الإبادة الأرمنية في ذكراها الـ95، تدفع بهذه القوى إلى الوقوف بوجه هذه الزيارة، على الرغم من استعادة العلاقات الرسمية الأرمنية ـ التركية، من دولة إلى أخرى، مسارها الطبيعي، وعلى الرغم من احتضان السلطات اللبنانية للضيف، الذي سبقته «ثقافة المسلسلات التركية» إلى المجتمع اللبناني.
منذ حرب تموز 2006، بدا أن ثمة متغيرات تركية تحاول شق طريقها الى لبنان. كانت المشاركة التركية في قوات «اليونيفيل المعززة» تنفيذاً للقرار الدولي 1701 الحجر الاول على خط العودة التركية إلى لبنان، بحراً وبراً. دخل الأتراك لبنان مجددا في 10 تشرين الاول العام 2006، على وقع الاعتراض الأرمني، الذي نفذ اعتصاماً حينها أمام مقر «الاسكوا» احتجاجاً... لتكّر السبحة، وتصل إلى حدود مبادرة سياسية تقودها أنقرة، بين القوى اللبنانية المتخاصمة، في أحرج الظروف وأصعبها.
الجذور العثمانية، وسياسة «حفيدتها الأردوغانية»، تتساوى اليوم مع القضية الأرمنية، في حضورها على أجندة الأحزاب الأرمنية في خطوتها الاعتراضية. الأمين العام لـ«الطاشناق» هوفيك مخيتاريان يرى في الدور التركي الزاحف نحو المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، دوافع كثيرة تضع القوى الأرمنية في الجبهة المناهضة، وإن كان بعض الدول العربية، صار في المقلب الآخر. «تحالف تركيا مع إسرائيل لم يتغيّر في مضمونه، على الرغم من محاولات أنقرة تصويره بشكل معاكس، وما الاتفاقات العسكرية والاقتصادية الموقّعة إلّا خير دليل. السلطة التركية تحاول استغلال القضية الفلسطينية وليس الوقوف في صفّها، وهي بالنتيجة تكرّس مصالحها بمعزل عن المصالح العربية».
ليست المرّة الأولى التي يعترض فيها «الطاشناق» على «تسلّل» تركي إلى الداخل اللبناني. المشاركة التركية في القوات الدولية، أثارت احتجاج الحزب سابقاً، ودفعته إلى تسجيل «تحذيره» من «الزحف العثماني»، علماً بأن «الطاشناق» يفضّل صباغة موقفه باللون اللبناني.
التحرك المنتظر اليوم في الشارع، وتحديداً في ساحة الشهداء، لم يتم تنسيقه مع الحلفاء، «القرار ذاتي ينبع من اعتبارات داخلية، تتيحه خصوصية كلّ فريق»، وإن كان «الطاشناق» يتمنى من حلفائه المشاركة ولو الرمزية. «الخطوة الاحتجاجية أولية، لأن العودة التركية في بدايتها، ولن تقف عند هذه الحدود...».
الاستقبالات الشعبية للزائر في قرى «نُبش» ماضيها وماضي أهلها، للوصول إلى «موطأ قدم» تركية، يثير النقزة في أذهان «الطاشناق». الهدف الجوهري من الاعتراض بالنسبة لـ«الهانشاك» هو تثبيت القضية الأرمنية، لا سيما وأن أنقرة «لم تقدّم اعتذارها عن الإبادة التي ارتكبتها، وإن كنا نتفهّم موقف الحكومة اللبنانية، وحكومات المنطقة التي قد تجمعها مصالحها مع أنقرة، وإن كنا أيضاً لا نريد أن نلحق ضرراً بالمؤسسات الدستورية»، كما يقول النائب سيبوه قالبكيان.
وقوف الوزراء «الحريريين» على أرض المطار استقبالاً للضيف، لا يحرج حلفاءهم الأرمن، لا سيما وأن «اللبنانيين من أصل أرمني لا يريدون تأزيم علاقات لبنان ببعض الدول، والتدخّل في علاقاته الخارجية ولكن في الوقت عينه لا نريد أن يطلب منا التصفيق معهم».
الحديث على مستوى القيادات الأرمينة، قريب من التجانس، ولكن على مستوى القاعدة، ردّات الفعل متباينة لا بل متضاربة. في المبدأ، ثمة تعميم من الأحزاب الثلاثة، لإقفال المؤسسات والمحال اليوم، بالتزامن مع التحرّك الشعبي الذي يتمّ الإعداد له. ولكن بين الناس، الآراء متفاوتة: هناك من لا تعنيه الشؤون السياسية لا من قريب ولا من بعيد، فيتساوى الزوار الأجانب بعضهم ببعض.
وهناك من يغلّب مصلحته الشخصية على مصالح «التاريخ»، ولا تهمّه مواقف الأحزاب، لا سيما وأن حاجته للوصول إلى الأسواق التركية، من باب الاستثمار، قد تكون أهم من الاعتبارات السياسية. التبادل التجاري الذي يقتصر على جانب واحد، أي من تركيا إلى لبنان، والذي ينشط بعض التجّار الأرمن على خطّه، يذلّل من «خطايا الماضي»، وما كان محظوراً خلال السنوات الماضية، صار اليوم مباحاً، وإن في أطر ضيّقة جداً.
في مقلب آخر، يقفز الألم من الوجدان الأرمني، إلى الواجهة. موقف الأحزاب هو أقل ما يجب القيام به، بالنسبة لشريحة كبيرة من الرأي العام الأرمني. السياسة التركية لا تحمل «المن والسلوى» إلى اللبنانيين، وخروج الوصاية السورية لا يبرّر بالنسبة للبعض عودة «الوصاية العثمانية» وإن ارتدت «الكرافات». بالنتيجة لا يمكن لهؤلاء أن «يهضموا» وجود «أحفاد الباشوات» على الأرض اللبنانية، و«ما سبق لهم أن نفّذوه بقوة «السيّف»، قد يقدمون عليه اليوم بقوة السياسة».
قبل أكثر من 25 عاماً، كان «المجتمع الأرمني» يحظّر على نفسه أي منتجات تركية. اليوم، تغيّرت الأحوال، وكُسر الطوق المانع لأي تسلل من «بلاد الأناضول»... لكنه لم يمح الصورة السوداء التي يحفظها الأرمن، عن سابق إصرار وتصوّر، عن تركيا وسلطاتها، في ذاكرتهم.
منذ حرب تموز 2006، بدا أن ثمة متغيرات تركية تحاول شق طريقها الى لبنان. كانت المشاركة التركية في قوات «اليونيفيل المعززة» تنفيذاً للقرار الدولي 1701 الحجر الاول على خط العودة التركية إلى لبنان، بحراً وبراً. دخل الأتراك لبنان مجددا في 10 تشرين الاول العام 2006، على وقع الاعتراض الأرمني، الذي نفذ اعتصاماً حينها أمام مقر «الاسكوا» احتجاجاً... لتكّر السبحة، وتصل إلى حدود مبادرة سياسية تقودها أنقرة، بين القوى اللبنانية المتخاصمة، في أحرج الظروف وأصعبها.
الجذور العثمانية، وسياسة «حفيدتها الأردوغانية»، تتساوى اليوم مع القضية الأرمنية، في حضورها على أجندة الأحزاب الأرمنية في خطوتها الاعتراضية. الأمين العام لـ«الطاشناق» هوفيك مخيتاريان يرى في الدور التركي الزاحف نحو المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، دوافع كثيرة تضع القوى الأرمنية في الجبهة المناهضة، وإن كان بعض الدول العربية، صار في المقلب الآخر. «تحالف تركيا مع إسرائيل لم يتغيّر في مضمونه، على الرغم من محاولات أنقرة تصويره بشكل معاكس، وما الاتفاقات العسكرية والاقتصادية الموقّعة إلّا خير دليل. السلطة التركية تحاول استغلال القضية الفلسطينية وليس الوقوف في صفّها، وهي بالنتيجة تكرّس مصالحها بمعزل عن المصالح العربية».
ليست المرّة الأولى التي يعترض فيها «الطاشناق» على «تسلّل» تركي إلى الداخل اللبناني. المشاركة التركية في القوات الدولية، أثارت احتجاج الحزب سابقاً، ودفعته إلى تسجيل «تحذيره» من «الزحف العثماني»، علماً بأن «الطاشناق» يفضّل صباغة موقفه باللون اللبناني.
التحرك المنتظر اليوم في الشارع، وتحديداً في ساحة الشهداء، لم يتم تنسيقه مع الحلفاء، «القرار ذاتي ينبع من اعتبارات داخلية، تتيحه خصوصية كلّ فريق»، وإن كان «الطاشناق» يتمنى من حلفائه المشاركة ولو الرمزية. «الخطوة الاحتجاجية أولية، لأن العودة التركية في بدايتها، ولن تقف عند هذه الحدود...».
الاستقبالات الشعبية للزائر في قرى «نُبش» ماضيها وماضي أهلها، للوصول إلى «موطأ قدم» تركية، يثير النقزة في أذهان «الطاشناق». الهدف الجوهري من الاعتراض بالنسبة لـ«الهانشاك» هو تثبيت القضية الأرمنية، لا سيما وأن أنقرة «لم تقدّم اعتذارها عن الإبادة التي ارتكبتها، وإن كنا نتفهّم موقف الحكومة اللبنانية، وحكومات المنطقة التي قد تجمعها مصالحها مع أنقرة، وإن كنا أيضاً لا نريد أن نلحق ضرراً بالمؤسسات الدستورية»، كما يقول النائب سيبوه قالبكيان.
وقوف الوزراء «الحريريين» على أرض المطار استقبالاً للضيف، لا يحرج حلفاءهم الأرمن، لا سيما وأن «اللبنانيين من أصل أرمني لا يريدون تأزيم علاقات لبنان ببعض الدول، والتدخّل في علاقاته الخارجية ولكن في الوقت عينه لا نريد أن يطلب منا التصفيق معهم».
الحديث على مستوى القيادات الأرمينة، قريب من التجانس، ولكن على مستوى القاعدة، ردّات الفعل متباينة لا بل متضاربة. في المبدأ، ثمة تعميم من الأحزاب الثلاثة، لإقفال المؤسسات والمحال اليوم، بالتزامن مع التحرّك الشعبي الذي يتمّ الإعداد له. ولكن بين الناس، الآراء متفاوتة: هناك من لا تعنيه الشؤون السياسية لا من قريب ولا من بعيد، فيتساوى الزوار الأجانب بعضهم ببعض.
وهناك من يغلّب مصلحته الشخصية على مصالح «التاريخ»، ولا تهمّه مواقف الأحزاب، لا سيما وأن حاجته للوصول إلى الأسواق التركية، من باب الاستثمار، قد تكون أهم من الاعتبارات السياسية. التبادل التجاري الذي يقتصر على جانب واحد، أي من تركيا إلى لبنان، والذي ينشط بعض التجّار الأرمن على خطّه، يذلّل من «خطايا الماضي»، وما كان محظوراً خلال السنوات الماضية، صار اليوم مباحاً، وإن في أطر ضيّقة جداً.
في مقلب آخر، يقفز الألم من الوجدان الأرمني، إلى الواجهة. موقف الأحزاب هو أقل ما يجب القيام به، بالنسبة لشريحة كبيرة من الرأي العام الأرمني. السياسة التركية لا تحمل «المن والسلوى» إلى اللبنانيين، وخروج الوصاية السورية لا يبرّر بالنسبة للبعض عودة «الوصاية العثمانية» وإن ارتدت «الكرافات». بالنتيجة لا يمكن لهؤلاء أن «يهضموا» وجود «أحفاد الباشوات» على الأرض اللبنانية، و«ما سبق لهم أن نفّذوه بقوة «السيّف»، قد يقدمون عليه اليوم بقوة السياسة».
قبل أكثر من 25 عاماً، كان «المجتمع الأرمني» يحظّر على نفسه أي منتجات تركية. اليوم، تغيّرت الأحوال، وكُسر الطوق المانع لأي تسلل من «بلاد الأناضول»... لكنه لم يمح الصورة السوداء التي يحفظها الأرمن، عن سابق إصرار وتصوّر، عن تركيا وسلطاتها، في ذاكرتهم.