مغادرة الرئيس ميشال سليمان له إلى قطر وعودته منها أمس الأول الثلاثاء، واستعداد الرئيس سعد الحريري لمغادرة المطار عينه إلى طهران بعد أيام، يكاد لبنان يتحول مطاراً، بعدما كان ساحة.
وهو أصبح على هذه الحال، ليس لأنه أرض صالحة لبناء المطارات، ولا هو مدى كاف للساحات، بل لأنه أهمل حقيقة تاريخية في خضم النزاعات الطائفية والصراع على النفوذ.
فقد سبق لأبي الدستور ميشال شيحا أن لفت النظر منذ عام 1931، في مقال شهير له نشر في عدد شباط من مجلة «المشرق» في تلك السنة، إلى «أن شعباً، يعتبر نفسه أمة، لا يستطيع أن يثبت على مفترق الطرق التي تخترقه ـ وهو على أبواب أفريقيا وآسيا وأوروبا ـ أكثر من 20 دولة تشتهيه وتطمع فيه على نحو طبيعي، إلا إذا كان قوياً في ذاته...»، مشيراً إلى أن بعض هذه
الشعوب لم تعرف في تاريخها «الاستقلال الكامل».
وأوضح في مكان آخر من المقال «أن بلاداً تُعتبر مفترق طرق تتحول مع الوقت ساحة عامة...». داعياً اللبنانيين إلى السعي من أجل «الحلول المعتدلة والحكيمة»، التي تعكس «إدراكاً صبوراً من اللبنانيين للمصلحة العامة»، مستبعداً، تحت خطر الوقوع في الاستئثار والديكتاتورية، «سيطرة فريق واحد على الآخرين». ومستبعداً كذلك «التشنّج، أياً يكن نوعه».
إن من ينظر اليوم إلى حال الشلل التي وصلنا إليها، وتبصّر في الطريقة التي يُدار بها البلد بعد الطائف، يدرك كم ابتعد لبنان عن طريق الحكمة والتعقّل اللذين نصح شيحا اللبنانيين بسلوكها. غير مستغرب تحوّل لبنان ـ بفعل التطور والحداثة ـ من ساحة إلى مطار، لأنه أهمل بكل بساطة أن يكون «قوياً في ذاته»، وتحول الحكم فيه طائرة دائمة التحليق خارج الوطن ـ المطار، لا تكاد تحط حتى تقلع من جديد، بحثاً عن القوة والحل لمشكلات الوطن الصغير الذي يشكّل سكانه خمس سكان اسطنبول التي حكمتنا قرابة خمسة قرون، ولم تخلُ سراياتها يوماً من الصراعات، لكنها لم تفقد يوماً قوتها الذاتية وثقتها بقدرة شعبها على احتلال مكانه بين الشعوب، وها هو اليوم يطرق باب أوروبا للانضمام إلى اتحادها شريكاً كامل الأوصاف.
والمرحلة التي يعبرها لبنان حالياً، والتي تتسم بانقسام حاد في صفوف شعبه، سبق له أن واجه مثلها عام 1936 يوم انقسم اللبنانيون بين مطالب بالاستقلال الناجز، وداعية لاستمرار الارتباط بفرنسا عبر توقيع معاهدة معها. واجتاحت البلاد آنذاك فوضى طائفية واجتماعية. وصدرت أصوات محذّرة من تغليب مصالح الطوائف على مصلحة الوطن، لأنه سيكون هو الخاسر في نهاية المطاف.
فكان أن انتصرت مصلحة الوطن على مصالح الطوائف وحظي لبنان باستقلال ناجز في 22 تشرين الثاني 1943، أعقبه جلاء القوات الفرنسية عن أراضيه.
وقد ظُنّ آنذاك أن الاستقلال سينقل لبنان من نظام طائفي يتقاسم «باروناته» السلطة والنفوذ، وتتحكم الطوائف بمستقبله، إلى نظام عصري، غير طائفي، ديموقراطي برلماني، يؤمّن تمثيلاً عادلاً لكل «الجماعات المتآلفة» فيه، مبقياً الطوائف خارج المؤسسات، من دون أن يتعرض لها كجماعات دينية، وحائلاً دون تحولها شعوباً تقف في طريق الوحدة الجامعة للشعب الواحد، والدولة الواحدة، في إطار هوية عربية واحدة، بديلاً من الوجه العربي فحسب!
وقد تجلّى هذا الفشل في المشروع الاستقلالي في مفهومه الحضاري في الاحتفالات التي جرت في الذكرى السابعة والستين للاستقلال، حيث حاول الحكم المتنازل عن أجزاء من السيادة، وخصوصاً القضائية والعسكرية، الاختباء وراء عرض عسكري رمزي.. وبدا لبنان كأنه يخجل بعناصر قوته، ظالماً الجيش الذي كان يفترض أن يشكل العنوان الرئيسي لهذه القوة، لو قدّر لأركان الحكم أن يزوّدوه الأسلحة الضرورية للدفاع عن الأرض والحدود في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، إلا أن ما حصل هو تحويل الجيش رديفاً لقوى الأمن الداخلي، قوة ردع داخلية، بينما المهمة الرئيسية للدفاع عن الوطن تُركت للمقاومة، وبمشاركة الجيش حيث يجب وخصوصاً بعدما نجحت المقاومة في امتلاك وسائل الحرب وأكثرها ردعاً للعدو الإسرائيلي الذي امتحنها بين 1982 و2000 ثم في حرب تموز التي باتت تدرّس إنجازاتها في المعاهد العسكرية في العالم، وكيف أن حفنة من المقاومين والعسكريين المؤمنين بحق وطنهم في الحياة، استطاعوا أن يهزموا واحداً من أقوى الجيوش وأكثرها تسلحاً في المنطقة، بل في العالم.
وتساءل مواطنون كثيرون، بعدما أصغوا إلى رسالة الاستقلال التي وجهها الرئيس ميشال سليمان إلى اللبنانيين عشية الذكرى السابعة والستين للاستقلال، عن أسباب خلو الرسالة من أي إشارة إلى مقاومة الشعب كجزء من المنظومة الدفاعية، وإن يكن مشرّفاً لكل لبناني أن يكون «الدور الأساسي للجيش» في أي استراتيجية دفاعية.
كما تساءلوا عن مبررات تغييب المقاومة عن العرض العسكري، وكأن في الدولة من يستحي بقوته، علماً بأن المقاومة تشكّل حالياً توأماً مع الجيش في القوة العسكرية، ولا سيما القوة الصاروخية التي تمتلكها المقاومة في ظل منع السلاح الدفاعي والهجومي عن الجيش. ثم أليست المقاومة جزءاً من المجتمع المدني الذي شارك في العرض؟ مع الإشارة إلى عدم جواز وضع الجيش في موضع غير ملائم، وعدم الاعتماد كثيراً على حادثة عديسة كنموذج لما هو مطلوب من الجيش الوطني الذي يفترض أن يكون غير ما هو اليوم، أي بعديد كبير وعتاد مناسب، ومسؤولاً وحده عن سلامة الحدود الجنوبية، بدل ترك قوات أجنبية تنتمي إلى أكثر من 30 دولة «تحرس» الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية مقدسة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وقد منعت هذه الدول، وعرّابها الأميركي، الجيش اللبناني من تحرير هذه الأرض. وهذا يعني في القاموس الدستوري تخلياً عن السيادة والاستقلال. وتساءل آخرون عن أسباب تجاهل رئيس الجمهورية، في الرسالة الاستقلالية، موضوع «شهود الزور» والمحكمة الدولية التي تشكّل، بالطريقة التي أُنشئت بها، تنازلاً آخر عن السيادة والاستقلال. لقد كان أولى بالحكم الذي خجل بالاستقلال وانزوى أركانه بشارع في محلة المرفأ لاستعراض جنود الوطن البواسل، أن يعيد الاستعراض إلى قلب بيروت، ويدعو اللبنانيين، جميع اللبنانيين، إلى حيث تفاخروا بوطنيتهم في 8 و14 آذار 2005، إلى المشاركة في احتفالات الاستقلال، وهم الشعب الذي يستعرض الجيش والمقاومة، في احتفال يكون بمثابة وعد بتجسيد شعار «الجيش والشعب والمقاومة»، لتحرير الأرض، واستعادة السيادة، والاستقلال في الوحدة. وذلك بعيداً عن الاستئثار بالسلطة، والتكاذب المتبادل، ومقاومة الفساد، وخصوصاً المالي، والهروب إلى الأمام من درب الحلول السياسية الذاتية، وإعلان العجز عن الحكم والتنازل للخارج عن القرارات المصيرية.
فهل «ساوم» الرئيس على المقاومة بإسقاط المحكمة من الرسالة؟
وماذا لو سأل الرئيس سعد الحريري والده في عليائه: «يا والدي. أنا في ضياع. لم أعد أميّز الصح من الخطأ. فأرشدني بالله عليك».
فلكان أجابه بالآتي: «اسمع يا ابني يا سعد. لقد تناهى إليّ الخلاف مع التيار الوطني الحر حول الاتصالات والمالية. وانزعجت كثيراً من طريقة تعاملك مع الوزير شربل نحاس، الذي هو أستاذ لكثيرين، ومرجعية يجب أن تتعلم منه لا أن تتعلم به. فلا تدع يا ابني أصحاب النيات السيئة يدفعونك في طريق الخطأ. فما هكذا يُدافع عن رفيق الحريري. لا بالرد على المحاسبة، وخصوصاً خلال حكم الوصاية حيث كثرت الأخطاء والتجاوزات المالية وغير المالية، بإثارة موضوع نبش القبور. ولا بالرد بالابتزاز والتشهير بنظافة شربل نحاس وكفاءته عبر تكليف من «يحرتق» عليه من أصحاب النيات المبيتة. وكلنا نعرف، من هنا، أن لبنان يتعرض لضغوط كبيرة من أميركا وإسرائيل، خصوصاً في موضوع الاتصالات. ويكفيك ما شاهدته من عرض للشريط الكندي حول اغتيالي ودور الاتصالات في فبركة التهم. ثم ما عرضه نحاس في مؤتمره الصحافي أمس الأول حول سيطرة إسرائيل على قطاع الاتصالات. فأين كنتم أنت وفؤاد السنيورة ومروان حمادة كل هذه المدة؟ ذلك أن الاتصالات شأن خطير ولا يقتصر دورها على إنتاج الواردات. فدع ديوان المحاسبة يلاحق موضوع الحسابات، وانصح ريا بالتعاون معه. لأن أكبر دفاع عن رفيق الحريري هو إظهار الحقيقة في الحسابات كما في الاغتيال، وتبرئة الذمم، أياً يكن أصحابها. أما في مسألة الخلاف مع شربل نحاس، فلا توسّع الخرق كما يقولون. واعتذر منه وصادقه. فالاختلاف في وجهات النظر بين فريقنا من جهة، وتوجهات نحاس من جهة أخرى، ليس جديداً. ورغم ذلك لم ندع ذلك يفسد للود قضية في ما بيننا.
يا ابني، لقد تربيت في بيت رفيق الحريري على المحبة واحترام الآخرين، والتسامح، والرحمة، والبساطة والتواضع والوفاء، والابتعاد عن التكبّر والعجرفة. فاثبت على ما تعتقده حقاً وصحاً، وقاوم الاستدراج إلى الخطأ، واستغلال طيبة القلب. ولتكن الكلمة السواء وحدها طريقك إلى قلوب الآخرين...
ولكن هل سيصغي سعد إلى نصائح والده؟
حبذا لو يفعل.
[email protected]