أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

السيد الخامنئي يؤكّد بقاء المقاومة والحريري يربطها بالوحدة

الثلاثاء 30 تشرين الثاني , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,857 زائر

السيد الخامنئي يؤكّد بقاء المقاومة والحريري يربطها بالوحدة
وسط استمرار حالة الترقب الداخلي بانتظار استئناف التواصل السوري – السعودي، وفي ظل الشلل المستمر في عمل مجلس الوزراء، يبدو ان رئيس الحكومة سعد الحريري قرر ان يمضي «المرحلة الانتقالية» في طائرته متنقلاً بين العواصم الإقليمية والدولية.. الى حين ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
من إيران، غادر الحريري الى باريس حيث من المقرر ان يلتقي اليوم الرئيس نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة فرانسوا فييون، على ان يتوجه لاحقاً الى أنقرة للقاء عدد من المسؤولين الاتراك.
ولكن تبقى الزيارة الى إيران، بنتائجها ودلالاتها، هي الأبرز. لقد بدت الايام الايرانية للحريري في طهران مليئة بالرسائل. لقد وجد الحريري في عاصمة «ولاية الفقيه» استقبالاً دافئاً عكس رغبة في تبديد هواجسه وتعزيز العلاقات الشخصية والسياسية معه. أهدى الايرانيون رئيس الحكومة سلاحاً يمكن إدراج رمزيته في إطار دعم مبدأ المقاومة. ثم أهدوه سيارة إيرانية الصنع، يفترض ان يحسن قيادتها على الطريق الذي يقود الى التفاهم مع حزب الله.
ليس أمراً عادياً ان يدعو نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي في مستهل الاجتماع الاول الذي عقده مع رئيس الحكومة الى قراءة الفاتحة على روح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد مرور خمس سنوات على اغتياله. يُبين كل مسار الزيارة، ان طهران أرادت ان توحي للحريري عبر إشارات مختلفة انها بما تمثله من مرجعية في العالم الشيعي تحترم زعامته التي تكتسب في أحد جوانبها بُعداً سنياً. بل ان أحد أعضاء الوفد الذي رافق رئيس الحكومة لم يتردد في القول لـ«السفير» إن السلوك الإيراني بدا
وكأنه يمنح نوعاً من «الحصانة» لموقع الحريري ولحكومته التي جرى التوقيع مع عدد من وزرائها على تسع مذكرات تفاهم، فيما ترتفع أصوات في المعارضة تهدّد بإطاحة الحريري وحكومته إذا اتهم القرار الظني عناصر في حزب الله.
ويرى مواكبون لزيارة الحريري ان الايرانيين أرادوا أن يطمئنوه الى حقيقة نيات طهران حياله بعيداً عن الأفكار المسبقة والتأويلات المريبة، وأن يؤكدوا له ان مكانه محفوظ في الشراكة الاقليمية التي تؤسس في المنطقة للتعامل مع مرحلة ما بعد خروج الأميركيين منها، وانه يستطيع ان يكون أحد الرابحين في المعادلة الجديدة ومن مردودها إذا أحسن التصرف بدلاً من ان يقوده البعض الى أن يدفع ثمنها ويكون أحد ضحاياها.
وفي هذا السياق، وجد الحريري موقفاً إيرانياً متمسكاً بالثوابت المتصلة بدعم المقاومة والتماسك الداخلي وكشف الحقيقة المجردة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. عبّر الايرانيون عن ثوابتهم على طريقة حياكة السجاد، من دون استفزاز رئيس الحكومة. وفي المقابل يستطيع الحريري أن يفترض انه أحسن الدفاع عن «ثوابته» من خلال عمله على الارتقاء بالعلاقة بين ايران ولبنان من الاقنية الجانبية والاتجاه الأحادي الى المستوى الرسمي والمؤسساتي.
في موضوع المحكمة، تجنب الايرانيون الاستغراق كثيراً في تفاصيله أمام الحريري، ويقول أحد الوزراء العائدين بعد ظهر أمس الى بيروت انه لمس ان هاجس طهران هو تفادي تداعيات القرار الظني في حال اتهم عناصر في حزب الله. ولهذا ربما، لمس رئيس الحكومة من المسؤولين الايرانيين دعماً واضحاً للمسعى السوري السعودي الهادف الى ايجاد تسوية ملائمة، من دون ان يعني ذلك انهم لم يطلقوا إشارات واضحة الى عدم ثقتهم في قدرة هذه المحكمة على الوصول الى العدالة. ومع ذلك، فهم تمكنوا من إيجاد مساحة مشتركة مع الحريري في البيان الختامي الذي أكد باسم الحريري والقيادة الايرانية رفض الاستغلال السياسي للمحكمة الدولية.
وفي موضوع المقاومة، كانت الطروحات الايرانية شديدة الوضوح. سمع الحريري من كل المسؤولين الذين التقاهم حرصاً على المقاومة، ولكن رسالة المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي تبقى الأشد وقعاً.
وفق السيناريو الاول للقاء بين خامنئي والحريري كان مقرراً ان يحضر الحريري وحده، إلا ان الرأي استقر أخيراً على ان يشارك عدد من أعضاء الوفد اللبناني المرافق، بما يعكس التنوع الطائفي للبلد. تولى المترجم الحاضر ترجمة كلام «المرشد» من الفارسية الى العربية رغبة من السيد خامنئي في ان يكون دقيقاً في التعبير عن أفكاره، بينما استمع الى كلام الرئيس الحريري من دون ان يطلب ترجمته، لكونه يفهم العربية جيداً.
كان خامنئي شديد الصراحة في مداخلته، وعلمت «السفير» انه توجه الى الحريري بالقول: طالما ان الكيان الصهيوني موجود فإن المقاومة في لبنان يجب ان تبقى موجودة. أما الحريري، فقد أجابه ـ حسب المعلومات ـ قائلاً: أهم قوة للبنان والمقاومة هي الوحدة الوطنية، ومن دون وحدة الشعب اللبناني والعيش المشترك ومن دون حكومة وحدة وطنية فاعلة، فإن المقاومة ستكون ضعيفة. إن الوحدة هي من أهم شروط المناعة في مواجهة اسرائيل. وأكد الحريري انه جاء الى إيران ليستكمل ما كان قد بدأه والده على صعيد العلاقة بين البلدين.
وشدد خامنئي امام الحريري على وجوب إدراك قيمة المقاومة والحفاظ عليها لأنها الوحيدة القادرة على ردع الكيان الصهيوني، داعياً الى تعزيز العلاقة بين الحريري والسيد حسن نصرالله. وقبله، سمع الحريري من الرئيس محمود أحمدي نجاد ما يشبه النصيحة بان تعمل الحكومة اللبنانية على توحيد صفوفها مع «حزب الله» من أجل المصلحة العامة، وعندها لن يبقى للكيان الصهيوني ما يفعله.
حاول الحريري ان يلاقي الايرانيين في منتصف الطريق. أعاد الاعتبار الى معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» الواردة في البيان الوزاري بعدما كادت تضيع في زواريب التجاذبات الداخلية تحت وطأة محاولة المقايضة بين هذه المعادلة وبين المحكمة الدولية. أكد الحق المشروع في تحرير ما تبقى من أرض محتلة في الجنوب. أقر بأنه قطع الشك باليقين بعدما تأكد من ان إيران تريد الخير للبنان وأبنائه. دافع عن حق طهران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية رافضاً ان يكون لبنان جزءاً من منظمة الضغط الدولي عليها، علماً ان أزمة حادة كادت تحصل في البلد على خلفية انقسام مجلس الوزراء حول الموقف من العقوبات على إيران. أشاد بوقوف الجمهورية الاسلامية الى جانب لبنان في حرب تموز بعدما كان يقال انها من المحرضين عليها، ونوّه وبمواكبتها للمسعى السوري ـ السعودي بعدما كنت متهمة بان حساباتها تختلف عن حسابات دمشق.
ومن المؤكد، ان الزيارة ستساهم في تنفيس حدة الاحتقان المذهبي السائد في لبنان وحتى في المنطقة، كما انها قد تساهم في الحد من سهولة الاختراق الاميركي للساحة اللبنانية والذي كان يستفيد في حركته من هواجس البعض حيال إيران، ذلك ان صورة الاجتماع بين الحريري والسيد خامنئي تحمل الكثير من الدلالات والـتأثيرات، والاكيد ان الحريري أصبح يفهم إيران أكثر مما كان عليه قبل هذه الزيارة، تماما كما ان طهران باتت تعرفه أكثر مما كانت عليه قبل ان تستقبله.
وبطبيعة الحال لم يكن للعلاقة بين الحريري وإيران ان تكتسب هذه الاندفاعة القوية الى الأمام، لو ان العلاقة بين الرياض وطهران لم تشهد مؤخراً تحسناً ملحوظاً تجلى في أشكال مختلفة، بل ان هناك من يضع زيارة رئيس الحكومة في سياق التعبير عن التطور الحاصل في مستوى التواصل بين القيادتين السعودية والايرانية، علما انه سبق وصول الحريري الى طهران زيارة قام بها معاون وزير الخارجية الايراني الى الرياض، وتبعها موقف لافت للانتباه للرئيس نجاد الذي هاجم تسريبات موقع «ويكيليكس» المتعلقة بالتحريض السعودي لواشنطن على ضرب إيران، رافضاً تصديقها ومؤكداً ان مثل هذه التسريبات لن تؤثر على علاقة بلاده مع جيرانها.
ولئن كان البعض قد شبه زيارة الحريري الى إيران بالزيارة الاولى التي قام بها الى دمشق بعد مرحلة من الخصومة الشديدة، إلا ان مدى مناعة نتائجها ستكون موضع اختبار في بيروت، حيث يتعرض رئيس الحكومة عادة الى مؤثرات تدفعه الى تكييف سلوكه معها.
ولعل أبرز الأسئلة التي ستواجه قوى 14 آذار بعد رحلة إيران هي من نوع: هل ستتغير الأدبيات القديمة، وهل سيظلّ مصطلح دولة ولاية الفقيه او حزب ولاية الفقيه قيد التداول، وهل يمكن للأمانة العامة لقوى 14 آذار ان تعود الى الكلام عن طموح إيران الفارسية في ان تجعل من لبنان قاعدة لها على البحر المتوسط، وهل سيلتزم صقور تيار المستقبل بالسقف الذي رسمه الحريري في طهران؟
الى ذلك، قال الوزير الكتائبي سليم الصايغ لـ«السفير» بعد عودته ان النظرة الى إيران من الداخل تختلف عن النظرة اليها من الخارج، لافتاً الانتباه الى انه لم يلمس آثاراً واضحة للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، «بل شعرت ان هناك حركة عمران مزدهرة في طهران».
واعتبر انه لأول مرة ترتقي العلاقة بين إيران ولبنان الى مصاف العلاقة المؤسساتية بين دولتين، مشيراً الى ان الزيارة، وعدا عن نجاحها في تعزيز التعاون الثنائي على مستوى الدولتين في العديد من المجالات، فهي كسرت ايضا الجليد الذي كان قائما بين فريق من اللبنانيين وإيران. ووصف الزيارة بأنها تأسيسية وفتحت آفاقاً واسعة للبلدين، من دون ان تكون الترجمة فورية بالضرورة، موضحاً انه لمس من المسؤولين الايرانيين رغبة في الحفاظ على الاستقرار في لبنان.
توقيع مذكرات تفاهم
وكانت قد عقدت جلسة محادثات موسعة ختامية أمس في مجمع سعد أباد بين الوفدين اللبناني والايراني برئاسة الحريري ورحيمي جرى خلالها توقيع تسع مذكرات تفاهم في المجالات الاجتماعية والثقافية.
وعقد الحريري ورحيمي مؤتمراً صحافياً مشتركاً، اعتبر خلاله رحيمي ان الحكمة والحنكة التي نعرفها عن الرئيس الحريري وعن كبار الشخصيات اللبنانية قادرتان على تطويق ازمة المحكمة الدولية وحلّها بكل سهولة. وأكد ان الجمهورية الاسلامية تدعم كشف الحقيقة بمعناها الحقيقي، مشدداً على ضرورة ان تكون المحكمة الدولية بعيدة جدا عن المهاترات السياسية.
أما الحريري، فأكد ان التلازم بين الاستقرار الداخلي اللبناني والاستقرار الإقليمي كان في صلب المحادثات، مؤكداً حق لبنان المشروع في تحرير أرضه في الجنوب، والتزام تطبيق القرار 1701. وجزم بأن لبنان لن يكون جزءاً من أي منظومة دولية للضغط على إيران وفرض الحصار على الشعب الإيراني. وطمأن الى أن مسار الأمور في لبنان يتحرك في الاتجاه الصحيح، تحت مظلتين كبيرتين: مظلة الحوار الوطني اللبناني الذي لن ينقطع بين قيادات لبنان، ومظلة الرعاية السعودية ـ السورية المشتركة والمستمرة للملف اللبناني.
وأذاع المكتب الإعلامي للحريري بياناً ختامياً للزيارة، جاء فيه أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان، وتبدي مساندتها الكاملة للدولة اللبنانية والشعب اللبناني وللمقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية في مواجهة العدو الصهيوني».
ونقل البيان عن الجانب اللبناني «تقديره لدور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعم تحقيق الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار في لبنان، وأعرب الجانبان عن دعمهما للمسعى السعودي ـ السوري المشترك في هذا المجال». وأعرب الجانبان عن «مساندتهما تحقيق العدالة واكتشاف الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وعدم الاستغلال السياسي للمحكمة».
وأعلن البيان عن أن الجانبين «اتفقا على تشكيل اللجنة المشتركة العليا برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورئيس مجلس الوزراء اللبناني».
الى ذلك، اعتبر رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني ان القرار الظني والمحكمة الدولية مشروع أميركي ـ اسرائيــلي يهدف الى ضرب الاستقرار في لبنان. وقال خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية البرلمانية الآسيوية التي عقدت في دمشق امس، إن الاطياف اللبنانية المختلفة هي صاحبة الشأن، وهي قادرة على حل مشكلاتها بنفسها ولا تحتاج الى أحد من الخارج.

Script executed in 0.19500303268433