لئن كانت بعض الحساسيات اللبنانية الضيقة والمقاربات القصيرة النظر قد حاولت وضع زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى لبنان في مواجهة زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، و«خوش آمديد» أي أهلا وسهلا بالايرانية في مواجهة «هوش جالدينيز» أي أهلا وسهلا بالتركية، إلا أن التدقيق في الخطاب الذي اعتمده أردوغان من عكار الى الجنوب مروراً ببيروت يظهر أن الرسالة التي حملها معه الضيف الاستثنائي تتجاوز حسابات الزواريب المحلية، لتصبح بحجم المنطقة وما تواجهه من تحديات.
بدا واضحا من طبيعة الاستقبالات الشعبية المنظمة التي أقيمت لأردوغان في عكار أن تيار المستقبل وجد في مجيئه الى لبنان مناسبة لتحقيق نوع من «توازن الرعب» مع الزيارة الشهيرة للرئيس الايراني على قاعدة ضمنية فحواها انه كما ان إيران الشيعية لها جمهورها وحضورها في لبنان، فإن تركيا السنية لها جمهورها وحضورها أيضا، وكما أن نجاد وجد من يصفق له بحرارة في الضاحية والجنوب، فإن هناك الكثير من الأكف الجاهزة للتصفيق بحرارة مماثلة لأردوغان.
ولكن ما فات أصحاب هذا «الاختزال» أو «التقزيم» المذهبي لتركيا وزعيمها، أن أردوغان ونجاد تناغما في لبنان ولم يتواجها، بل يمكن القول إن رسالة كل منهما قد تكاملت مع الأخرى في إعطاء الأولوية للخطر الاسرائيلي وضرورة مواجهته، وفات هؤلاء ايضا أن شعبية أردوغان في الوسط الشعبي المؤيد للمقاومة تكاد تكون جارفة على خلفية الإعجاب بمواقفه المبدئية.
والمفارقة أن الفوارق المذهبية بين طهران وأنقرة ذابت عندما أصبح كلاهما يقرأ في كتاب واحد يحمل عنوان التصدي للعنجهية الاسرائيلية، فيما راحت هذه الفوارق تتسع لدى اللبنانيين ولو أن بلدهم يقف في الصف الأمامي للصراع مع العدو.
ولعل النائب وليد جنبلاط كان من بين أوائل الذين استشعروا هذا المناخ، وهو قال لـ«السفير» أن كلام أردوغان المتصل بالصراع مع إسرائيل ممتاز وجميل جدا، خصوصا ما صدر عنه في عكار تحديدا، حيث أعاد أمام شريحة من اللبنانيين إحياء الخطاب العروبي الإسلامي الملتزم بفلسطين وقضيتها، بعد محاولة عزل هذه الشريحة عن تاريخها وتراثها وواقعها، منوهاً باستعادة أردوغان محطة حصار بيروت عام 1982 التي تبعث فينا الحنين الى زمن النضال النقي.
كان واضحا من الخطاب السياسي الذي اعتمده أردوغان خلال محطات جولته أن الأولوية بالنسبة اليه هي مواجهة العدوانية الاسرائيلية في المنطقة على الرغم من أن هاجس القرار الاتهامي هو الذي يستحوذ هذه الأيام على اهتمام معظم من التقاهم.
حاول أردوغان طمأنة اللبنانيين القلقين من تداعيات القرار، مبدياً استعداده للمساعدة حيث أمكن، ولكنه اجتنب في الوقت ذاته الانزلاق الى مستنقع الاصطفافات الداخلية أو القفز فوق الرياض ودمشق في مسعاهما المبذول لمعالجة الأزمة الراهنة، محتفظاً باعتدال في مخاطبة اللبنانيين، سرعان ما تحول الى تشدد في معرض مقاربته للسلوك الاسرائيلي العدواني.
لم يتردد الزعيم التركي في التعاطف مع اللبنانيين والفلسطينيين الذين دفعوا ثمن الاعتداءات المتكررة، وفي التمسك بالحقوق العربية المشروعة التي تخلى عنها أصحابها الأصليون، ولم يجد حرجاً في الهجوم على القرصنة الإسرائيلية بكل أشكالها وصولا الى مطالبة إسرائيل بالاعتذار من أبناء المنطقة وليس من تركيا فقط، مستخدماً لغة واحدة أمام الحشد الشعبي المتحمس في عكار، وفعاليات الجنوب في صيدا، والنخب الاقتصادية والمالية في بيروت.
بدا الزعيم التركي صريحاً ومباشراً في توجيه رسالة شديدة اللهجة الى تل أبيب انطلاقا من لبنان الملاصق للحدود مع الأراضي المحتلة. بطبيعة الحال يدرك أردوغان أهمية موقع لبنان في حيز الجغرافيا الطبيعية والسياسية للصراع القائم في المنطقة، وبالتالي فهو يعلم أن ما يقوله من بيروت وعكار والجنوب، رفضاً للسياسات الاسرائيلية ودفاعاً عن حقوق القدس وغزة ولبنان، يختلف في تأثيراته ودلالاته عما يقوله من أنقرة البعيدة عن ساحة المواجهة المباشرة.
هو يقف هنا، على خط التماس العسكري والوجداني والسياسي والنفسي مع الاحتلال الاسرائيلي الذي سفك دماء الأتراك على متن سفينة مرمرة. وربما لم يبالغ أحد السياسيين عندما اعتبر أن جوهر زيارة أردوغان الى لبنان يكمن بالدرجة الاولى في الخطاب الموجه الى الاسرائيليين، وكأنه أراد أن يقول لهم إن الحدود السياسية لتركيا المتجددة امتدت حتى وصلت الى تخوم كيانهم.
وبهذا المعنى، هناك من يرى أن القول بوجود تقاطع استراتيجي يربط لبنان وإيران وتركيا وسوريا في مواجهة إسرائيل هو قول واقعي، وليست زيارة أردوغان وقبله نجاد إلا تعبيراً موضوعياً عن هذا المنحى، وعلى المكابرين الذين لا يعترفون بهذه الحقيقة أن يحسنوا قراءة المعطيات واستخراج دلالاتها.
لقد حاول أردوغان تصويب البوصلة في لبنان وحتى خارجه، بل لعله تجاوز في «لبنانيته» و«عروبته» البعض ممن جرفتهم أمواج العصبيات المذهبية والطائفية بعيداً، ليتقدم في حساباتهم الخطر الايراني أو الخوف من الشريك على أولوية التصدي لمشروع اسرائيلي، تبين أن زعيم تركيا هو أكثر وعياً لمحاذيره وأشد جذرية في رفضه من ضحاياه المفترضين في لبنان والعالم العربي.
وليس صعباً الاستنتاج، خلافاً لرغبات البعض، أن منطق الزعيم التركي يقود الى الإقرار الضمني بأهمية المقاومة لتحسين شروط المواجهة مع إسرائيل، ليبقى السؤال بعد مغادرة أردوغان: هل سيلتقط اللبنانيون «موجته» وهل سيقتنعون بأن إسرائيل تبقى مصدر التهديد الحقيقي للأمن والاستثمار في بلدهم وأن أي خلافات يجب أن تناقش وتضبط تحت هذا السقف؟
إن أردوغان من هذا النوع، يحتفل به سعد الحريري وجمهوره، لعله يكون الصنارة الكفيلة بصيد التسوية المؤجلة أو أن يكون الضامن لأحد أطرافها من دون أن يلزم الآخرين بذلك لاعتبارات سياسية واقتصادية واستثمارية.
بدا واضحا من طبيعة الاستقبالات الشعبية المنظمة التي أقيمت لأردوغان في عكار أن تيار المستقبل وجد في مجيئه الى لبنان مناسبة لتحقيق نوع من «توازن الرعب» مع الزيارة الشهيرة للرئيس الايراني على قاعدة ضمنية فحواها انه كما ان إيران الشيعية لها جمهورها وحضورها في لبنان، فإن تركيا السنية لها جمهورها وحضورها أيضا، وكما أن نجاد وجد من يصفق له بحرارة في الضاحية والجنوب، فإن هناك الكثير من الأكف الجاهزة للتصفيق بحرارة مماثلة لأردوغان.
ولكن ما فات أصحاب هذا «الاختزال» أو «التقزيم» المذهبي لتركيا وزعيمها، أن أردوغان ونجاد تناغما في لبنان ولم يتواجها، بل يمكن القول إن رسالة كل منهما قد تكاملت مع الأخرى في إعطاء الأولوية للخطر الاسرائيلي وضرورة مواجهته، وفات هؤلاء ايضا أن شعبية أردوغان في الوسط الشعبي المؤيد للمقاومة تكاد تكون جارفة على خلفية الإعجاب بمواقفه المبدئية.
والمفارقة أن الفوارق المذهبية بين طهران وأنقرة ذابت عندما أصبح كلاهما يقرأ في كتاب واحد يحمل عنوان التصدي للعنجهية الاسرائيلية، فيما راحت هذه الفوارق تتسع لدى اللبنانيين ولو أن بلدهم يقف في الصف الأمامي للصراع مع العدو.
ولعل النائب وليد جنبلاط كان من بين أوائل الذين استشعروا هذا المناخ، وهو قال لـ«السفير» أن كلام أردوغان المتصل بالصراع مع إسرائيل ممتاز وجميل جدا، خصوصا ما صدر عنه في عكار تحديدا، حيث أعاد أمام شريحة من اللبنانيين إحياء الخطاب العروبي الإسلامي الملتزم بفلسطين وقضيتها، بعد محاولة عزل هذه الشريحة عن تاريخها وتراثها وواقعها، منوهاً باستعادة أردوغان محطة حصار بيروت عام 1982 التي تبعث فينا الحنين الى زمن النضال النقي.
كان واضحا من الخطاب السياسي الذي اعتمده أردوغان خلال محطات جولته أن الأولوية بالنسبة اليه هي مواجهة العدوانية الاسرائيلية في المنطقة على الرغم من أن هاجس القرار الاتهامي هو الذي يستحوذ هذه الأيام على اهتمام معظم من التقاهم.
حاول أردوغان طمأنة اللبنانيين القلقين من تداعيات القرار، مبدياً استعداده للمساعدة حيث أمكن، ولكنه اجتنب في الوقت ذاته الانزلاق الى مستنقع الاصطفافات الداخلية أو القفز فوق الرياض ودمشق في مسعاهما المبذول لمعالجة الأزمة الراهنة، محتفظاً باعتدال في مخاطبة اللبنانيين، سرعان ما تحول الى تشدد في معرض مقاربته للسلوك الاسرائيلي العدواني.
لم يتردد الزعيم التركي في التعاطف مع اللبنانيين والفلسطينيين الذين دفعوا ثمن الاعتداءات المتكررة، وفي التمسك بالحقوق العربية المشروعة التي تخلى عنها أصحابها الأصليون، ولم يجد حرجاً في الهجوم على القرصنة الإسرائيلية بكل أشكالها وصولا الى مطالبة إسرائيل بالاعتذار من أبناء المنطقة وليس من تركيا فقط، مستخدماً لغة واحدة أمام الحشد الشعبي المتحمس في عكار، وفعاليات الجنوب في صيدا، والنخب الاقتصادية والمالية في بيروت.
بدا الزعيم التركي صريحاً ومباشراً في توجيه رسالة شديدة اللهجة الى تل أبيب انطلاقا من لبنان الملاصق للحدود مع الأراضي المحتلة. بطبيعة الحال يدرك أردوغان أهمية موقع لبنان في حيز الجغرافيا الطبيعية والسياسية للصراع القائم في المنطقة، وبالتالي فهو يعلم أن ما يقوله من بيروت وعكار والجنوب، رفضاً للسياسات الاسرائيلية ودفاعاً عن حقوق القدس وغزة ولبنان، يختلف في تأثيراته ودلالاته عما يقوله من أنقرة البعيدة عن ساحة المواجهة المباشرة.
هو يقف هنا، على خط التماس العسكري والوجداني والسياسي والنفسي مع الاحتلال الاسرائيلي الذي سفك دماء الأتراك على متن سفينة مرمرة. وربما لم يبالغ أحد السياسيين عندما اعتبر أن جوهر زيارة أردوغان الى لبنان يكمن بالدرجة الاولى في الخطاب الموجه الى الاسرائيليين، وكأنه أراد أن يقول لهم إن الحدود السياسية لتركيا المتجددة امتدت حتى وصلت الى تخوم كيانهم.
وبهذا المعنى، هناك من يرى أن القول بوجود تقاطع استراتيجي يربط لبنان وإيران وتركيا وسوريا في مواجهة إسرائيل هو قول واقعي، وليست زيارة أردوغان وقبله نجاد إلا تعبيراً موضوعياً عن هذا المنحى، وعلى المكابرين الذين لا يعترفون بهذه الحقيقة أن يحسنوا قراءة المعطيات واستخراج دلالاتها.
لقد حاول أردوغان تصويب البوصلة في لبنان وحتى خارجه، بل لعله تجاوز في «لبنانيته» و«عروبته» البعض ممن جرفتهم أمواج العصبيات المذهبية والطائفية بعيداً، ليتقدم في حساباتهم الخطر الايراني أو الخوف من الشريك على أولوية التصدي لمشروع اسرائيلي، تبين أن زعيم تركيا هو أكثر وعياً لمحاذيره وأشد جذرية في رفضه من ضحاياه المفترضين في لبنان والعالم العربي.
وليس صعباً الاستنتاج، خلافاً لرغبات البعض، أن منطق الزعيم التركي يقود الى الإقرار الضمني بأهمية المقاومة لتحسين شروط المواجهة مع إسرائيل، ليبقى السؤال بعد مغادرة أردوغان: هل سيلتقط اللبنانيون «موجته» وهل سيقتنعون بأن إسرائيل تبقى مصدر التهديد الحقيقي للأمن والاستثمار في بلدهم وأن أي خلافات يجب أن تناقش وتضبط تحت هذا السقف؟
إن أردوغان من هذا النوع، يحتفل به سعد الحريري وجمهوره، لعله يكون الصنارة الكفيلة بصيد التسوية المؤجلة أو أن يكون الضامن لأحد أطرافها من دون أن يلزم الآخرين بذلك لاعتبارات سياسية واقتصادية واستثمارية.