تجاهلها الإيرانيون الذين أسمعوه رسالة واضحة: العنوان الإقليمي للحل هو الجهود السورية السعودية، والعنوان اللبناني ليس سوى السيد حسن نصر الله. وذكّروه أيضاً بـ«وصيّة والده» التي يحتفظون بها مسجلة من أيام زيارته لطهران في 1997
إيلي شلهوب
يتوقع أن يغادر الرئيس سعد الحريري إيران اليوم حاملاً في حقيبته جملة من الأسئلة التي تنتظر جواباً عملياً منه. بات الاختيار واجباً وملحّاً «بين الطوفان وسفينة نوح». بين جيفري فيلتمان والرئيس بشار الأسد والملك عبد الله. هناك، في طهران، جرى تذكيره بوصية أبيه، التي يحتفظ بها الإيرانيون على تسجيل، يوم زار الجمهورية الإسلامية في 1997 وتساؤلات عما إذا كان قد عمل بها. وقد أبلغ بأن كل صولاته وجولاته العالمية لن تجدي، وأن لديه عنواناً واحداً لحل الأزمة: الضاحية. جرى إفهامه، بمجرد استقباله، أنه في نهاية الأمر «جاء إلى أحضان ولاية الفقيه».
أوحي إليه بأن هناك «طبخة كبيرة» في المنطقة وأن هناك اتجاهاً نحو «مساكنة» أميركية إيرانية.
لعله يستدرك، لحظة وصوله إلى بيروت، أنه ارتكب مجموعة أخطاء رافقت زيارته الإيرانية. تصريحاته عن المحاور، وتشكيلته للوفد المرافق «التي استبعد منها أكثر من نصف اللبنانيين» رغم أنه «يُفترض به أن يكون رئيس وزراء لبنان كله». وربما يدرك أن الحفاوة والتكريم اللذين حظي بهما في إيران إنما هما من تقاليد هذا البلد وأعرافه، وأن الإيرانيين يعلمون علم اليقين أنه لم يأت إليهم بدافع شخصي، بل بتشجيع سعودي، على غرار ما حصل معه يوم زار دمشق.
أوساط الرئيس محمود أحمدي نجاد تؤكد أن «الزيارة حتى الآن (بعد ظهر الأحد) بروتوكولية. استقبال في المطار وآخر رسمي في سعد آباد وحفل عشاء (السبت)، وزيارة للصناعات الدفاعية حيث تلقّى هدية عبارة عن رشاش تندر 90 إيراني الصنع، وأخرى لمصنع سيارات حيث أهداه الإيرانيّون ليموزين إيرانية الصنع قادها بنفسه إلى الفندق حيث يقيم. ومن ثم لقاء وزير الخارجية منوشهر متكي ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني». تضيف: «الجدّ سيبدأ مساءً (أمس) مع العشاء الذي يقيمه الرئيس نجاد واللقاء الثنائي، ومع اللقاء بالمرشد (علي خامنئي اليوم)» الذي سيليه توقيع بعض البروتوكولات والاتفاقات، على أن يتوجّه بعدها إلى أصفهان ومنها إلى باريس.
وتشير المصادر نفسها إلى أنه «لعل أهم ما حصل (حتى مساء أمس) هو مفاجأة الحريري للنائب الأول للرئيس محمد رضا رحيمي بطلب رفع مستوى اللجنة المشتركة التي يرأسها عن الجانبين وزير الإسكان الإيراني ووزير الصناعة اللبناني، إلى مستوى رئيس وزراء. قال له الحريري: سنرأسها أنا وأنت». وتضيف إن هناك أيضاً تصريحاً للحريري عن رغبته في «تعاون بين وزارتي الدفاع لتطوير مناهج دفاعاتنا».
في أحضان ولاية الفقيه
مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران تؤكد أن «الجمهورية الإسلامية تستقبل جميع قادة الدول بالترحاب وتُكرّمهم بإجلاسهم مع كبار قادتها، وعلى رأسهم المرشد (علي خامنئي). تفعل ذلك مع الأحباب والحلفاء، وأيضاً مع الأخصام الذين لا ترضى ولا ترتاح لأفكارهم ولا لخطّهم ولا لعلاقاتهم. حتى (الرئيس الأفغاني حميد) قرضاي و(رئيس وزراء العراق نوري) المالكي كرّمتهما عندما زاراها وأجلستهما مع كبار القوم». وتضيف إن «استقبال الحريري جاء على طريقة استقبال قرضاي، وللأهداف نفسها: تخفيف كمية الأثقال وحدّة الشرور المحيطة بهما، التي تثقل كاهليهما. نعرف أن هؤلاء يتعرضون لكمّ هائل من الضغوط الغربية، وما استقبالنا لهم إلا لرفع أوزار الأجنبي عن كواهلهم، لمساعدتهم على التخلص من بعض الأحمال».
وتوضح المصادر نفسها، في تقديمها للرسالة الإيرانية التي تزمع طهران إبلاغها للحريري، أنه «بما أن الحال اللبنانية في منعطف خطير قد تنعكس حرباً شاملة على المنطقة، وشاملة في أحد تداعياتها، فستكون (الحريري) مخطئاً إن كنت تعتقد بأنك مخيّر بين أمرين: لبنان أولاً أو محور سوري إيراني. إنك مخيّر بين مخطط جهنمي يريد أن يشعل المنطقة عن طريق طيش (نائب وزير الخارجية الأميركية جيفري) فيلتمان، ومسعى سعودي سوري فيه تدبير وحكمة لإخراجك من هذا المنزلق». وتضيف «لم يطالبك أحد يوماً بأن تكون في محور سوري إيراني ضد محور عربي اعتدالي كي تقول في تصريحاتك لوكالة الأنباء الإيرانية إن لبنان لا يريد أن يكون في محاور إقليمية. هذا دليل على أنك لا تقرأ جيداً ما يحصل».
وتتساءل المصادر نفسها أن «الحريري ورفاقه في فريق 14 آذار واصلوا على مدى خمس أو ست سنوات التشديد مراراً وتكراراً على الإمبراطورية الفارسية وأطماعها ومهاجمة ولاية الفقيه، وها هو اليوم يجلس في أحضانها. كيف سيبرر خطوته تلك لجمهوره؟ يقول اليوم إن لإيران دوراً مهماً في المنطقة وفي استقرار لبنان، فما اعتراضه إذاً على قوله لشريكه في الوطن إنه من حزب ولاية الفقيه» في إشارة إلى خطابات سابقة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
تجاهل نصف اللبنانيين
تتابع المصادر نفسها أنه «يبدو أن الحريري سقط في التجربة. قلنا له دائماً إنه رئيس وزراء كل لبنان، ومع ذلك يأتي إلينا متجاهلاً أكثر من نصف اللبنانيين. هناك تساؤل اليوم في طهران عن سبب غياب ثلاثة من الأعمدة الأساسية في لبنان، وهم ميشال عون ونبيه بري ووليد جنبلاط. كان يفترض به أن يجلب معه، في عداد الوفد، وزير السياحة فادي عبود، ووزير الخارجية علي الشامي ووزير الأشغال غازي العريضي، وهؤلاء يمثلون قطعاً أكثر من نصف اللبنانيين». وتقول «صحيح أن وزير الشباب والرياضة علي عبد الله موجود في عداد الوفد، لكن ذلك لم يحصل وفق رغبة حريرية عند تشكيله، بل صدف أن عبد الله كان موجوداً في طهران من ضمن مشاركته في مؤتمر وزراء شباب الدول الآسيوية قبل زيارة الحريري الذي التحق بوفده بروتوكولياً وتأدباً». وتضيف «أما (وزير الدولة للتنمية الإدارية محمد) فنيش، فيعدّ وجوده ضرورياً لكي يكون شاهداً على الواقعة. إنه الملح الأساسي للطعام. تأشيرة الدخول إلى طهران»، مشيرةً إلى أن «الشامي لم يرافق الحريري اعتراضاً على شكل الزيارة التي جرت من دون تنسيقها معه تنسيقاً جيداً».
وترى المصادر أنّ «الحريري في وضع عصيب جداً. يلفّ العالم ذهاباً وإياباً، لكنه ليس قادراً على بلوغ دمشق ولا الضاحية ليحل المشكلة». وتستطرد أن «الحريري حصل معه أن حاول الالتفاف على نصر الله، لما ساءت العلاقة بينهما في السابق، وقام بزيارة النجف حيث التقى السيد (علي) السيستاني. وقتها لم يكن قد تولّى رئاسة الحكومة. خرج من عند السيستاني بخفّي حنين. لم يكن يعرف حينها أن المنبع الأصلي في طهران لا في النجف». وتقول «اليوم، لما أقفلت في وجهه وبات عاجزاً عن مقابلة نصر الله، أتى إلى طهران طلباً لوساطتها. الجواب واضح: الأفضل لك أن تذهب إليه مباشرة كي تضمن لنفسك مقعداً في سفينة نوح، لأنه لو جاء الطوفان، فلن تدخل هذه السفينة ولن يحميك إلا السيد نصر الله، لا أميركا ولا فرنسا ولا الدول الإسلامية».
وتكشف المصادر نفسها عن أن «الجميع يعمل لتطويق القرار الظني والمحكمة. هناك طبخة كبيرة تسهم فيها فرنسا وتركيا وسوريا والسعودية وقطر وإيران وربما الولايات المتحدة، تقوم على نظرية تفيد بأنه يمكن إطفاء شعلة المحكمة والقرار الظني رويداً رويداً وذلك في مقابل هدوء في أفغانستان والعراق وفلسطين. نوع من المساكنة بين قوة إقليمية مستقوية وقوة دولية في حالة انتكاسة». وتضيف إنه «إذا قبلت فرنسا وروسيا الضغط على أميركا للضغط على إسرائيل لتمنع القرار الظني والحرب، تكون المساكنة، وإلا فالطوفان»، مشددة على أن «المحكمة إسرائيلية بالكامل، هذا محسوم لدينا بلا أدنى شك، وهدفها الانتقام من المنتصرين في حرب تموز».
وصيّة الحريري الأب
تؤكّد المصادر أنّ «الهدف النهائي هو إزالة المحكمة الحالية، لا التوقف عن البحث عن الحقيقة وعن قتلة الرئيس رفيق الحريري. من هنا، فإن الرسالة الإيرانية للحريري الابن هي: أنتم صحيح أولياء الدم وعندكم شهداء، لكنكم تسيئون قراءة من تتّهمونهم. هؤلاء أبطال ومقاومون من نوع آخر». تضيف إنه «سيجري تذكير الحريري بوصية والده يوم جاء إلى طهران قبل 13 عاماً. وقتها قال إن لديه ولدين، بهاء الدين وسعد الدين. الأول أوكلته الاهتمام بالعلاقة مع السعودية لكونها دولة إقليمية مهمة. أما الثاني، فسأوكله بإيران لأنها أيضاً دولة إقليمية مهمة جداً واستراتيجية بالنسبة إلى لبنان لا بد من احتضانها والعمل معها. يومها ترك الحريري ابنه سعد الدين في إيران وغادر».
وتتابع المصادر نفسها «يوم جاء الحريري الأب إلى إيران، حمل معه معادلة رعب استقاها من عدوان 1996 الذي كان مساهماً فيه بطريقة أو بأخرى. غير أن الحريري الابن يأتي مثقلاً بفتنة فيلتمان و14 آذار والأمانة العامة. لا إيران اليوم هي إيران الأمس، ولا حزب الله اليوم هو حزب الله الأمس»، مشيرةً إلى أن «طهران غضّت الطرف عن أن هذا الرجل ليس بوزن أبيه كبادرة حسن نية وفأل خير، لعله يكون على سر أبيه ويحفظ هذه الأمانة وهذا الإرث. إن نجحت الزيارة تكون التسريبات في شأن إبلاغ الحريري الرئيس ميشال سليمان استعداده لإلغاء القرار الظني والمحكمة صحيحة، وتكون إيران قد نجحت والحريري فاز بقلوب جميع اللبنانيين، وأصبح زعيماً على غرار أبيه».
أسرار الزيارة
❞هناك «طبخة كبيرة» في المنطقة واتجاه نحو «مساكنة» أميركيّة إيرانيّة
أخطأ الحريري في حديثه عن المحاور وفي تجاهله العونيّين وأمل وجنبلاط في تشكيلة الوفد
❝دعوة سلطات طهران للحريري إلى إيران قديمة، من آب الماضي، وذلك برسالة مكتوبة وجّهها إليه النائب الأول للرئيس، محمد رضا رحيمي، الذي يعدّ منصبه بمثابة رئيس وزراء، حملها إليه وزير الصحة محمد جواد خليفة يوم زار إيران. ولمّا زار نجاد العاصمة اللبنانية في تشرين الأول عاد وأكّدها، لكن جواب الحريري وقتها كان «إن شاء الله». ثلاثة تطورات طرأت في الفترة الأخيرة أملت الاستعجال في تحديد الموعد وفرضت على الحريري الاستجابة:
1ــ زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني للسعودية قبل أيام من الحج، جاءت زيارة الحريري كأحد إفرازاتها.
2ــ تشجيع سعودي للحريري الابن للقيام بمثل هذه الزيارة تحت عنوان أن الرياض تعمل حالياً على تسوية أوضاعها مع طهران، وأن على رئيس الحكومة اللبنانية أن يذهب إلى هناك ويتولى تدبير أموره، على غرار ما حصل مع سوريا.
3ــ حركة سفراء في بيروت قوامها السعودي علي العسيري والسوري علي علي والإيراني غضنفر ركن أبادي، الذي أبلغ الحريري أن «الدعوة ملحّة فتفضّل إلى طهران».
وتقول المصادر نفسها إن «ظروف الزيارة نضجت وأسهمت السعودية في إنضاجها لحظة أبلغته فيها أن يعقل ويتوكّل وأنه سيحصل على بعض ما حصل عليه والده يوم زار طهران (في إشارة إلى تقاسم الأدوار بينه وبين حزب الله). لكنه جاء بأخطاء لم يرتكبها أبوه».
يذكر أن الرئيس الحريري التقى مساء أمس الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، وتناولا المستجدات الإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها. ويختتم الحريري اليوم زيارته إلى طهران بلقائه، صباحاً، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد علي خامنئي.