ما عرض أمس الأول عن استباحة إسرائيل الكاملة لقطاع الاتصالات في لبنان، على أهميته وخطورته، إلا أنه بدا مثيراً للشفقة والسخرية على واقع الإهمال المستشري في الدولة ومؤسساتها. دولة لا ترى في الاتصالات إلا منجم ذهب أو حقل بترول. بهذه العقلية تأسس القطاع وبهذه العقلية استمر التعامل معه، ومن خلال هذه «النظرة الاستراتيجية الثاقبة» ظلت أسعار المخابرات من الأغلى في العالم، حماية للبلد من الانهيار الذي قد ينتج عن إغلاق هذا المنجم.
ومن تميز في عدّ النقود والبحث عن الموارد المالية وابتكار الضرائب غير العادلة، كان من الصعب عليه تشتيت نظره، حتى لو بالتفاتة صغيرة تسمح بحماية «نفط لبنان».
وقبل الحماية حتى، لم تكترث الدولة بتطوير القطاع أو حتى تأمين الصيانة اللازمة له، حتى تخلّف عن ركب الاتصالات في المنطقة كلها، وغدا كالبقرة الحلوب التي تعيش في العراء والممنوعة عن الطعام.
ما قاله وزير الاتصالات د.شربل نحاس، أمس، يضع الاصبع على الجرح فعلاً. لقد أصاب في تأكيده أن لبنان لم يعد يمكنه أن يتعامل مع قطاع الاتصالات بصفته قطاعاً تجارياً ومصدراً للدخل فقط، هو قطاع اقتصادي ـ أمني بامتياز ومرتبط بأمن الوطن والمواطنين.
الضرر وقع على ما بدا في المؤتمر الصحافي الذي عقده نحاس مع رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله. وهو ضرر لا يمكن تقدير حجمه الدقيق، بالرغم من أن ما كشف عنه يشي باحتلال كامل، استطاع الاسرائيليون عبره التلاعب بأكثر القطاعات حيوية وحساسية في لبنان، على المستويات كافة، اجتماعية، سياسية وأمنية.
وهنا تطرح أسئلة كثيرة عن أدوار لبنانية ساهمت بتحقيق هذا الاختراق، إن عمداً عبر العملاء، أو عن غير قصد، عبر الإهمال والاستخفاف بتقدير أهمية الاتصالات في عصر الاتصالات!
هكذا غابت الضوابط التي تحكم عمليات التوظيف، فلم يشعر المسؤولون أن ثمة داعياً لخضوع العاملين في القطاع، ولا سيّما الأجانب، لأي تدقيق أمني يتركز مثلاً على علاقاتهم أو تاريخهم أو ارتباطاتهم بالعدو. كما غاب التدقيق بهوية الشركات المزودة للمشغلين بالمعدات التقنية وآلات البث. وهذا الاستهتار وصل إلى حد الاعتماد على أنظمة أمان لشركات عالمية تقيم شراكات علنية مع شركات إسرائيلية معروفة بتخصصها بتصنيع هذه الشبكات. فتكون النتيجة أن من يصنّع شبكات الأمان يؤمن بوابات عبور خلفيّة تُتيح له النفاذ إلى أنظمتها. وهذا الأمر سرعان ما يتأكد عند معرفة أن الشركات المورّدة الأساسية، وكذلك برنامج الحماية الشهير ماكافي (McAfee) في معظمها شركات شريكة لشركة Check Point الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات.
وللمفارقة فإن هذه المعلومات لم تكن تحتاج إلى تحقيق عميق، إذ كان من الممكن اكتشافها عبر بحث بسيط على شاشة الانترنت.
والاسئلة تستمر بالاعتماد على المعلومات التي كشف النقاب عنها في المؤتمر الصحافي: لماذا غياب الفاعلية والترابط بين أنظمة المراقبة والتحكم؟ وأين التنسيق بين أقسام الشبكة المختلفة؟ وهل حقاً كان من الصعب ضبط انتشار معيدات البث (Repeaters) غير الشرعية التي تساعد على تقوية الارسال، بشكل عشوائي، والتي تبين أن اسرائيل كانت تستعملها لإيصال البث اللبناني إلى اسرائيل وبالعكس؟ ثم، هل حقاً كان من الصعب التنبه إلى أن نظام حماية قنوات الهوائيات الراديوية، أعد بطريقة تبقي على قناة نشطة تستخدم من الشخص او الجهة التي تريد اختراق الشبكة؟
والاستهتار لم يجعل المسؤولين عن القطاع يشعرون بأهمية تطوير شرائح الهاتف المستعملة في شبكتي الخلوي في لبنان، والتي يعود معظمها إلى الجيل الاول ويمكن استنساخها بسهولة حتى من قبل الهواة.
وما كشف في العرض الذي قدمه رئيس الهيئة المنظمة للاتصالات د.عماد حب الله، يعيد التساؤل من جديد عن خفة كانت تحكم القطاع، سمحت بالتعاقد مع شركة Gemalto العالمية الرائدة في مجال الأمن الرقمي، على سبيل المثال، وهي التي تتعاون مع شركة Comda الإسرائيلية في مجال برامج التحقق (Authentication) التي تُنصَّب على شرائح الهواتف المحمولة. وحساسية هذه الشرائح تكمن في إمكانية وضع برمجيات بداخلها تُتيح عمليات الاختراق، مع الاشارة إلى أن شركة MTC كانت (حتى السنة المنصرمة) تستفيد من شركة Gemalto في شراء الشرائح التي تستخدمها.
ولو كان القطاع مضبوطاًَ بالحد الأدنى هل يمكن لعميل أو أكثر أن يشرعوا أبواب القطاع أما الاسرائيليون كما فعلوا، وهل يمكن أن يكون لموظف واحد، تبين لاحقاً أنه عميل، تحديد واختيار أماكن الهوائيات اللبنانية التي تنصب في مناطق مختلفة؟
عُرض الكثير من الفضائح وأجل الحديث عن الحلول، التي يتبين بالحد الأدنى أنها ممكنة التحقيق، لا بل كانت من الممكن تفادي الوصول إلى ما وصل إليه القطاع لو تذكرت أجهزة الدولة ووزاراتها أن على حدودنا الجنوبية دولة عدوانية لا تألو جهداً في محاولاتها الدائمة والحثيثة لاختراق أمننا وأرضنا ومياهنا واتصالاتنا. وقد أظهر ما كشفه النائب فضل الله عن كيفية اختراق المخابرات الإسرائيلية لهواتف ثلاثة كوادر في المقاومة، أن هدفها ليس تجسسياً فحسب، فمن أولوياتها أيضاً بث الفتنة في الداخل.
أما وقد كشف المعنيون بقطاع الاتصالات في لبنان مكامن الداء، فكل المطلوب الآن إيجاد الدواء، وهو ما أعلن الوزير نحاس، في وقت سابق أن عملية تصنيعه بدأت بالفعل، عبر سلسلة خطوات بدأت الوزارة القيام بها على أن تكتمل مع انتقال القطاع إلى عصر الألياف الضوئية. والسؤال هنا يطرح على الوزير وكذلك على الحكومة مجتمعة، ألم يحن الوقت لإعلان استراتيجية واضحة لقطاع الاتصالات، تتضمن قانوناً يؤمن الضوابط اللازمة لتطوير القطاع وتأمين الحماية له، حتى لو اقتضى الامر الكف عن الهرولة وراء الخصخصة.
ومن تميز في عدّ النقود والبحث عن الموارد المالية وابتكار الضرائب غير العادلة، كان من الصعب عليه تشتيت نظره، حتى لو بالتفاتة صغيرة تسمح بحماية «نفط لبنان».
وقبل الحماية حتى، لم تكترث الدولة بتطوير القطاع أو حتى تأمين الصيانة اللازمة له، حتى تخلّف عن ركب الاتصالات في المنطقة كلها، وغدا كالبقرة الحلوب التي تعيش في العراء والممنوعة عن الطعام.
ما قاله وزير الاتصالات د.شربل نحاس، أمس، يضع الاصبع على الجرح فعلاً. لقد أصاب في تأكيده أن لبنان لم يعد يمكنه أن يتعامل مع قطاع الاتصالات بصفته قطاعاً تجارياً ومصدراً للدخل فقط، هو قطاع اقتصادي ـ أمني بامتياز ومرتبط بأمن الوطن والمواطنين.
الضرر وقع على ما بدا في المؤتمر الصحافي الذي عقده نحاس مع رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله. وهو ضرر لا يمكن تقدير حجمه الدقيق، بالرغم من أن ما كشف عنه يشي باحتلال كامل، استطاع الاسرائيليون عبره التلاعب بأكثر القطاعات حيوية وحساسية في لبنان، على المستويات كافة، اجتماعية، سياسية وأمنية.
وهنا تطرح أسئلة كثيرة عن أدوار لبنانية ساهمت بتحقيق هذا الاختراق، إن عمداً عبر العملاء، أو عن غير قصد، عبر الإهمال والاستخفاف بتقدير أهمية الاتصالات في عصر الاتصالات!
هكذا غابت الضوابط التي تحكم عمليات التوظيف، فلم يشعر المسؤولون أن ثمة داعياً لخضوع العاملين في القطاع، ولا سيّما الأجانب، لأي تدقيق أمني يتركز مثلاً على علاقاتهم أو تاريخهم أو ارتباطاتهم بالعدو. كما غاب التدقيق بهوية الشركات المزودة للمشغلين بالمعدات التقنية وآلات البث. وهذا الاستهتار وصل إلى حد الاعتماد على أنظمة أمان لشركات عالمية تقيم شراكات علنية مع شركات إسرائيلية معروفة بتخصصها بتصنيع هذه الشبكات. فتكون النتيجة أن من يصنّع شبكات الأمان يؤمن بوابات عبور خلفيّة تُتيح له النفاذ إلى أنظمتها. وهذا الأمر سرعان ما يتأكد عند معرفة أن الشركات المورّدة الأساسية، وكذلك برنامج الحماية الشهير ماكافي (McAfee) في معظمها شركات شريكة لشركة Check Point الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات.
وللمفارقة فإن هذه المعلومات لم تكن تحتاج إلى تحقيق عميق، إذ كان من الممكن اكتشافها عبر بحث بسيط على شاشة الانترنت.
والاسئلة تستمر بالاعتماد على المعلومات التي كشف النقاب عنها في المؤتمر الصحافي: لماذا غياب الفاعلية والترابط بين أنظمة المراقبة والتحكم؟ وأين التنسيق بين أقسام الشبكة المختلفة؟ وهل حقاً كان من الصعب ضبط انتشار معيدات البث (Repeaters) غير الشرعية التي تساعد على تقوية الارسال، بشكل عشوائي، والتي تبين أن اسرائيل كانت تستعملها لإيصال البث اللبناني إلى اسرائيل وبالعكس؟ ثم، هل حقاً كان من الصعب التنبه إلى أن نظام حماية قنوات الهوائيات الراديوية، أعد بطريقة تبقي على قناة نشطة تستخدم من الشخص او الجهة التي تريد اختراق الشبكة؟
والاستهتار لم يجعل المسؤولين عن القطاع يشعرون بأهمية تطوير شرائح الهاتف المستعملة في شبكتي الخلوي في لبنان، والتي يعود معظمها إلى الجيل الاول ويمكن استنساخها بسهولة حتى من قبل الهواة.
وما كشف في العرض الذي قدمه رئيس الهيئة المنظمة للاتصالات د.عماد حب الله، يعيد التساؤل من جديد عن خفة كانت تحكم القطاع، سمحت بالتعاقد مع شركة Gemalto العالمية الرائدة في مجال الأمن الرقمي، على سبيل المثال، وهي التي تتعاون مع شركة Comda الإسرائيلية في مجال برامج التحقق (Authentication) التي تُنصَّب على شرائح الهواتف المحمولة. وحساسية هذه الشرائح تكمن في إمكانية وضع برمجيات بداخلها تُتيح عمليات الاختراق، مع الاشارة إلى أن شركة MTC كانت (حتى السنة المنصرمة) تستفيد من شركة Gemalto في شراء الشرائح التي تستخدمها.
ولو كان القطاع مضبوطاًَ بالحد الأدنى هل يمكن لعميل أو أكثر أن يشرعوا أبواب القطاع أما الاسرائيليون كما فعلوا، وهل يمكن أن يكون لموظف واحد، تبين لاحقاً أنه عميل، تحديد واختيار أماكن الهوائيات اللبنانية التي تنصب في مناطق مختلفة؟
عُرض الكثير من الفضائح وأجل الحديث عن الحلول، التي يتبين بالحد الأدنى أنها ممكنة التحقيق، لا بل كانت من الممكن تفادي الوصول إلى ما وصل إليه القطاع لو تذكرت أجهزة الدولة ووزاراتها أن على حدودنا الجنوبية دولة عدوانية لا تألو جهداً في محاولاتها الدائمة والحثيثة لاختراق أمننا وأرضنا ومياهنا واتصالاتنا. وقد أظهر ما كشفه النائب فضل الله عن كيفية اختراق المخابرات الإسرائيلية لهواتف ثلاثة كوادر في المقاومة، أن هدفها ليس تجسسياً فحسب، فمن أولوياتها أيضاً بث الفتنة في الداخل.
أما وقد كشف المعنيون بقطاع الاتصالات في لبنان مكامن الداء، فكل المطلوب الآن إيجاد الدواء، وهو ما أعلن الوزير نحاس، في وقت سابق أن عملية تصنيعه بدأت بالفعل، عبر سلسلة خطوات بدأت الوزارة القيام بها على أن تكتمل مع انتقال القطاع إلى عصر الألياف الضوئية. والسؤال هنا يطرح على الوزير وكذلك على الحكومة مجتمعة، ألم يحن الوقت لإعلان استراتيجية واضحة لقطاع الاتصالات، تتضمن قانوناً يؤمن الضوابط اللازمة لتطوير القطاع وتأمين الحماية له، حتى لو اقتضى الامر الكف عن الهرولة وراء الخصخصة.